كثيراً ما سمعت عن العنف بمختلف أنواعه إلاّ نوعاً واحداً لم أسمع به بل كثيراً ما قرأت عن عنف الآباء ذلك العنف الذي يتحول بين ليلة وضحاها الأب إلى وحش كاسر لا أستطيع أن أتصور ذلك الأب المريض الذي قام بتفريغ جام غضبه فوق طفل مسكين لم يتعد عمره التسع السنوات أو فتاة صغيرة في السادسة من عمرها إنه لمن الأسف أن نرى مثلنا الأعلى وقدوتنا في هذه الحياة يوماً بعد يوم يتخلى عن إنسانيته وأبوته ليطبق أبشع أساليب التعذيب على فلذة كبده.فخلال ترددي على أحدى المدارس وجلوسي الدائم مع الطالبات استطعت أن أتعرف إليهن عن كثب ولفت إنتباهي فتاة في السادسة عشرة من العمر وكانت تضع نقاباً على وجهها وتجلس دائماً منطوية على نفسها.جلست بالقرب منها وسألتها عن سبب وحدتها الدائمة وإنطوائها الغريب لم تجبني بكلمة واحدة بل خيم الصمت طويلاً فقطعت أنا ذلك السكون حينها طلبت منها بأن تتخذني صديقة وأختاً لها فأخبرتني بأنها تعيش في بيئة تشبه السجن فعمتها أخت أبيها تعاملها كما لو كانت عدواً لدوداً لها لا تستطيع الدخول أو الخروج أو مقابلة صديقاتها أو الرد على الهاتف إلاّ بأمر منها فهي الآمر والناهي فلمجرد جلوسها لقراءة إحدى المجلات إذا بها تتفاجأ بدخول والدها ليأخذ المجلة من يدها ليمزقها ويرميها بكل برود من النافذة لقد أصبحت حياتها لا تحتمل فهي لا تستطيع المذاكرة أو النوم بسبب الأب والعمة اللذين أصبحا بالنسبة لها سجانين .وماذا عن الطالب الصغير الذي لم يتعد عمره العاشرة تفاجأت بإحدى المدرسات وهي تفتح باب الفصل لترمي به الى الخارج خلال الحصة الدراسية حاولت التحدث الى المعلمة لمعرفة سبب طردها لهذا التلميذ فأخبرتني بأنه كثير التأخير ومهمل لا يقوم بكتابة واجباته ولا يلتزم بالزي المدرسي.لم يكن مني سوى أن قمت بالإمساك بتلك اليد الصغيرة ونظرت في عينيه لأجد بأن هناك كماً هائلاً من الخجل والسخط والاستياء من هذا الزمن الذي حكم عليه بأن يكون قليل الحيلة لا يستطيع قول شيء أو فعل شيء سوى السكوت.وبينما كنا نسير معاً سألته عن سبب تأخره الدائم عن المدرسة وإهماله واستهتاره؟!.فأخبرني بأنه يعيش حياة روتينية مملة فأمه تعمل في أحد المستوصفات ممرضة بينما يعمل والده في مؤسسة من المؤسسات الحكومية وأنه لا يجد من يهتم به أو من يقوم بغسل ملابسه أو مذاكرة دروسه وأخبرني بأنه لا يجد من إخوته البنات سوى الضرب والشتم وأحياناً قد يصل بهم الحال الى طرده من المنزل وعندما يلجأ لوالده لأجل حمايته يقوم هو الآخر بضربه ماذا يفعل هؤلاء الضعفاء أو ماذا سيفعلون غداً ومن سيقف الى جانبهم أريد أن أقول بأن الكبار كانوا في يوم من الأيام صغاراً وعلى ما يبدو بأنهم أيضاً تعرضوا لما يتعرض له أطفالهم أقصد بما يذيقونه لابنائهم الذين لا زالوا صغاراً والذين يحلمون بمستقبل مليء بالأمل هل ياترى سوف يأتي ذلك المستقبل أم أنهم سوف يرثون العنف من ابائهم ليذيقونه لابنائهم وذلك حتى يشعروا بأنهم ينتمون الى ذلك الأب العنيف ليولد بعد ذلك عنف أبشع من عنف.[c1]ميسون .... [/c]
عنف الأباء
أخبار متعلقة