صفحة خاصة بأربعينية المسرحي المخرج فيصل علي عبدالله
كان يوماً لا أنساه ، عندما عرفت من الزملاء الذين كنت ازورهم في الأيام الاولى من فصل الشتاء بعد ان بدأت الدراسة في العام 1978م في مدينة كييف الأوكراينية بأن طالباً جديداً جاء من البلد ليدرس المسرح .. بقيت انتظر ذلك الطالب حتى التاسعة مساءً ولما لم يأت رحلت على أمل العودة مرة أخرى لملاقاته . مرت أيام ولم استطع العودة إلى مسكن طلبة التحضيري لأتعرف على ذلك الطالب الذي شدني اليه شوقي لأتعرّف به - بسبب كثافة الدراسة ، وكنت حينها في السنة الاولى في معهد الفنون المسرحية .. وذات ليلة شتوية وفي الساعة التاسعة والنصف تقريباً وبينما كنت اراجع بعض الدروس النظرية سمعت طرقاً على الباب فتحته واذا بي امام احد الزملاء الطلبة الذين يدرسون في احدى جامعات كييف وبجانبه شاب لم اعرفه .. يضع شالاً احمر حول رقبته - رحبت بهما - ودار حديث طويل وكانت المفاجأة - فبعد مرور مايقرب من نصف ساعة الا وبهذا الصديق يقول معرفاً ذلك الشاب بي:"هذا هو الذي بقيت تنتظره ولم يأت" .. وقال لي مصافحاً .. رغم انني صافحته عندما دخل الغرفة - اهلاً وسهلاً تشرفت بمعرفتك . وحقيقة الامر كان بشوشاً ، ضاحكاً صاحب طرفه .. ثم قال ذلك الزميل لي:- هذا الفنان فيصل علي عبدالله ، الذي جاء ليدرس المسرح وعليك ان تفرح لانك لن تصبح وحيداً في الكلية ، فقد جاء آخر ليوانسك في وحدتك . احتضنته بصدق .. يا إلهي .. هذا انت الذي كم كنت اشتاق الى معرفته .. وليس ذلك فحسب بل وكنت قد سمعت عن نشاطه واعماله ولم اكن قد تعرفت عليه عن قرب .. اسعدتني فعلاً معرفته . بقينا نتحدث بشتى المواضيع ، تركت مراجعتي جانباً وانهمكنا بحديث طويل ، تحدث عن دراسته في القاهرة وعن اعماله التي اخرجها في عدن بعد عودته .. و ... و .. وفجأة كانت الساعة تشير الى الثانية والنصف بعد منتصف الليل وباتا في غرفتي حتى الصباح . وبعد ذلك اليوم الجميل توطدت العلاقة بيننا .. كنت اذهب اليه الى مسكنه وابات في غرفته حتى اليوم الثاني وكان هو ايضاً يأتي الى مسكني ليبات في غرفتي حتى اليوم الثاني وذلك في الاجازات الاسبوعية . واذكر اني قدمته لاستاذه الذي سيشرف على تدريسه حتى يستعد لاختبار القبول .. وفعلاً كنت معه اترجم له الاسئلة واترجم اجوبته لاستاذه فسعد ذلك الأستاذ كثيراً بفيصل وقال لي .. " اشعر بانني ساشرف على طالب نابغة .." وليس ذلك فحسب بل وحينها كان يحمل معة " عود " فقد اسمعه بعض الاغاني اليمنية وقد اعجبه ذلك جداً . مرت تلك الايام بسرعة - وفعلاً نجح فيصل في الدخول الى كلية المسرح وكان الطالب اليمني الثاني الذي يدرس في هذه الكلية.بدأ جاداً وملتزماً بالحضور الى الدراسة وكانت عميدة الكلية تحبه لالتزامه واذا تغيب يوماً ما .. كانت تأتي إليَّ في الصف لتسألني عنه ولكن .. لسوء الحال .. اخذت صحته تتدهور .. لم يكن قد تعود على فصل الشتاء القارس حاول جاهداً ان يتغلب على ذلك الفصل القاسي .. ولسوء حظي انا ايضاً كنت قد انتقلت الى موسكو .. وعندما افترقنا قال لي .. سأحاول ان اتغلب على هذا البرد اللعين - والله يستر ، حاولت وانا في موسكو ان اتابع اخباره ولكنه رحمه الله انهار أمام ذلك الشتاء القاسي ، وعاد الى الوطن متألماً ، فقد حاول ان يقهر المرض فقهره البرد الشديد .. وحقيقة الأمر .. مرت تلك الاشهر على قلتها من اجمل الايام التي عشتها مع ذلك الرجل الذي كان يزرع البسمة في كل مكان .. فكان رحمه الله كل من ارتبط به سواء من العرب او الاجانب الايتركه ، ولو التقى به لأول مرة إلاَّ وكأنه صديق قديم ، ورغم قصر فترة بقائه فقد استطاع ان يجمع حوله الكثير من الشباب اصدقاء له لايملون منادمته ، وكم تألموا كثيراً عند رحيله . رحمك الله ياأخي وصديقي فيصل .. فقد تركت في قلبي مكانك شاغراً لايملؤه احد غيرك . عبدالعزيز عباس