احتفلت بلادنا بيوم السابع والعشرين من أبريل حيث اتفق اليمنيون على وصفه بعيد الديمقراطية الذي تم تدشينه في أول انتخابات ديمقراطية قائمة على مبادئ التعددية الحزبية والسياسية في عموم الوطن اليمني الواحد تنفيذاً لدستور دولة الوحدة واتفاق إعلان الجمهورية اليمنية التي تأسست يوم الثاني والعشرين من مايو عام 1990 م ، لتفتح عهداً تاريخياً جديداً في مسار تطور الثورة اليمنية، وما ترتب على هذا الحدث العظيم من تحولات عميقة نقلت الوطن اليمني الواحد أرضا وشعباً من عهود التشطير والشمولية إلى رحاب الوحدة والديمقراطية والحرية والتنمية الشاملة.والثابت أن تأثير ما جرى فى السابع والعشرين من ابريل عام 1993م ، لم ينحصر فقط على استكمال الشرعية الدستورية، لهيئات دولة الوحدة بعد انتهاء الفترة الانتقالية، بل إن هذا التأثير امتد ليشمل تعميق الممارسة الديمقراطية وتوسيع المشاركة الشعبية في إدارة شؤون الدولة والمجتمع وتدعيم أسس التداول السلمي للسلطة وترسيخ مبادئ الاختيار الحر للحكام وممثلي الشعب في هيئات الدولة المنتخبة عبر صندوق الاقتراع ، حيث شهدت البلاد على امتداد السنوات الماضية انتخابات حرة ومباشرة للسلطة التشريعية والمجالس المحلية وصولاً إلى انتخابات رئيس الجمهورية على قاعدة التنافس الحر بين برامج سياسية مختلفة، الأمر الذي أسهم في تعميق وتجديد الطابع الديمقراطي للدولة ومختلف هيئات السلطة التمثيلية ، ومنع العودة إلى الاستبداد ،وسد منابع الوصول إلى الحكم بالقوة والانقلابات العسكرية، أو احتكار الحكم بدعاوى ايديولوجية شمولية تحصر الحق في الحكم والانفراد به في سلالة معينة أو حزب واحد أو فكر واحد أو مذهب واحد ، وقمع ومصادرة الحريات المدنية وإغلاق نوافذ حرية التعبير عن الأفكار والآراء المخالفة.صحيح أن قيام الثورة اليمنية (26 سبتمبر 14 أكتوبر ) أسهم في القضاء على الاستبداد والاستعمار و إطلاق مفاعيل النظام الجمهوري والقضاء على نظام الإمامة والحكم السلاطيني، وإعادة الاعتبار للهوية الوطنية اليمنية الواحدة للشعب اليمني في شطري البلاد اللذين حررتهما الثورة اليمنية وقواها الوطنية من الاستبداد والاستعمار, لكن مسيرة التغيير الثوري لم تتوقف عند هذا الحد بل إنها واصلت مسيرة الانجاز على طريق تحقيق بقية الأهداف الاستراتيجية للثورة وفي مقدمتها تحقيق الوحدة والقضاء على التجزئة الموروثة من عهود الإمامة والاستعمار وبناء المجتمع الديمقراطي ، وهو ما تحقق يوم الثاني والعشرين من مايو بإعلان قيام الجمهورية اليمنية الموحدة وتدشين التحول نحو الديمقراطية التعددية حيث أسهم يوم السابع والعشرين من ابريل 1993م وما تلاه من عمليات انتخابية حرة ومباشرة في ترسيخ قواعد الوحدة والديمقراطية والانطلاق بها نحو آفاق رحبة وانجازات واسعة يصعب إنكارها أو التقليل من دورها في تشكيل ملامح الحياة الجديدة في اليمن الديمقراطي الحر الموحد الذي حلم به وبشر به الرعيل الأول من طلائع الحركة الوطنية اليمنية المعاصرة، وعمده شعبنا بالدماء والتضحيات الجسيمة في مختلف محطات الكفاح ضد النظام الأمامي البائد والحكم الاستعماري الإنجلو سلاطيني البغيض.بوسعنا القول: إن الاحتفال بعيد الديمقراطية في اليمن لا يكتسب أهميته من الحديث عن التحولات الصعبة التي شهدتها بلادنا منذ قيام الجمهورية اليمنية في الثاني والعشرين من مايو عام 1990م وتدشين أول انتخابات حرة ومباشرة على أساس التعددية الحزبية والسياسية في السابع والعشرين من ابريل 1993 م , بل إن ما يدفع إلى الحديث عن ذلك هو ما تشهده بلادنا من حريات واسعة تتمتع بها أحزاب المعارضة في مجال التعبير عن آرائها وبرامجها وأفكارها إلى حد الإفراط في رسم صورة سوداوية قاتمة للحياة في بلادنا وتشويه الحقائق , وممارسة مختلف أشكال الابتزاز للسلطة والحزب الحاكم عبر الأبواب الخلفية من أجل تحقيق أهداف ومصالح سياسية وحزبية ضيقة بعيدا عن صندوق الاقتراع ، وعلى النقيض من الشعارات التي ترفعها أحزاب المعارضة وصحافتها , حيث يحفل سجل بعض هذه الأحزاب بمختلف صور الاستبداد والفساد سواء في حياتها الداخلية أو في ممارستها العملية عندما كانت شريكة في الحكم في مراحل سابقة .. وللحديث هنا شجون تعززه معطيات وحقائق ساطعة بوسعنا التطرق لها بالوثائق والأدلة.ربما تكون تناقضات المشهد السياسي الراهن لجهة التجاذبات بين السلطة وبين الأحزاب المعارضة تارة , والحوارات تارة أخرى احد مظاهر الديمقراطية في بلادنا، بيد أنه من الخطأ حصر قراءة المشهد السياسي بما ينطوي عليه من مفاعيل ديمقراطية على العلاقة الملتبسة بين الحزب الحاكم وأحزاب المعارضة وبالذات تلك التي يجمعها " اللقاء المشترك " على الرغم من الأبعاد التي تضفيها هذه العلاقة التي تتراوح بين التجاذبات والحوارات على واقع التعددية الحزبية بعد أن ودعت بلادنا العهود الشمولية التي كانت تصادر حق الأحزاب فى الوجود وحرمانها من المشاركة السياسية بدعوى تحريم الحزبية أو بدعوى الدور القيادي للحزب الواحد.لا أبالغ في القول إن ثمة تحولات ديمقراطية عميقة حدثت في بلادنا وتشكل جانباً مهماً في المشهد السياسي الراهن للدولة والمجتمع حيث أصبح بمقدور المواطنين وأحزاب المعارضة وكتلها المعبرة عنها في البرلمان وصحافتها الناطقة باسمها بالإضافة إلى الصحف المستقلة ممارسة حق التفكير والتعبير بحرية وصوت عال، والقيام بمختلف أشكال النقد والرقابة على نشاط وعمل مختلف هيئات الدولة والمجتمع ، ناهيك عن دورالتحولات الديمقراطية في ترسيخ المبادئ والآليات الانتخابية للحياة الداخلية للأحزاب السياسية ، وإطلاق طاقات المجتمع المدني بمختلف منظماته وهيئاته بما في ذلك هيئات القطاع الخاص التي أصبحت بفضل الديمقراطية تمتلك حقوقاً دستورية ووظائف سياسية في مناقشة القوانين والسياسات المنظمة للتجارة والاقتصاد.من الصعوبة إنكار حقيقة أن الديمقراطية أطلقت مفاعيل المجتمع المدني وأفسحت المجال واسعاً لنقد ومناقشة ومحاصرة الأفكار الظلامية التي تكرس التمييز بين المواطنين وتهين الحقوق المدنية والسياسية والإنسانية للنساء اللائي يشكلن نصف المجتمع، حيث أصبحت الأفكار المناصرة للحرية والمساواة والمناهضة للعنف والتمييز ضد المرأة ، والرافضة لمختلف صور الفساد وسوء الإدارة ، تشكل المحتوى الرئيسي للثقافة الجديدة وللميول الراهنة لتطور مجتمعنا. ومن نافل القول: إن الديمقراطية هي عملية تراكمية حيث يصعب تعاطي النزعات الطفوليه السياسية التي تتوهم بإمكانية الانتقال من الشمولية إلى الديمقراطية من خلال القفز على الواقع وإتباع سياسات إحراق المراحل بكل ما يرتبط بها من ممارسات ونتائج مدمرة , وهو ما يميز الخطاب السياسي والإعلامي المعارض ويفسر عجزه عن اكتشاف الواقع وصياغة المهام القابلة للتنفيذ .ولئن كانت الديمقراطية بما هي عملية تغيير للواقع السياسي والاقتصادي والثقافي والاجتماعي تستلزم صياغة العديد من المهام الممكنة التحقيق , فإن ضمان مسيرة الديمقراطية والدفع بها إلى الأمام يستلزم حماية المنجزات التي تحققت تحت تأثير مفاعيل الديمقراطية , حيث يصعب التراجع عن المكاسب التي تحققت في مجال حرية الصحافة والاختيار الحر للحكام وممثلي الشعب في هيئات الدولة المنتخبة ، ومصادرة حق الشعب في ممارسة دوره كمالك للسلطة ومصدرها.في هذا الاتجاه يصعب التراجع عن المكاسب التي تحققت للمرأة في مجال المشاركة السياسية وتولي وظائف الولاية العامة في الحكومة والبرلمان والسلك الدبلوماسي والقضاء وهو ما يشكل تقدماً للثقافة الديمقراطية الجديدة وتراجعاً للأفكار الرجعية والبالية التي ما زالت تهيمن على سياسات بعض أحزاب المعارضة وما يترتب على استمرار هذه السياسات التي تتبناها بعض الأحزاب من مخاطر جدية تهدد الديمقراطية ، وممارسات استبدادية تتعارض مع قيمها ومبادئها.يبقى القول: إن تسليط الضوء على بعض الجوانب الايجابية في المشهد السياسي الراهن في بلادنا، لا يعني عدم وجود جوانب سلبية تشوه صورة هذا المشهد و تستدعي مزيداً من الكفاح الديمقراطي لتصحيحها ، بيد أن تناقضات وإلتباسات الخطاب السياسي المعارض تلعب دوراً مؤثرا ً في إعادة إنتاج السلبيات التي تشوه بعض جوانب حياتنا ، وهي سلبيات لا يمكن تبرئة الحزب الحاكم من مسؤوليته عن استمرار وجودها ، لكن الآثار السلبية لعجز أحزاب المعارضة عن إعادة اكتشاف الواقع وتصويب مسارها لا تؤدي - فقط - الى إضعاف وتهميش موقع المعارضة في العملية السياسية الجارية في البلاد ، بل إنها يؤدي - أيضا ً - إلى إضعاف الحزب الحاكم الذي يحتاج إلى معارضة فاعلة وقوية لكي يكون هو الآخر فاعلاً وقوياً، ولكي تكون الديمقراطية في نهاية المطاف قوية وفاعلة ومعافاة.[c1]نقلا ًعن / صحيفة (26 سبتمبر) [/c]
|
فكر
وجود حزب حاكم فاعل ومعارضة قوية شرط لبناء ديمقراطية معافاة
أخبار متعلقة