أقواس
قبل أعوام قليلة تم إعلان قيام مستثمرين لهضبة كريتر المطلة على الخساف وصهاريج الطويلة، يتم من خلال العقد الممنوح لهم بإنشاء مدينة متكاملة ، ربما تكون من الجمال والروعة بمكان، نظراً لحداثة وتطور التصاميم وعولمة الإنشاء بما يتلاءم والتطور الحاصل في المنطقة العربية وخاصة دول الخليج العربية..وقيام مشروع كهذا وإن كانت له حسنات ، فإنه لاشك أن سيئاته ستكون أكثر بكثير من الحسنات ، لما للموقع من إطلالة مباشرة على (الدروب السبعة) التي تتلقى المياه أو تتلقفها أثناء نزول الأمطار لتقوم بكسر جماحها وتخلخل قوة اندفاعها التي قد تدمر مدينة كريتر ، إذا لم تكن الصهاريج موجودة أو هي ستجرف الصهاريج مع المدينة إذا لم تكن هذه (الدروب) هي الضابط والمسيطر لحركة السيول .. وهذه أمور عمرها آلاف السنين ، ويذكرها التاريخ وليس من مبرر لإلغاء عملها اليوم تحت مسمى الاستثمار!والدروب السبعة معروفة لأهل عدن ، وزيارتها عن قرب تشعرك بأنك أمام مأثره عظيمة فعلاً فصعوبة البناء وهندستة وفخامته وعمليته تجعلك تقف حائراً في كيفية الوصول إلى تلك الأماكن الوعرة الشاهقة العصية حتى على وسائل الإنشاء والشق اليوم .. وهو ما يجعلنا نقف أمام آثارنا هذه والحفاظ عليها ، والتفكير ملياً بأن الإنشاء الجديد أعلاها ، سوف يعرضها للاندثار أو تعطيل عملها تماماً، كما أن الإنشاءات الحديثة الإسمنتية، سوف تطغى على المنطقة وسيذهب الأثر والموقع تحت زحف المباني والشوارع المزمع إقامتها في هذه الربوة التي ظلت الآلاف السنين، لم يمسسها أي كان، ولم يفكر في الاستثمار فيها أي مستثمر، لأن الحضارة والتاريخ والآثار يفرضون علينا أن لانفرط بها بل نحفظها كحدقات أعيننا .. ويكفي ما لاقت الصهاريج من إهمال إلى اليوم !! فهل نلحق ذلك الإهمال بالدروب السبعة لتصبح مثلها مثل بقة الآثار التي فقدناها تباعاً .. ودون أي ردود أفعال تذكر؟لقد تنادى عدد من الصحفيين والكتاب قبل فترة وأعلنوا بصريح العبارة أن هذه الربوة لا تصلح للاستثمار بمثلما تم الإعلان عنه، وأن ذلك سوف يلحق ضرراً بالمدينة وتاريخها وناسها، وسنصبح أمة مضموك عليها لأنها لم تصن آثارها ومقدساتها التي هي عمر ووهج المدينة وتاريخها .. ولكن ذلك كله لم يلق أي استجابة ، واليوم أيضاً سوف يتم تنفيذ المشروع الذي يعتبر كارثياًً على كريتر، حتى وإن قدمت التبريرات ، لأن الواقع يشير إلى هجمة شرسة على المواقع التاريخية تحت مسمى الاستثمار، في حين أطراف المدينة التي هي أراض بيضاء ، والتي يفترض أن تكون مساحات للاستثمار لم يلتفت إليها هؤلاء، وفضلوا البقاء في المدينة حيث الخدمات المتوفرة والسيطرة على الجبال والشواطئ والمتنفسات وخنق المدينة، وكله تحت أسم الاستثمار الذي تتبرأ منه عدن الجميلة وتفصيلاً..إن ربوة شمسان الممتدة من أعلى موقع الدروب السبعة على الطويلة إلى ماوراء البريقة عند الشاطئ الأزرق أو ساحل العشاق، لهي منطقة تطل على المدن : كريتر والمنطقة البحرية حتى البريقة، وهو مايفكر فيه البعض من إنشاء طريق ساحلي أو (تلفريك) وغيره، لكنه كل تفكير عشوائي ولايستند إلى إرث المدينة وتاريخها والفائدة التي قد تتحقق من عدمها!إن فكرة قيام الاستثمارات مثلما حصل في جبل التعكر جوار بوابة عدن حتى أطراف جبل حديد خلف شركة النفط ليؤكد لنا السيطرة الفجة على المواقع والجبال وإدخال طابع معماري يتنافى مع معمار المدينة وإرثها الحضاري وهي فكرة تركية عثمانية كانت تقوم على اساسها بناء القلاع والحصون وكذا أسوار المدن لدرء أخطار الأعداء والغزاة .. لكن اليوم لا معنى لذلك الخوف وما يقام من بناء يمثل مساساً بالمدينة وانظروا إلى العشوائية التي انتشرت في جبال كريتر والمعلا والتواهي ، نظراً لانعدام التخطيط الحضري وعدالة التوزيع بحسب الحاجة والمصلحة .. وهلم جرا..نحن هنا نناشد برفع اليد عن هكذا أماكن ، وترك المدينة وأثارها دون مساس ولايفكر البعض أننا ضد مشاريعهم ، لكننا فقط ننبه إلى طمس للتاريخ فقد لانجد