منبر التراث
[c1]اليمنيون في سماء روما[/c]في أثناء تقليب صفحات كتاب التاريخ العسكري لليمن للمؤرخ الفذ اليمني سلطان ناجي الذي قرأته أكثر من مرة والذي بذل فيها المؤرخ جهوداً كبيرةً ومازال كتابه هذا يعد من المراجع الرئيسة في تاريخ اليمن العسكري استوقفني عنوان فرعي في صفحات الكتاب وهو بعثة الطيران . فقد ذكر سلطان ناجي أنه تمخض عن المعاهدة اليمنية الإيطالية سنة 1926م بأن تقوم الأخيرة بتدريب عدداً من اليمنيين في سلاحها الجوي بغرض تشكيل نواة للقوات الجوية في اليمن. وبعد فترة ليست قصيرة ، تخرج من سلاح الطيران الإيطالي عدداً من الطيارين اليمنيين الذين تدربوا تدريباً رفيعاً على الطيران الحربي وأشاد بهم الضباط الإيطاليين لإستعابهم السريع على التدريب ، ومهارتهم الرائعة في قيادة الطائرات الحربية الإيطالية الحديثة أنذاك ، وتذكر المصادر الإيطالية العسكرية أنّ هؤلاء الطيارين اليمنيين قاموا بعدة استطلاعات جوية في سماء روما . [c1]وتحطمت الطائرات[/c]وكيفما كان ألأمر ، فقد أقيم في مدينة صنعاء استعراض جوي للطيارين اليمنيين الذين تدربوا في إيطاليا تدريباً عاليا ـــ كما قلنا سابقاً ـــ . وتروي بعض الوثائق العسكرية الإيطالية على لسان بعض الضباط الإيطاليين الذين حضروا العرض الجوي في صنعاء اعتراضهم الشديد بأنّ يقوم الطيارون اليمنيين بقيادة الطائرات ألمانية قديمة ومستهلكة وأنها غير صالحة للتحليق ، ولكن الإمام صمم على تحليق هؤلاء الطيارين بتلك الطائرات ألمانيا المتآكلة الذي أصابها الصدأ وأنها كانت خارجة عن الخدمة ـــ على حسب قول الطيارين الإيطاليين ـــ . وكان من نتيجة ذلك أنه أثناء تحليق أحدى الطائرتين الألمانيتين " فوق القسم الجنوبي من صنعاء انفجرت فمن فيها وسقطت على الأرض وتحطمت " ومن جراء ذلك أنّ ألغى الإمام مشروع الطيران نهائياً . ويذكر المؤرخ سلطان ناجي أنّ أحد الرحالة الأوربيين عندما زار صنعاء سنة 1936م لم ير أية اثر للطيران في اليمن " . . . فمنذ أن سقطت أحدى الطائرات الألمانية على أحدى الهضاب في ضواحي العاصمة أثناء حفلة طيران استعراضية لم يشأ الإمام أنّ يسمع كلمة واحدة عن الطيران في بلاده " . [c1]على ضوء منهج البحث التاريخي[/c]ونستخلص من تلك الرواية التاريخية الذي ذكرها مؤرخنا الكبير سلطان ناجي عن الطيارين اليمنيين الذين تدربوا في سلاح الجو الإيطالي وأثبتوا جدارتهم الكبيرة في الطيران في أثناء تحليقهم في سماء العاصمة الإيطالية روما ومن ناحية أخرى سقوط أحد الطيارين بالطائرة الألمانية على أحد الهضاب في العاصمة صنعاء التي كانت خارجة عن الخدمة وذلك باعتراف الوثائق الإيطالية على ذلك الحادث المأسوي ــ كما ذكرنا ـــ هو أنّ تاريخ الطيران اليمني له ماضي بعيد يعود إلى منتصف العشرينيات وتحديداً سنة 1926م أي بُعيد المعاهدة الإيطالية اليمنية. فنأمل من الجهات المعنية والمهتمة بكتابة تاريخ اليمن العسكري أنّ يسلطوا الأضواء التاريخية بصورة منهجية علمية على نشوء وتطور السلاح الجو اليمني أو بالأحرى تاريخ القوات الجوية اليمنية ليتطلع جيلنا الناشئ على تاريخ اليمن العسكري بصورة عامة والقوات الجوية بصورة خاصة . وأنني أكاد أجزم أنّ الجهات المعنية بالأمر ، يحتل هذا المشروع التاريخي الهام والقيم مساحة واسعة وعريضة في تفكيرها وأنها ستعمل على كتابة تاريخ القطاعات العسكرية المختلفة في القوات المسلحة على ضوء منهج البحث التاريخ الأكاديمي الذي يقوم على البحث والتنقيب ، والشرح ، والتفسير ، والتحليل العميق .