يمن جديد.. ملامح ثورة.. في مضامين خطاب الرئيس ( 8 - 6 )
[c1]تجربة المجالس المحلية نجحت في ترسيخ القناعة بنهج اللامركزية [/c]شهدت بلادنا خلال بضع السنوات الماضية الكثير من النقلات المتقدمة في اتجاه توسيع المشاركة الشعبية التي أثرت بشكل واضح في مجالات حياتنا المختلفة .وإذا كانت الانتخابات البرلمانية والرئاسية - علي سبيل المثال - أفرزت آثار ومترتبات ظهرت في مسار الحياة السياسية قبل أي مسار آخر .. فإن انتخابات مجالس السلطة المحلية بدت ذات صلة وثيقة ومباشرة بمسار الحياة التنموية الشاملة وفي الصدارة من ذلك التنمية المتعلقة بالجانب الخدمي المرتبط بحياة الناس بشكل مباشر .وباقرار قانون السلطة المحلية وانتخاب مجالسها في المديريات والمحافظات بدأت تتقلص عقد المركزية وتخف وطأة تأثيرها على تفاصيل الحياة وفي مقدمتها الحراك التنموي .ولم تكن المسألة تتعلق فقط بمشاركة أوسع للمجالس المحلية في التخطيط والرقابة ورسم السياسات التنموية وحسب ، بل إن ثمَّة إشكالية كانت بارزة فيما يتعلق بعدالة توزيع المشاريع الخدمية وإنجازها على مستوى المحافظات والمديريات والعزل والقرى ، وخاصة في المناطق النائية والبعيدة التي لم تكن تحظى بالاهتمام المناسب لبُعدها عن أعين أجهزة الدولة ومرافقها ومسؤوليها ، وبالتالي جاءت المجالس المحلية ودشنت مهامها في سنوات عمرها الأولى ، أو دورتها الأولى (2002 - 2006م) لتكشف عن حاجة كانت ملحة لأصوات متساوية تُعنى بقضايا ومتطلبات التنمية في كل عزلة وقرية .واستطاعت المجالس المحلية أن تحقق نجاحات لابأس بها في إيصال صورة واقعية ملموسة لواقع التنمية في كل الأحياء والقرى والمدن ، كما حققت نجاحاً نسبياً فيما يتعلق بالتخطيط ورسم السياسات التنموية وفقاً لمعطيات واقعية حقيقية ، علاوة على حضورها الفاعل في الجانب الرقابي ، وإن كانت كل هذه النجاحات ليست بمستوى المأمول في بعض المحافظات والمديريات ، ولكنها في جميع الأحوال كشفت عن إشكالات حقيقية ذات صلة بالجوانب التنموية ، ورصدت الكثير من الأخطاء والاختلالات والتجاوزات ومظاهر الفساد الإهمال التي كانت بيئتها الحقيقية المركزية الشديدة والروتين الممل وازدواجية القرار وعدم وجود التكامل بين السلطة المركزية ومرافق أجهزة الدولة في المحافظات وأجهزة السلطة المحلية .بل لقد أظهرت تجربة السلطة المحلية بجلاء أن قوى الفساد داخل وخارج أجهزة الدولة وجدت مرتعاً خصباً لممارسة أنشطتها الهدامة بين ثنايا التباين والخلافات والصراعات أحياناً التي كانت قائمة بين أجهزة السلطة المركزية والسلطات المحلية ، بل إن قوى الفساد أو بعضها عمدت إلى تغذية ذلك التباين وتمكنت من أن تحوله إلى صراعات في بعض الأحيان لينشغل الجميع عن ممارسات واختلالات وسرقات ونهب منظم لمقدرات الوطن وامكانات الدولة والنفقات المهولة التي تصرف على المشاريع وحتى المتاجرة بالوظائف الحكومية .وأتضح أيضاً أن كثيراً من المشاريع التنموية التي كانت تمول مركزياً وتعلن مناقصاتها وتوقع عقودها مركزياً كانت بيئة للنهب والفساد والسرقات التي عجزت الرقابة المركزية عن متابعتها وكذلك السلطة المحلية .وهنا برزت الحاجة الشديدة لحسم هذا الموضوع الذي تناولته كثيراً أوراق عمل مؤتمرات المجالس المحلية السنوية وجعلت منه قضية محورية في كل مداولاتها على مدار السنوات الماضية وهذا أمر واضح في ذهن الرئيس / علي عبدالله صالح الذي وجه الحكومة وأجهزة السلطة المركزية ببذل الجهود للدفع في اتجاه اللا مركزية المالية والإدارية بشكل تدريجي متوازن ودون مغامرة .وعلى الرغم من وجود كثير من قوى ومراكز النفوذ التي وقفت في الاتجاه المضاد لهذا التوجه إلاّ أن العجلة تحركت بعزيمة وإصرار القائد الباني الحكيم .وبمتابعة جادة وحرص على تقييم التجربة عن قرب عمد الرئيس / علي عبدالله صالح إلى الحضور المستمر من خلال الزيارات الميدانية والمتابعة الحصيفة لما يدور في أجهزة السلطة المحلية في المحافظات والمديريات وكان في كثير من الأحيان يتدخل لحل الاشكالات وإقالة العثرات حتى اطمأن إلى نسبة نجاح ونضوج كافية للانتقال إلى " اللا مركزية الكاملة " .وعلى هذا الأساس جاء برنامج العمل السياسي الذي أقره المؤتمر العام السابع للمؤتمر الشعبي العام في ديسمبر 2005م في عدن ليحمل توجهاً واضحاً نحو لا مركزية مالية وإدارية بالتوازي مع سلطة محلية بصلاحيات كاملة وغير منقوصة .وجاء البرنامج الانتخابي للرئيس / علي عبدالله صالح والمؤتمر الشعبي العام للانتخابات الرئاسية والمحلية يتضمن توجهاً صريحاً نحو سلطة محلية كاملة الصلاحيات ، بالتلازم مع اجراءات تنهي كل مظاهر " المركزية المالية والإدارية " وقضية اللا مركزية صارت ناضجة وواضحة المعالم وتحظى بعناية ودعم واهتمام الرئيس فقد جعلها في مقدمة ما أعلن عنه في خطابه الجماهيري الكبير الذي نحن بصد قراءة تفاصيله التي أكدت ليس فقط التوجيهات ، بل الخطوات العملية لتحقيق نظام لا مركزية يعزز حركة التنمية ويوسع المشاركة الشعبية ويجسد على أرض الواقع " يمن جديد .. ومستقبل أفضل" .