ثلاثون عاماً منذ تأسيس المعهد الألماني للآثار في صنعاء
صنعاء / سبأ :أسفرت أعمال التنقيب والدراسات والبحث والترميم التي أجرتها البعثة الألمانية التابعة للمعهد الألماني للآثار بصنعاء عن اكتشاف العديد من المعالم الأثرية للحضارة اليمنية القديمة خلال عملها في اليمن منذ أكثر من 30 عاماً.وبمناسبة الذكرى الثلاثين لتأسيس المعهد الألماني للآثار بصنعاء الذي تأسس فرعه في صنعاء في العام 1978م، وكالة الأنباء اليمنية (سبأ) تلقي الضوء على أهم الاكتشافات والدراسات والأبحاث التي قامت بها البعثة خلال عملها في اليمن في عدد من المستوطنات الحميرية والمناطق السبيئة والدويلات والممالك اليمنية القديمة.استهلت البعثة أعمالها من محافظة مأرب ففي العام 1977م حط المعهد الألماني رحالة في مأرب وانطلق يمسح وينقب ويرمم فظهرت كثيبات الرمال “ عجائب قوم سبأ “ قصور صرواح، ومعابد القمر، وظهرت مآثر البلدة الطيبة وذلك بعد ان تم في العام 1970 إيفاد بعثة أستكشافية ألمانية بدعوة من الجمهورية العربية اليمنية(سابقا)، بهدف بحث المصادر “ الإيبغرافية والأثريةواللغوية للشطر الشمالي من اليمن آنذاك “. وتمكنت البعثة من توثيق النقوش والمادة الأثرية في كل من (تعز، صنعاء، والأماكن الواقعة على خط خمر صنعاء، ذمار، رداع) وفي سياق تقييم تلك المرحلة ظهر كتالوج هام إلى اليوم بالنسبة لأبحاث تاريخ الفن حول الآثار القديمة موجود حالياً في المتحف الوطني بصنعاء للباحث “فولفجانح”.وفي اوائل الثمانينات قام المعهد الألماني للآثار بأعمال مسح واسعة بغرض التوثيق الكامل بقدر الإمكان للمعالم الأثرية والبنائية والأرصفة الواقعة في منطقة مأرب، وفي نفس الوقت بدأت الدراسة التفصيلية لتقنيات الري السبئية التي أمكن خلالها القيام بحفريات في عدد من قنوات ومرافق الري، منها مبنى المصرف الجنوبي والشمالي للسد القديم ودراستها، ودراسة المدينة السبئية القديمة التي تعد أكبر المواقع الأثرية في جنوب بلاد العرب، ودراسة المصرفين الكبيرين من قبل لجنة الآثار الألمانية.ولوحظ خلال أعمال المسح الأثري المنفذة ازدياد الخطورة على المعالم الأثرية القديمة جراء الأنشطة الاستيطانية الحديثة ونتيجة لنهب الأحجار بشكل واضح وأعمال النبش العشوائي.. وفي العام 1988م بدأت الحفريات في عرش بلقيس في معبد(برآن) واستمرت حتى عام 1997م إلى جانب اكتمال أعمال التدعيم و التثبيت وفتحه أمام الزوار والسياح والذي شهد تدفقا سياحيا كبيراً من الداخل والخارج.وفي مطلع التسعينيات بدأت أعمال الحفريات والتنقيبات الأثرية في معبد” المقه” بصرواح التي تبعد حوالي 40 كم غرب مأرب، ثم بدأ التوثيق في هذا المشروع الذي اعتبر واحدا من أهم محاور العمل الحالية لمعهد الآثار بصنعاء إلى جانب استخدام احدث تقنيات التصوير الممساحي والقياسي ومعالجة الصور الرقمية في الموقع إضافة إلى دراسة الجوانب الأثرية الجوانب المتعلقة بتاريخ البناء في المدينة السبئية بسهل صرواح وكذا أعمال إضافية تنموية وثقافية بالشراكة مع المؤسسة الألمانية (جي تي زد) وجامعة فريدريش، واكتشفت البعثة في المعبد 60 نقشاَ عبارة عن وقف للإله المقه وكيفية استخدام المعبد، وفي عام 2001 تم اكتشاف نحو 30 نقشاً أخريات تعمق النتائج الراهنة وموائد الأكل وإرشادات عامة.ونتيجة ما عانى المعبد الذي تجري أعمال الكشف الأثري له منذ عام 1988م ومن الأضرار التي لحقت به جراء تأثيرات الطقس الجوي وبسبب التصرفات غير المسئولة للزوار قررت البعثة إجراء عمليات التدعيم والترميم للنصب الأثري ليصبح أول مشروع متكامل لحفظ أحد المواقع الأثرية باليمن وصيانته وذلك بهدف الحفاظ على المواقع الأثرية باليمن وحمايتها من الاندثار وإجراء التدعيم وإعادة التصميم إلى مكانته الأساسية وذلك لتأمين أعمدة النصب الأثري الخمسة التي يعود تاريخ بنائها إلى القرن السادس والخامس قبل الميلاد.وفي الوقت الحاضر تتركز أبحاث المعهد على منطقة مأرب إلى جانب مشاريع معبد “ اوام “ بصرواح وتنفيذ أعمال المسح والمخططات في مدينة مأرب القديمة والدفع بأبحاث مستقبلية خارج مدينة مأرب وفي هذا الصدد تعتبر دراسة الحضارة الحميرية القديمة في اليمن الهدف الأهم والمحدد لأنشطة المعهد في الوقت الحالي.ويوضح المدير السابق للمعهد الألماني للآثار بصنعاء الخبير” بوركهارت فوكت “أن المعهد بعد ما ألقى الضوء على التطورات الحضارية والتاريخية لممالك جنوب بلاد العرب عن طريق الحفريات الأثرية ودراسة النقوش السبئية ظهرت تساؤلات ملحة عن أصل جذور حضارات جنوب العرب وكذا تطورها وتأثيرها على الحضارات المجاورة والمعاصرة ..مشيراً إلى انه تم اكتشاف بقايا أثرية تعود إلى الحقبة الزمنية تعود إلى ما بين الآلف الثالث والثاني قبل الميلاد في جنوب منطقة الجودة بحضرموت، كما كشفت بعثة المعهد غرب اليمن في الشريط الساحلي للبحر الأحمر وخليج عدن عن حفريات أثرية عام 1994م.حيث قامت بعثة المعهد الألماني للآثار بمسوحات وبحوث في غرب مدينة عدن أدت إلى اكتشاف أكوام من الصدف البحرية وبقايا من أدوات حجرية في منطقة خور عميرة يعود تاريخها إلى ما قبل الإسلام وكانت تمثل أهم مركز اقتصادي وسياسي في تلك الحضارة واكتشافات أخرى وقنوات ري في أماكن متقطعة في منطقة ام معلية يرجع تاريخها إلى ما قبل 2000 عام.وفي 2002 قامت البعثة الألمانية بأبحاث جديدة في السد القديم بمأرب بالتعاون مع هيئة الآثار وذلك بهدف الحفاظ على السد القديم وفتحه أمام السياحة حيث أسفرت الحملة الأولى ظهور السد بصورة أخرى ومعرفة السد القديم الذي ورد ذكره في القرآن وكانت بقايا البناء لا تزال بحالة جيدة وتم إعادة المصارف إلى حالتها وترميمها وتدعيمها.وفيما يتعلق بمقبرة معبد (أوام) في مأرب ذكرت مديرة المعهد الألماني للآثار بصنعاء الدكتورة إيرلاس جيرلاخ انه في 1997م تم دراسة المقبرة السبئية في سهل مأرب التي تقع بجانب معبد أوام احد المعابد الأكثر أهمية في جنوب غرب البلاد العربية، ويعود تاريخها إلى منتصف القرن السابع قبل الميلاد، وقد قامت الهيئة الألمانية للمحافظة على الأبقية الاثرية بعمل المساقط الرأسية والصور الجوية للقبور القريبة من السطح وأظهرت الحفريات أن تلك الآثار المعمارية التي يصل ارتفاعها إلى 9 أمتار هي أضرحة حجرية تتكون من أربعة طوابق وقد تم اكتشاف القبور بشكل منفرد من خلال الأزقة المتشعبة وبعضها بشكل متلاصق.وأشارت الدكتورة جرلاخ إلى أن المعهد قام بدراسة الجوانب الأثرية والجوانب المتعلقة بتاريخ البناء في المدينة السبئية لسهل صرواح وأول ما يلفت النظر عند القدوم إلى مأرب هو مظهر السور الخارجي شبة البيضاوي لمعبد المقه الذي يبلغ ارتفاعه أكثر من 8 أمتار وتذكر النقوش على الوجه الخارجي للسور أن من قام ببناء هذا المعبد هو الحاكم السبئي (يدع إل ذرح) في منتصف القرن السابع قبل الميلاد.قامت بعثة المعهد الألماني للآثار بصنعاء بعمل دراسة تلبية لدعوة من هيئة الآثار، عقب ما حصل من عبث وتدمير وسرقة للموقع الأثري الذي اكتشف بجبل العود بالنادرة بمحافظة إب عام 1996م، حيث أظهرت الدراسة أن مستوطنة جبل العود المحصنة تعتبر واحدة من عدة مستوطنات أسست في العهد الحميري بقمم الجبال وقد قامت البعثة بالتنقيب والدراسة لمعرفة التحصينات الدفاعية والمعابد والمرافق السكنية المتكشفة بقمة الجبل.وقد تمكن الفريق من دراسة 3 بوابات في الجهة الشرقية وجزء السور ومعرفة عملية الربط بين تلك الأبنية والجوانب والمظهر الذي بنيت عليه البوابة بالأحجار الضخمة والمشذبة بشكل جيد، وتم العثور خلال أعمال الدارسة والتنقيب على أكثر من 100 قطعة أثرية أكثرها من البرونز والذهب وتم إيقاف أعمال النهب والتدمير وتأمين جزء كبير منها.وأكدت أن الحفريات التي أجريت في جبل العود ألقت الضوء على الناحية الأثرية على جوانب الحضارة الحميرية القديمة تلك الحضارة التي لم تلق اهتماماً علمياً من قبل.وفي خريف 1999م كشفت أثناء الحفر لبناء احد المساكن في حي شعوب بصنعاء عن العديد من القبور الحجرية والجثث مدفونة تحت الأرض وعددها 14 قبراً.وقامت البعثة متابعة الاكتشاف وأعمال الحفر والدراسة الطارئة وذلك بهدف توثيق ما تبقى من الجثث المدفونة المكتشفة حسب الحالة ومراعاة عامل ضيق الوقت إضافة إلى أهمية إمكانية عملدراسة لأول مرة باليمن انذاك في اليمن عن إعادة تحنيط الجثث في قبور يمكن التحكم بها ويرجع استخدام تلك القبور إلى القرون الأولى للميلاد في المرحلة الأولى للملكة الحميرية في مرتفعات اليمن . إضافة إلى أعمال الفحص وتحديد النباتات التي كانت تستخدم بالتحنيط ومعرفة نبات (التبن) التي كانت تستخدم في تغليف الجثث لتبقى الجثة جافة وامتصاص السوائل.ولاحظت البعثة أن أكثر القبور ثراءً بالأمتعة كانت لطفلة حيث تم وضع حاجاتها من سوار برونزي مكسور إلى جزأين في مجال الرقبة وشارتان فضيتان وميداليات فضية وخروص من الذهب وزجاج وحجر جيري وعقيق احمر وصفيحة ذهب على شكل هلال وأشياء ثمينة أخرى تم وضعها بجانب جثة الطفلة.