فن الغناءاليمني القديم ومشاهيره
[c1]* الفنان الذي أنجب لاعب القرن !! [/c]محمد مرشد ناجي ولد الشيخ إبراهيم محمد الماس في مدينة "كريتر" وتلقى دراسته في مدارسها الحكومية، وبعد انتهاء الدراسة انخرط في الوظيفة الحكومية إلى أن توفاه الله في 1966م.كان والد الأستاذ إبراهيم الشيخ محمد الماس المتوفى في 1953م مطرباً ذائع الصيت، ومن أساطين الغناء اليمني القديم سجل بعضه في أسطوانات، وهو ينحدر من شبام في كوكبان شمال بلاد اليمن، وانتقل مع اسرته إلى عدن كغيره من المطربين الذين سبقت الإشارة إليهم بسبب تحريم الغناء في عهد بيت آل حميد الدين، وجعل من منزله مستقراًَ لزملائه من المطربين أمثال الشيخ محمد العطاب الذي كان يفد إلى عدن بين الفينة والفينة، ويجلب معه المتنوع من الأغاني اليمنية القديمة، وكان الفتى إبراهيم يحرص أشد الحرص على حضور جلسات الطرب التي يعقدها الشيخ العطاب مع أبيه، فامتلأت أذناه بالنغم الشجي، أنغام كلها من صميم التربة اليمنية، اختلطت بدمه، ودبت في شرايينه، فأحس برغبة جامحة تدفعه لتعلم العود، وأخذ والده يدربه عليه، وعلى أصول الغناء اليمني القديم بعد ان استمع الشيخ الوالد إلى صوت ولده الشجي، وتم له ما أراد فحفظ القصائد، والأساليب الغنائية عليها، وكان إلى جانب ذلك يستمع إلى الأغاني المصرية لسلامة حجازي وسيد درويش ومحمد عبدالوهاب، وحفظ من هذه الأغاني ما كان يعجبه حتى أنه سجل واحدة منها في اسطوانة وهي أغنية "متع حياتك" لسلامة حجازي، وقد تحققت من ذلك في كتاب الدكتور محمد فاضل الذي أرخ حياة وأغنيات الفنان المصري الشهير سلامة حجازي بدقة متناهية.كان الأستاذ إبراهيم محمد الماس كغيره من الأعلام الحافظين للغناء اليمني القديم، ولكن إشارة عنه للدكتور القدير محمد عبده غانم أوردها في كتابه "شعر الغناء الصنعاني" (ص 35ـ36) جعلتني أتوقف عندها لأهميتها كقوله: "انه كان للشيخ إبراهيم الماس الفضل ـ إن صح هذا التعبير على حد قوله ـ في إدخال أغاني المداحين على مجموعة الأغاني الصنعانية بعد ان سجلها في أسطوانات، ورسمت عبارة صنعاني على هذه الاسطوانات، وأن قصائد هذه الأغاني منسوبة للشاعر التهامي المعروف جابر رزق".وهذا في الحقيقة خطأ شائع وقع ويقع فيه الكثيرون، لأن ما تسمى بالأغنية الصنعانية سواء منها ذات (البيت، والتوشيح، والتقفيل أو التقميع) والتي برأيي هي الموشحة الغنائية اليمنية كما سبق التفصيل عنها أو تلك التي هي على وتيرة لحنية واحدة، لا يقدر أحد أن يؤكد على صنعانيتها من جهة، كما ان منطق الفن الغنائي لا يقرها البتة من جهة أخرى، وإنما الواقع الفني زمان هي كون صنعاء عاصمة اليمن، ووجود نوابغ أهل الغناء فيها، وان كان منهم ليس من صنعاء، جعل انتساب كل أغنية تخرج من صنعاء في عصر الظلام، على انها صنعانية، وان كان الفنان قد جاء بها من مكان آخر في اليمن، إن أغنية (خطر غصن القنا) للأستاذ الفنان علي الآنسي لو جاءت في عصر الظلام لقيل أنها أغنية صنعانية، مع انها مأخوذة من لحن "الدودحية" الشعبي عدا بعض الإضافات الفنية الرشيقة التي اضافها الفنان المقتدر علي الانسي. وجدير بالتنويه أن الأقطار العربية جميعها لا تنسب تراثها النغمي القديم ـ المجهول تلحيناً ـ إلى أسماء عواصمها كونه تراث القطر كله. وانما في الوقت ذاته تنسب تراث الأفراد إلى اسمائهم وحسب.إن الأستاذ إبراهيم محمد الماس يصبح له الفضل صحيحاً وكاملاً إذ لم يسبقه احد من المطربين في أداء أغاني المداحين، وإذا سبقه إلى ذلك أحد، يصبح له جزء من هذا الفضل لأنه حقق لها الانتشار الواسع من خلال تسجيلها في اسطوانات. ونضيف إلى هذا الفضل ـ ان كانت له الأولى ـ فضلاً آخر هو أن الأستاذ إبراهيم قد ثار على مفهوم مجتمعه الراقي الذي كان ينظر إلى فنون الشعب نظرة ازدراء واحتقار، ومن هذه الفنون غناء المتسولين والمتجولين والمداحين.ويصف لنا الأستاذ محمد فهمي عبداللطيف فن المداحين في كتابه (الوان من الفن الشعبي) (والمداحين في أدائهم طريقة لا يشاركهم فيها غيرهم، وليس لها شبيه في أي لون من الوان الفنون الشعبية وهي أقرب ما تكون إلى طريقة الإنشاد والترتيل، ويعتمدون على نداوة الصوت، وطرب التنغيم، ولهم في ضبط الإيقاع على نقرات الدف براعة لا أدري عمن أخذوها ولا ممن وصلت إليهم في القديم ، والدف هو الأداة الوحيدة التي يعتمدون عليها في ذلك، وهو رق من جلد مشدود على إطار من خشب، وهو شبيه بالرق الذي يستعمل لضبط النغمات في تخوت الموسيقى والغناء، ولكنه يخالف باتساع إطاره، وليس في جوانبه فتحات بها جلاجل أو صاجات، ومن ثم كان اصم الصوت وليس بذي أثر كبير في الطرب، وانما الغاية منه ضبط التوقيع وتمثيل المعاني في الأداء وقد كان العرب يستعملون الدف في إذاعة المحامد والمآثر وشاع استعماله بين النادبات في البكاء على الموتى وتعديد محامدهم، وقد أتخذته بعض الطوائف الصوفية لضبط حركات السير في مواكبها، وحركات الذكر في محافلها، وهو كذلك عندهم إلى اليوم).والجدير بالذكر أن الأستاذ إبراهيم محمد الماس بعد ان اكتمل نموه في الغناء، كان يمارس الغناء كهاوٍ بين أصدقائه ومحبيه لانه كما اشرنا كان موظفاً حكومياً، والهوية الموسيقية برأي الموسيقي المصري المعروف سليمان جميل (تساعد على تكوين الفنان الأصيل، فان الهوية أيضاً تساعد على تكوين المتذوق الواعي للفنون الأصيلة)، وهذه حقيقة أكيدة فقد لعب هواة الغناء في اليمن دوراً كبيراً في حفظ الألحان القديمة التي وصلت إلى جيل اليوم على مدى قرون من الزمان. وعندما قبل الأستاذ إبراهيم الماس بالتسجيل لشركات الاسطوانات مقابل مبالغ مادية، كان في ذلك مضطراً لظروف والده وعائلته التي كانت تكبر مع الأيام حتى بلغ رقم أبنائه وبناته العشرة.والأستاذ إبراهيم يعد من مشايخ الغناء اليمني القديم برأي الحاج عوني حسن العجمي، ومن خلال اسطواناته غطت شهرته الساحة اليمنية والجزيرة العربية بأسرها.