حكاية من القرآن الكريم
إن قصة ولدي آدم عليه السلام قابيل وهابيل خُلدت في القرآن العظيم لتكون مثلاً قائماً أمام الناس حتى" يرث اللَّه الأرض ومن عليها فيها للمتدبر عظمة وعبرة ، وقد أشار الحبيب المصطفى صلى اللَّه عليه وسلم إلى ذلك لينبه أمته إلى التأمل والتفكر فيها فقال : "إن إبني آدم عليه السلام ضربا لهذه الأمة مثلاً فخذوا بالخير منهما" وهو حديث مُرسل نقله البري عن الرزاق ورواه الحسن، ورواه إبن المبارك عن الحسن .إن قصة إبني آدم عليه السلام جرت حوادثها مع الخطوات الأولى التي سُنت لعمارة الأرض ، وأنيطت أعباؤها بأولاد آدم من صلبه ، ومن أجل تنظيم حياتهم ، وتكثير النسل شُرع لهم ما يناسب ضرورة الحال ، وقد أقتضت الحكمة أن يولد لآدم من زوجه في كل بطن ذكر وأنثى وأوحى اللَّه إلى آدم أن يزوج كل واحد من الذكور توأمة الآخر ، فكان عليه السلام يزوج أنثى هذا البطن لذكر البطن الآخر ، وهذا أمر واجب يُطاع ، وشاءت الأقدار أن يكون ذلك مبدأ نشوء الصراع بين الشر والخير في بني الانسان .لقد كان قابيل أكبر من أخيه هابيل ، وكانت توأمته مليحة وضيئة ، وتوأمة أخيه هابيل أقل ملاحة وحسناً ، ووضع الشابان موضع الاختيار في مقام يقتضي منهما الطاعة والاذعان والرضا والشكر ولكن قابيل غلبه هواه فحسد أخاه لأن الأخت الأجمل ستكون من نصيبه ، فسخط ، وأبى وقال : هي أختي وُلدت معي وهي أحسن من أختك التي وُلدت معك وأدعى أنه أحق أن يتزوج بها ، وأصر على أن يستأثر بها وبدأ الحسد يعمل عمله في نفس نموذج من البشر بعد ما أهلك هذا الحسد إبليس ودمره وأشقاه دنيا وآخرة ، وسرى إلى نفس قابيل يأكلها أكلاً ، ويوقد نار الحقد ، ويباعد الأخ وأقرب الناس إليه وأبرهم به ، وأراد الأب الرحيم الحاني أن يدخلهما في تجربة لعلها تطفىء نار الحسد في قلب قابيل فقال لهما : قربا قرباناً ، فمن أيكما تُقبل فهو زوجها ، فقُبل قربان هابيل بأن نزلت نار فأكلته ، ولم يقبل قربان قابيل ، فازداد حسداً وسخطاً وتوعد أخاه بالقتل ، فكان من أمرهما ما قص اللَّه في سورة المائدة : (واتل عليهم نبأ أبني آدم بالحق إذا قربا قرباناً فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر) .والقربان : اسم ما يتقرب به إلى اللَّه من نسيكة أو صدقة ، وكانت القرابين إذا كانت مقبولة نزلت من السماء نار فأكلتها ، وإن لم تكن مقبولة لم تنزل النار وتُركت .وقد وردت الآثار بما يدل على أن هابيل أول قتيل وأول ميت على وجه الأرض من بني آدم ، ولما قتله ظل حائراً لا يدري ما يصنع وأقتضت الحكمة تعليمه لتكون سنة تتبع في مواراة أجساد الموتى تكريماً للآدمي ، فبعث اللَّه غرابين فاقتتلا فقتل أحدهما الآخر ، فحفر له بمنقاره ورجليه ثم ألقاه في الحفرة ، ثم جثى عليه : (فبعث اللَّه غراباً يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سؤءة أخيه) أي عورة أخيه ، وما لا يجوز أن ينكشف من جسده ، وكان قابيل يرى ما يفعل الغراب فتعجب من أمر نفسه وتحسر فقال : "يا ويلتا أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوءة أخي فأصبح من النادمين) ، تعجب من عدم إهتدائه إلى ما أهتدى إليه الغراب ، والمتأمل في هذا يجد حكماً بديعة منها عجز الانسان عن إدراك كل ما يصلح به حاله ، فمن الغراب تعلم كيف يُدفن الميت ويوارى جثته ، ولذا ينبغي على الانسان دوماً أن تتقاصر إليه نفسه والا يغتر بعلم ولا بقوة ، وأن يتواضع لطلب المعرفة والتزود بما ينفعه .فريد محسن علي :