إلى المعـلـَّبة عقولـهم
كثيراً ما يكون خروجنا عن ما ألفه الناس ، و ما وجدوه من نصوصٍ توارثوها وقدسوها وطبقوها دون تفكير ، مدعاةً لأن يخرموا طبلات آذاننا بكلماتٍ وألفاظٍ، تبينُ وتفضحُ ضيق نظرتهم، و محدودية آفاقهم ... والمعروف ان مداعبةُ الأُذنِ لا تطلقُ على الكلامِ إلا إذا كان جميلاً، يسرُ الاُذن أن تسمعه ، ولكن ما تسمعهُ اُذني جراء خروجي عن نصوصهم، هو طنين لا أستطيع أن أصفهُ بجميل الكلام ، ولكنهُ يخرم طبلة اُذني أينما و وقتما سمعته.نجدُ من حولنا كثيراً من النصوص، تحكمُ مجتمعاتنا وقبائلنا وأسرنا. فصلها أجدادنا، وأتبعها آباؤنا ، وورثناها نحن،وممنوع على الجميع الخروج عنها أو عليها كأنها من آيات الذكر الحكيم ، أو كأنها من النصوص الموروثة من هدي نبينا محمدٍ عليه الصلاة و السلام . من النصوص الموجودة حولنا في مجتمعاتنا ما هو جديرٌ بالمحافظة عليه ، وهو ما يوافق كتاب الله و سنة رسوله عليه الصلاة و السلام . و ما أخصُ بحديثي إلا ما انحرف عن تعاليم ديننا الحنيف .لماذا يصرُ البعض على عبادة النصوص الفقهية برغم شواهد التاريخ ، التي تؤكد أن تبديل النصوص السائدة لنصوصٍ أفضل هو التطور؟، فلم يصل العالم إلى ما نعرفهُ اليوم إلا بكسر النصوص التي سادت في من قبلنا، وإلا لكان عصرنا الذي نعيشهُ هو العصر الحجري، بنصوصه الحجرية الغير قابلة للكسر .كان هذا أيام الجاهلية، وكانت تلك طريقةُ الجاهليين ــ ولا أقول الجاهلين ــ في التعامل مع نصوص مجتمعاتهم وتقاليدهم ومألوف حياتهم، ألا نرى اليوم جاهليةً أخرى؟!بعث الله عز وجل أنبياءهُ إلى أقوامهم، فكان كثيراً ما يقال لأنبياء الله هذا ما وجدنا عليه أباءنا الأولين رغم اقتناع القائلين بأن ما اُنبئوا به هو الحقُ من عند الله، فكان التعصب للنص الموروث الأخرق، الذي نص على عبادة وثنٍ أو صنمٍ ، وكانت الحرب على النص الجديد . وقد ذكر الله الذين يصرون على العيش في الماضي بصيغ مذمومة }فَلَمَّا آَسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ. فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلا لِلآَخِرِينَ{(الزخرف (85-55).. أي فجعلناهم سلفا (ماضين) لكي يعتبر بمصائرهم من جاء بعدهم.ما الذي يمنع وضع النصوص الفقهية تحت طائلة النقد والتحليل بدلا من الحفظ والتلقين والتقديس ؟ ما الذي يضيرنا أن نفكر فيها ونحن الشباب وجيل التغيير؟ ما الذي يجعلنا نعتقدُ دائماً أن قوانين المجتمع وموروثاته غير قابلةٍ للتغيير، أو التفكير كأضعف الإيمان؟ لماذا تعتبرُ تقاليدُ مجتمعاتنا الحالية والقديمة فوق مستوى الشبهات ؟ ، أم هو التقليدُ الأعمى؟وبالتأكيد لن يغير مجتمعاتنا للأفضل من هم أقدم منا ، فلو فعلوا ، ما وصلت نصوصهم إلينا وحكمت مجتمعاتنا ، أم أن مربط الفرس هو أن “ هذا ما وجدنا عليه آباءنا الأولين”؟ !النص القائل بأن “ الله عز و جل قادرٌ على كل شيء “ هو نصٌ لا غبار عليه لمؤمن، ولكن أمرنا الله في كتابه الحكيم أن نتدبر في مخلوقاته، من سماواتٍ و أرضٍ وجبالٍ وطيرٍ وسحبٍ وفلكٍ ففي ذلك آياتٍ لقومٍ يعقلون. وأمرنا سبحانهُ وتعالى بأن نفكر في كلامه لنعرف و نتيقن كمال قدرته عز وجل. ولم يقل سبحانه وتعالى آمنوا بقدرتي فقط، وهو الخالقُ يأمرُ عباده بما يشاء .أبعد هذا مطلوب منا أن نعبد ونقدس النصوص الفقهية الموروثة بمبدأ الإرث الفكري دون أن نفكر فيها ، و يهاجمُ كل من قال بعدم إقتناعه بهذا النص أو ذاك بعد أن فكر فيه ؟! .أهكذا يصبحُ العقلُ وعاءً فقط ، ما صنع إلا ليملأهُ الآخرون بما شاؤوا ؟!عبيد النصوص هم المعلـَّبة ُ عقولهم الذين إرتضوا أن يكون النصُ ملكاً يحكمهم، ويشل تفكيرهم المحدود أكثر، والذين يصفونني بالجهل أو الجنون أو بما شاؤوا أن يصفوني به، لن تكون كلماتهم إلا برداً وسلاماً على نفسي، ولن يزيد أذني طنين أصواتهم إلا خروجاً عن وعلى نصوصهم .