البعض يراها تنظيمية وآخرون يعتبرونها سمة إسلامية
دبي / متابعات:يتجدد الجدل الشرعي في السعودية بين الفترة والأخرى بشأن توقف الأنشطة وإغلاق المحلات التجارية في وقت الصلاة، ويبدو الانقسام واضحاً حول ما إذا كان الإغلاق يرتبط بصلاة الجمعة فقط أم بجميع الصلوات، حيث تباينت آراء شرعيين واقتصاديين وباحثين بين من يؤكد عدم وجود موانع فقهية، وبين من يعتبره واجباً دينياً وسمة للدولة الإسلامية.وأكد الدكتور سعد بن مطر العتيبي، الأستاذ بالمعهد العالي للقضاء، أنه يجب التفريق أولاً بين الدين والإجراءات التي تحفظ الدين، وأن النصوص الشرعية التي تلزم بوجوب الصلاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر موجودة، مشيراً إلى أن إغلاق المحلات وقت الصلاة كان معمولاً به في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين.من جهته، أوضح الباحث الشرعي عبدالله العلويط أنه لا يوجد دليل واحد يوجب معاقبة من لا يغلق محله وقت الصلاة، وأن مشكلة من يوجب الغلق اعتقاده أن ذلك سيجبر الناس على أداء الصلاة. أما رجل الأعمال عبدالله الأحمد، الرئيس التنفيذي لمجموعة البندر، فيؤكد أن إغلاق المحلات وقت الصلاة وبالوضع الحالي يتسبب في أضرار اقتصادية ملموسة على مجموعته.وذهب الخبير والكاتب الاقتصادي د. فهد بن جمعة إلى تأكيد أن الإغلاق قد يؤدي إلى مضاعفة ساعات العمل على العامل السعودي، مشيراً إلى أن الشركات الصغيرة والمتوسطة هي الأكثر تضرراً.وطالب الدكتور العتيبي بوجوب التفريق بين القضايا الجزئية والأنظمة العامة، مشككاً في أنه لا تتم حالياً مساءلة من أغلق محله هل صلى أم لا؟ معتبراً أن “الفتوى الرسمية” حسمت المسألة، وأن الفلسفة الإسلامية تنطلق من أن المال في خدمة الدين وليس العكس، مؤكداً أنه لا يجوز قراءة الدين بطريقة مادية بحتة.وتمنى أن تصل ثقافة العمل لدى المجتمع المحلي إلى مثيلتها لدى الدول المتقدمة، معتبراً أنه “لا إنكار في مسائل الخلاف، بمعنى لا تجريم ولا تأثيم”، مشيراً إلى أن الأمر قد حسم بتدخل ولي الأمر وإقرار الغلق.ونفى العتيبي أن يكون في النظام عقوبات بحق مخالف إغلاق المحلات وقت الصلاة، وأن العملية “تنظيمية” بالدرجة الأولى، وأن نظام هيئة الأمر بالمعروف ينص على “الغلق”، لكنه لا ينص على معاقبة من يخالف ذلك، مؤكداً أنه من حق أي جهة لديها اقتراحات تفيد الموضوع أن تتقدم بها إلى الدولة، وأن من لديه “ مفاسد” هو من يجب عليه تقديم دراسات توضحها، مبدياً أسفه لكون “ثقافة النظام لدينا ضعيفة”.وختم الأستاذ بالمعهد العالي للقضاء بالقول: “هناك فرق بين الإلزام وبين مظاهر الدين الإسلامي، وأنه يجب بالفعل أن تستثنى بعض الحالات من نظام الغلق”، مؤكداً أن ذلك موجود ومعمول به الآن.من جهته، أكد الباحث الشرعي عبدالله العلويط أنه “لا يوجد أي أساس شرعي لمسألة الإغلاق”، مبيناً أن الغلق لن يجبر الناس على الصلاة كما يعتقد من يقف خلفه، وأن بعض أوقات انتظار الصلاة تصل إلى 45 دقيقة، وهو أمر مبالغ فيه بدليل أن الجهات المعنية بدأت بمراجعته. وأكد أن ضرورة حفظ المال مقدمة على “تحسين أمور الدين”، مشيراً إلى اتساع الوقت الذي أتاحه الدين في مسألة الصلاة.واعتبر العلويط إغلاق المحلات وقت الصلاة من السياسات الشرعية، وأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر “ليس الأمر السلطوي”، مشيراً إلى أن السمة الإسلامية ستكون أفضل في حال عدم الإغلاق.وطالب رجل الأعمال عبدالله الأحمد بمراجعة القرار بما أنه يعتمد أساساً على فتوى ربما تكون ظروف إطلاقها قد تغيرت، كما أنه لا يوجد نظام محدد أو مكتوب إجرائياً، مؤكداً أن الخسائر ملموسة وأن إغلاق المحلات “يؤثر على العاملين ومستوى إنتاجهم”.وأوضح الأحمد أنه وعدداً من المتضررين حاولوا اللجوء للجهات ذات الاختصاص حيث “تظلمنا، ولكن حتى الآن لم نجد أي تجاوب”.يُذكر أن لوائح هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تنص على الإغلاق، وسبق أن كشف تقريرها الإحصائي الأخير حالات التخلف عن الصلاة أو الاستمرار في العمل بعد الأذان، حيث بلغ عددها 23 ألفاً و710 حالات، بينما بلغ عدد الأشخاص الموقوفين بسبب هذه المخالفات نحو 25 ألف شخص.وتتعرض المحلات التجارية المخالفة لنظام الإغلاق في أوقات الصلاة لغلقها بالشمع الأحمر، والعقوبة لا تطبق إلا بعد إنذار أصحاب المحلات ثلاث مرات، وعند تكرارها في المرة الرابعة يتم إغلاق المحل 24 ساعة، وفي حال تكررت المخالفة ترتفع مدة الإغلاق إلى 48 ساعة، وفي حالات نادرة جداً تحوّل بعد تطبيق العقوبة الثانية إلى المحكمة الجزئية.وسبق أن كشف وكيل وزارة الأوقاف والدعوة والإرشاد الدكتور توفيق السديري أن الوزارة تدرس تقليص المدة الزمنية بين الأذان والإقامة، مؤكداً أن الوزارة لم تبدأ في الدراسة إلا منذ مدة قصيرة، وتحتاج إلى وقت للبت فيها.