الرئيس علي عبدالله صالح .. وتحديات بناء الدولة اليمنية الحديثة
تميز اليمن بواقع اتسم بالتعقيد والتشعب على الصعيد السياسي والاجتماعي سواء في العلاقات الداخلية أو في العلاقات مع الآخرين . وهذا ما جعل الإمساك بمفاصل تلك التعقيدات والتشعبات غاية في الصعوبة .وكانت اليمن تمر بأزمات بالكاد تجد الحلول حتى تقع في أزمات أكثر عمقا ، فمن الحروب الأهلية ودورات العنف السياسي الدموي إلى انعدام الاستقرار السياسي والانقلابات، حيث عاشت اليمن وضعا من عدم الاستقرار في الواقع السياسي والاجتماعي، حتى بدأت ملامح الاستقرار تلوح في الأفق مع اعتلاء الرئيس علي عبدالله صالح، الذي سعى بحنكته ومعرفته تعقيدات الواقع وقدرته، إلى الإمساك بمفاصل العلاقات الشائكة في عملية بناء الدولة الحديثة في ظروف غاية في التعقيد . وبدراسة التاريخ السياسي في النظم المختلفة نجد للفرد دورا مهما وحاسما في صياغة مسار البناء السياسي. والواقع اليمني لا يخرج عن المسار ، حيث للفرد دور كبير في عملية تحديد مسار التغيير والبناء .وفي المسار اليمني نجد أن اعتلاء الرئيس علي عبدالله صالح لسدة الحكم كان له الأثر في إعادة صياغة الواقع السياسي اليمني ،وكذلك في الإمساك بقواعد البناء في واقع كاليمن يتسم بكل المتناقضات والتعقيدات وتشابك المصالح والمخاطر ، وخروجه من كل ذلك بقدرة فائقة ، وقدرته أيضا على استيعاب تعقيدات بناء الدولة الحديثة في واقع تتشابك فيه التعقيدات ،واستمراره في قيادة هذه الدولة وتغلبه على كل اللحظات الحرجة التى مرت بها اليمن ، مما جعله رجل اللحظات الزمنية الحرجة في اليمن . وقبل أن نلج في استعراض اتجاهات بناء الدولة الحديثة وتحدياتها نرى أن يكون المدخل مع تشخيص دور الإرادة السياسية في مسيرة البناء في الواقع اليمني . [c1]أولا : تحديات مسيرة البناء في اليمن [/c] الفرد كما هو الحال في الواقع السياسي العربي وفي اليمن يلعب دورا مؤثرا في الحياة السياسية ، فهناك من اخفق ولم يتمكن من تامين الاستقرار والشروع في بناء الدولة لعدم قدرته على تأمين الحماية والاستمرارية مصانة باستقرار للحكم ، وغيره من نجح وتمكن من استيعاب تعقيدات الواقع وتراكمات خبرات صراع الحكم والبناء . واليمن بكل تعقيدات وتشابك الواقع السياسي والاجتماعي ظلت تعاني من عدم الاستقرار السياسي لفترات طويلة لعدم قدرة القائمين على الحكم على استيعاب الواقع والحفاظ على استقراره . وحين اعتلى سدة الحكم فخامة الرئيس على عبدالله صالح عام 1978م ، بدأت مرحلة جديدة في بناء الواقع اليمني الجديد وصناعة الواقع السياسي الجديد ،فاستطاع استيعاب الواقع اليمني بكل تعقيداته وتشعباته والنفاذ إلى قلب المشكلات والتمكن من قراءة الواقع وأفكار ورؤى الآخرين والتعامل معها ، وإدراكه بان عملية التغيير والتطور في الرؤية والسياسات والأساليب في بناء الدولة الحديثة كان طريقا لمواجهة التداعيات ، فهو قبل كل شيء أدرك بخبرته أن المخاطر التي تعرضت وتتعرض لها اليمن كانت ولازالت أهم العوامل التي يمكن أن تقود إلى تلك التداعيات. وبقراءته للواقع اليمني أدرك أن اليمن منذ قيام الجمهورية وجد نفسه أمام تحديات تتعلق بوجوده وهويته واختياراته وكل ما يمس جوهر تأمين كيانه، وهنا كان عمق التمعن والتأمل في منابع ومكامن مخاطر هذه التحديات والإدراك لمخاطر الاختراق التي كانت تنخر في جسم اليمن، فمن الحروب والأزمات السافرة والمستترة التي عاشتها اليمن ، مرورا بالمشكلات التي كانت تحكم العلاقات مع العرب والآخرين ، وصولا إلى واقع الفقر والتخلف وتشويه البنيان السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي للواقع اليمني وتأزمه ، وهي أمور أخذت تهدد المصالح،والوجود وتزعزع الاستقرار وتؤزم الواقع والانحراف بالمسار التنموي وتفقد اليمن القدرة على أن تكون له مكانة بين الأمم . وهكذا أدرك طبيعة المخاطر التي تشكلت وحجم التداعيات التي كانت تهدد الوجود والمستقبل الآمن ، ومن هنا كان السعي إلى تشخيص تلك المخاطر ومعرفة أسبابها ومكامنها، وحرص على صياغة وعي جماعي لدى الشعب ليعمق إدراكها بأن اليمن أمام تحد حضاري وان تامين مستقبل البلاد هو بإزالة هذه المخاطر ، من خلال استخلاص الدروس ومعرفة الطريق الصحيح في عمليات التغيير والبناء وتحديد المسار الذي يجعل اليمن قوة قادرة على تأكيد ذاتها وفتح الطريق لبناء المقدمات الموضوعية التي تؤمن إزالة المخاوف وعدم الثقة وتحقيق التقارب على الصعيد الرسمي والشعبي في الاتجاه نحو صياغة سلمية وتوافقية للمصالح ، وذلك لبناء دولة حديثة قادرة على فرض وجودها وتأثيرها على الصعيد الخليجي والعربي والدولي . وهكذا استطاع الرئيس علي عبدالله صالح الخروج في كل مرحلة من مراحل ألازمات والتعرجات بصورة أقوى حتى استطاع أن يؤمن الاستقرار ويعزز العوامل التي هيأت السبل نحو وضع الأسس لبناء الدولة اليمنية الحديثة . وهكذا كانت من اولويات مهام بنا الدولة الحديثة هو الاستقرار السياسي كطريق للولوج في عملية البناء ، وجاءت الخطوات الهادفة التي أرست مقومات الشروع في وضع دعائم الدولة الحديثة وبناء اليمن الموحد وتعزيز مقومات البناء الديمقراطي . وبعد هذا المدخل سنحاول تحديد اتجاهات بناء الدولة اليمنية الحديثة ، وذلك من خلال إبراز بعض ملامح هذا البناء ، ومن ثم التطرق للتحديات التي تواجه الدولة اليمنية الحديثة في مسيرة البناء الحديث والمعاصر. وقد أدرك الرئيس أن هناك تحديات جديدة ومحاولات لإدخال البلاد في أزمات وعواصف قد تهدد مستقبل اليمن ، وهذا ما جعله يسعى للامساك بمفاصل التحديات وذلك باعتماد السلم والحوار في إدارة الصراع والخلاف ، وهكذا اضاف محطة جديدة من محطات تامين الاستقرار العام في صوره السياسي والاجتماعي والاقتصادي والتشريعي والمؤسسي وذلك للحيلولة دون تمكن التداعيات من التحكم في الواقع السياسي في اليمن ، فهذه المحطة شكلت حلقة هامة ومصيرية يمكن أن يلتف الجميع حولها باعتبارها مركز اندفاع مؤثر في عملية الحوار والتمسك بثوابت المجتمع السلمي لإرساء دعائم مجتمع سياسي مؤسسي وغرس ثقافة البناء السلمي والمؤسسي في وعي مجتمع اليوم والأجيال القادمة [c1]ثانيا: تحديات بناء الدولة الحديثة[/c]اليمن مثله مثل العديد من الدول حديثة التكوين يقع تحت تأثير المورث العشائري والقبلي والمناطقي والطائفي ، مما جعله يتعرض عند محاولته لبناء الدولة الحديثة ومؤسساتها لصراع بين التقليدية والحداثة . ومع كل المحاولات التي جرت وتجري لبناء دولة معاصرة على أساس مؤسسي ووفق أسس ومقومات وعناصر الحداثة ، كان اليمن يواجه التحديات للتغلب على كل المحاولات المعيقة لبناء الدولة الحديثة ، ومع ذلك تصطدم هذه المحاولات بممارسات يحركها المخزون الثقافي العشائري والطائفي والمناطقي واستخدامات تلك ألأطروحات السياسية والدينية في الخطاب الديني والسياسي لتبرير رؤيتها المعيقة لبناء الدولة الحديثة ، وهنا تكمن قوة التحدي والإصرار للاستمرار في تعزيز واقع يتطور سياسيا وثقافيا واقتصاديا باتجاه المعاصرة . إن هذه المحاولات الهادفة إلى إرساء مقومات التحديث وإحداث انقلاب في بنية المجتمع وبناء مؤسسات تحمل كل مقومات وعناصر التحديث كانت دوما في اولويات سياسية الرئيس علي عبدالله صالح ،بل أضحى الخيار الأساسي في سياسته لبناء الدولة الحديثة ، وهذا ما جعل الصراع نحو التحديث على الصعيد السياسي والاجتماعي والثقافي يشكل جوهر مسار الاختيار لبنيان الدولة ومؤسساتها الرسمية والمجتمع المدني. وهكذا شكل الطريق نحو الحداثة والمعاصرة في مسيرة العمل السياسي والقيادي للرئيس علي عبداللة صالح التحدي الكبير في سيرورة بناء الدولة الحديثة المعاصرة وإرساء دعائم دولة معاصرة قادرة على استيعاب التاريخ وضرورات التطور باعتباره امتداد من الماضي إلى الحاضر و المستقبل ، امتداد سيرورة وصيرورة وتغيير وتطور وتحول . وهذا ما وضع قوى الحداثة في الدولة والمجتمع أمام مسؤوليات جسام في إدارة هذا الصراع في الاتجاه السلمي والطبيعي لكسب المعركة سلميا ، من خلال التأثير في المجتمع ، وحسم الصراع والتناقض الداخلي الكامن في النفس والناتج عن ترسبات التقليدية التي تفعل فعلها أحياناً في السلوك الخاص، والتعامل مع هذا الأمر باعتباره قضية مصيرية وحضارية وضرورة إستراتيجية ، وذلك لحسم هذا الصراع سلميا لمصلحة الحداثة والمعاصرة للدولة والمجتمع وخلق تفاعل ايجابي داخل النظام الاجتماعي والسياسي والثقافي والقانوني . [c1]ثالثاً: تحديات مواجهة التعصب والعنف والتطرف [/c]تشكل مظاهر العنف والتعصب منظومة من التحديات التاريخية التي تواجه المجتمعات الإنسانية والعقل الإنساني في العصر الحديث .. وإذا كان العنف بمظاهره المتنوعة والتعصب الاجتماعي بأشكاله المختلفة يشكلان الداء الذي ينخر في جسم المجتمع ويعبث في الوجود الثقافي، والتحدي الذي يعصف بقدرات المجتمع ومستقبله، وبنهوضه الحضاري، فالضرورة تقتضي التمعن في هذه الظواهر الخطيرة ومعرفة منابعها وذلك للوصول إلى مكامن هذا الداء من خلال دراسة الواقع وأثره في تكوين عقلية الإنسان وجذور ثقافته .وخلال مسيرة تطور وتعرجات وتعقيدات الواقع السياسي ، تطورت مفاهيم العنف والتعصب ، بحيث أضحت خطورتهما تهدد مفاصل الواقع السياسي والاجتماعي والثقافي ، لدرجة أن مظاهر العنف والعدوان والتعصب أخذت تشكل منظومة من التحديات التاريخية التي تواجه المجتمع والعقل الإنساني في العصر الحديث . وتأتي التغذية المنظمة والموجهة لمظاهر التعصب والعنف ، لتجعل من التطرف منهجا متميزا للانغلاق والتصلب والوحشية ، فتنتفي هنا إرادة الإقناع ويختفي منطق التسامح ، وبمنطق هذه الثقافة ينزع المتعصبون إلى تحريف وتشويه وإساءة تفسير الوقائع التي تتعارض مع آرائهم المحددة سلفاً ، وتتكون لديهم غالباً أحكام مسبقة عن الآخرين مصحوبة بسوء طوية عميقة وحقد شديدين تجاههم ، واستشعارا بمخاطر العنف وما يشكله من تهديد للمجتمع وحرصا على مواجهة هذا التحدي بمسؤولية وجدية مع قناعته في صياغته رؤية سلمية وسياسة تسامحية لمواجهة مخاطر العنف والتطرف، والعمل على إزالة مكامن تلك المخاطر ليعيد الوئام والاستقرار. وكان لهذه الرؤية والسياسة أثرها على صعيد الواقع ، حيث أخذت الساحة السياسية الرسمية والمدنية في اليمن مع كل محاولات رجال السياسة والأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني والمثقفين والاقتصاد ورجال ومؤسسات الأعلام والكتاب ، تدرك ان العنف يعتبر التحد الخطير والأكبر أمام بناء الدولة الحديثة والمجتمع السلمي في اليمن ، وهكذا أضحت المسؤولية جماعية وتهدف إلى تجنيد الإمكانات وذلك للعمل وفق سياسات تهدف لإحداث تغيير في أساليب التربية للإنسان وفي وعيه ورؤيته للحياة من خلال تأصيل روح التسامح والحوار وقبول الآخرين ، وبالتمعن في كل تلك المحاولات السياسية والاجتماعية والجهود العلمية نجدها تحمل أمال سامية ،وان كانت قد بدأت تحقق بعض التأثيرات الايجابية ومع ذلك فأنها لازالت تصطدم بالمخاطر الخارجية مع سلوك البعض الذي لا يريد السلام والاستقرار لليمن ، وهم من تتحكم في سلوكياتهم ثقافة العنف وينزعون إلى التسلط ورفض الحوار ومخافة الرأي ، وفي كل الأحوال ومع كل الجهود والمحاولات ، فان إشكاليات الواقع وبخاصة إشكاليات المسلك التربوي والسياسي والاجتماعي ، بحاجة أكثر إلى التشخيص الدقيق والموضوعي الجريء والمراجعة النقدية أو التقويم، وذلك بما يساعد على سبر أغوار المشكلة لمعرفة مكامن هذه المشكلة وإفرازاتها النفسية والفكرية والأخلاقية والاجتماعية في عقول هؤلاء للوصول إلى معالجات حقيقية، تهدف إلى التخلص من ثقافة العنف والتعصب وتأسيس روح التسامح واعتماد الحوار كلغة وحيدة للتفاهم وترسيخ الديمقراطية كلغة وحيدة لإدارة الحكم والتمسك بالسلام الاجتماعي كغاية للاستقرار ، وذلك للسير بالبناء السياسي والتنموي[c1]رابعا : تحديات التنمية في مسيرة بناء وتطور الدولة الحديثة[/c]إن قضايا التنمية تعتبر من القضايا المصيرية ، وهو أمر يفرض بناء سياسات عقلانية ومسئولة تهدف إلى صياغة وعي الإنسان والمؤسسات بفكرة التنمية الشاملة، باعتبارها مدخل البناء والتغيير والمصالح المصيرية المشتركة وتامين السلام الاجتماعي . وبالرغم من أهمية ومصيرية التنمية بمفهومها الشامل، إلا أنها مازالت تشكل اكبر التحديات ، واليمن يدرك اليوم أن واقع التنمية مازال أسير الموضوعات الاقتصادية اليومية التي تنحصر في المنجزات اليومية، وان اكبر هذا التحديات هو الوقوف بحزم وجدية ، وذلك لبناء اقتصاد مؤثر ، يبدأ بإرساء دعائم البنية التحتية كما هو الحال مع بناء الطاقة الكهربائية العملاقة باستخدام الغاز وبناء الطرقات وربطها دوليا وبناء المواني والمطارات والمناطق الحرة مرورا بالدخول في شراكة اقتصادية دولية لبناء مقومات اقتصاد قوي يدفع الدولة اليمنية الحديثة إلى تجاوز حدود التخلف والخروج من دائرة الفقر وتهيئة ظروف الرفاه للمجتمع واليوم اليمن يسعى في كل محاولاته إلى استيعاب حقيقة أن أساس نجاح التنمية المستدامة والشاملة هو تعبئه القدرات البشرية، ووسيلتها المعرفة، ومحور مرتكزاتها هو الإنسان ، وان ذلك لا يتحقق في صورته الواسعة والفاعلة، إلا بتأسيس البنيان السياسي والاجتماعي والاقتصادي في الدولة على الديمقراطية بمفهومها الحقيقي القائم على سلطة الشعب . وأن تأثير الديمقراطية لابد وأن يخترق كل مستويات المجتمع ليكون الشعب قادر على المشاركة الفعالة في الحياة السياسية والتنموية، وتكون المعرفة في متناول كل القادريين على المشاركة الفاعلة في التنمية، حتى يجد الإنسان في هذا المناخ الفرصة لآن يجند كل الإمكانات لتنمية مستدامة ، وأن توجه التنمية من اجله وبه. ومن هذا المنطلق جاء الدستور ليشكل عقدا اجتماعيا سلميا ، ويؤسس نظاما سياسيا تعدديا ، ويجعل مهمة تحقيق هذا البناء من مسؤولية الدولة بمؤسساتها الرسمية ومنظمات المجتمع المدني والمجتمع بأسره.حقا أن اليمن كغيرها من دول العالم الثالث تواجه تحديات جسام ، وبخاصة في ظل ظروف التخلف الذي يراكم الكثير من العوائق ، وكذلك في ظروف العولمة في الواقع العالمي الجديد ، وهي تسعي إلى صياغة رؤيتها في الاختيار الحر لتحديد المسار الذي يخدم المصالح الوطنية والقومية في تحقيق تنمية تسعى إلى صياغة قدرات الإنسان اليمني ورفع قدرات المعرفية وتؤمن الأمن الغذائي وتحقق نهضة إنتاجية وطنية متكاملة تعتمد على أساس الإمكانيات المحلية . وبدراسة متأنية للواقع اليمني ، نجد أن مواصلة عملية التنمية الشاملة يتطلب تعزيز السياسات التنموية والاستثمارية الجادة والنابعة من الحرص والحاجة والرؤية لمستقبل آمن ، ومن الإدراك أن الاستثمار عملية معقدة تتطلب تهيئة نفسية وقانونية ونظامية وشفافية، ومناخ امني غاية في الدقة والأمان والقانونية . فالاستثمار اليوم يعتبر بالنسبة لليمن ضرورة موضوعية وحتمية وإستراتيجية من اجل توظيف القدرات الوطنية والعربية المالية وكذلك لتأمين الاستفادة من هذا الاستثمار لصالح التغيير والتحديث والتنمية ، هذا إلى جانب خلق الشراكة الاقتصادية العربية التي يمكن ان تفتح الأبواب لتوليف المصالح كسبيل نحو خلق مقومات التكتل الاقتصادي العربي، ليكون مهداً للطريق نحو الأفاق العربية القومية.وفي ظل مناخ الديمقراطية الذي اخذ يفعل فعله في الواقع اليمني ، يمكن أن تتعزز القدرة التنافسية للعملية الاستثمارية، ومعالجة مكامن الضعف والآثار السلبية في البنيان السياسي والإداري والاقتصادي، والتعامل بوعي ومرونة مع المتغيرات العالمية، وإجراء إصلاحات جذريه شاملة تحقق التوليفة الفاعلة بين المصالح الوطنية والقومية ومصالح المستثمرين، بما يحقق المنافع للجميع. [c1]خامسا: تحديات البناء الديمقراطي في الحياة السياسية والاجتماعية [/c]الديمقراطية التي تقوم على مفهوم المشاركة الشعبية الواسعة هي التي لها مكامن التأثير الكبير في الإنسان وفي كافة مناحي الحياة السياسية والاجتماعية ، لكونها تفتح المجال لطاقات المجتمع في أن تتفجر لتنتج ثمار المعرفة وترتقي بالمسؤوليات في البناء النهضوي وتوقظ لديهم الوعي السياسي والاجتماعي والتنموي. واليمن بالرغم من صعوبات وتعقيدات الواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي ، اخذ يشق طريقه في صياغة تجربته السياسية ، فالتعددية السياسية أضحت حقيقة دستورية وممارسة سياسية تتفاعل مع الواقع بكل إيجابياته وتعقيداته وتعثراته . وفي الواقع الاجتماعي السياسي أخذت منظمات المجتمع المدني تعبر عن ميلاد نفسها وأهلية وجودها وحركة تأثيرها.وعلى صعيد الحكم بات محاولات جادة لوضع اللبنات الأساسية لفكرة التداول السلمي للسلطة ، وكانت الانتخابات الرئاسية الأخيرة بداية تعبير هادف وجاد على صعيد الممارسة السياسية ، وعلى صعيد الرأي العام أخذت حرية التعبير بكل وسائلها تسعى لتعبر عن ميلادها ووجودها وأهليتها . وهكذا وفي خضم هذا التفاعل السياسي يتم بناء تجربة تسعى لان تعلن عن خروجها من الشعارات إلى المفاهيم.. وان ترتقي إلى مستوى التحول النوعي في طبيعة الثقافة السياسية وأشكال الوعي السياسي وبمقتضيات التحول الذي يفعل فعله ويحقق تأثيره في هذا الواقع. وإذا كانت البداية قد فتحت أفاق في الواقع اليمني في محاولات سياسية جادة لبناء تجربة ديمقراطية ، فالمسؤولية تفرض على كل أطراف العقد السياسي والاجتماعي رعاية هذا المولود في الواقع السياسي اليمني، وهذه المسؤولية تقتضي أن نعي بان التجربة تنمو في واقع محاط بالتعقيدات السياسية والاجتماعية ، وهذا ما يتطلب جهود المجتمع السياسي والمدني بنزعة سلمية في الرؤية والسلوك لصياغة التجربة الديمقراطية برؤية الواقع اليمني ، والعمل على نفاذ فكرة الديمقراطية في وعي وسلوك الفرد والمجتمع ، وتأسيس مجتمع المعرفة الذي يضع من ضمن أهدافه الأساسية التنمية الإنسانية بمرتكزاتها الثلاثة المتمثلة في تنمية الإنسان وذلك من خلال تعزيز القدرات البشرية المادية والمعرفية لأعضاء المجتمع حتى يتمكن المجتمع من المشاركة الفاعلة في مختلف مناحي الحياة بما يفعل دوره في الأداء السياسي والاجتماعي وفي التنمية المستدامة ، والتنمية من اجل الإنسان وذلك بتوفير الفرصة لكل فرد في المجتمع من اجل الاستفادة بصورة عادلة من ثمرات التنمية المستدامة ؛ والتنمية بالإنسان وذلك بإتاحة الفرص المناسبة لجميع أعضاء المجتمع للمشاركة في الحياة السياسية وفي تنمية مجتمعهم.. فالتنمية الإنسانية تجد في الإنسان الغاية والوسيلة، والإنسان يجد في الديمقراطية والحرية ملاذ التفكير الواعي في عملية التغيير والتطور وتلبية حاجاته ومواجهة تحديات الظروف والتطور. إلا أن الإنسان حتى يكون فاعلا ومؤثرا ومحور كل ذلك لابد من إتاحة كل الظروف التي تمكنه من الولوج إلى المعرفة باعتبارها أساس قدرته لمعرفة الواقع واستيعاب مشكلاته وتحدياته وتعامله مع الحلول بنظرة ثاقبة وعقلانية . والمعرفة لا يمكن أن تكون في متناول كل إنسان إلا في ظل ديمقراطية تعتمد على سلطة الشعب وتتيح الفرص المماثلة لكل إنسان وكذلك الإمكانية لآن يفجر طاقاته وإبداعاته بفضل حجم المعرفة التي يملكها والتي أتاحت له الديمقراطية الفرصة لآن يلج إليها.