منبر التراث
[c1]في العصر العباسي الثاني [/c] في العصر العباسي الثاني ، أطلت الشعوبية برأسها البشع, وكان شعارها هو أن للفرس حضارة رائعة في مختلف الوجوه على سبيل المثال نظم الحكم ، الحياة العقلية ، الفنون ، والشئون العسكرية ، أما العرب ـ على زعم مؤيدي الشعوبية ـ فقد كانوا يعيشون في الصحراء والفيافي وعليهم أن يعودوا إلى مسقط رأسهم جزيرة العرب التي أتوا منها . ويقول الشاعر المتوكلي الشعوبي ـ نسبة إلى الخليفة العباسي المتوكل أحد ندمائه ـ في أحدى قصيدته التي ملئت حقدا أسود، فيقول في أحدى أبياتها : (( وعودوا إلى أرضكم بالحجاز لأكل الضباب ورعي الغنم )) . [c1]وانطفأت نيرانها[/c]ولكن نيران تلك الحملة المستعرة سرعان ما انطفأت نيرانها وخمدت جذوتها بفضل كتاب كبار أمثال الجاحظ ، وابن قتيبة اللذين وقفا في وجه الحملة الشعوبية ، وقد فندا مزاعم أصحابها تفنيدا عميقا ، وقضيا عليها قضاءً مبرما . [c1]رأس السنة البابلية [/c]والحقيقة أن الكتابة عن موضوع الشعوبية ما كانت تخطر لي على بال ، لولا ما شاهدته في الفضائية الآشورية ( العراقية ) التي جسدت الشعوبية العصبية المنتنة تجسيدا مخيفا حيث لفت نظري أن لغتها باللغة الآشورية الضاربة جذورها في اعماق التاريخ القديم أي من عهد الحضارة البابلية والسومرية التي ظهرت في بلاد الرافدين علما أن وزير الإعلام العراقي طلب من الفضائية الآشورية التكلم باللغة العربية , ولكن كما يقول المثال (( أذن من طين ، وأذن من عجين )) . والجدير ذكره أنه من الأسبوع الفائت تعلن الفضائية الآشورية للمشاهدين عن قيام احتفال فني كبير بمناسبة رأس السنة البابلية الجديدة. [c1]تزييف التاريخ [/c]وقامت الفضائية الآشورية ، بعقد عددا من الندوات الثقافية أظهرت فيها الثقافة البابلية بأنها كانت إشعاع حضاري للعالم القديم ـ وقتئذـ وأن العرب استقوا منها العلوم والمعارف التي رفعت من شأنهم بين الأمم آنذاك وغيرها الكثير من الندوات الثقافية والجدير ذكره أن تلك الندوات كانت بالعربية , وكأنها تبعث برسالة صريحة إلى عرب العراق. ولم تكتف الفضائية الآشورية بتلك الندوات الثقافية بل قامت بأعداد برامج ، تاريخية ، وتراثية حضرها لفيف من الأساتذة الدكاترة الذين كانوا يفتخرون ويشيدون بالحضارة الآشورية أو بمعنى أدق بالحضارة البابلية القديمة التي قامت على بلاد الرافدين ( العراق ) القديمة . وكيف كانت حضارة مشرقة دائمة بمختلف مناحي الحياة السياسية ، الاجتماعية ، الاقتصادية ، العمرانية ، العقلية ، والعسكرية وكان الحديث بين هؤلاء الأساتذة الدكاترة المختصين بالتاريخ والتراث والفنون القديمة علما أن الجوانب الثقافية والاجتماعية ما تزال غامضة إلى حد ما ـ حسب قول الدكتور قاسم عبده قاسم في كتابه( بين التاريخ والفولكلور ) ـ ، وأنها مازالت لها أيادٍ بيضاء على العرب الذين قدموا من الصحراء والفيافي ، حينما غزو إقليم سواد العراق . لا حظ كلمة ( غزو ) ولم يقولوا كلمة ( فتحوا ) ، ولم يتكلم أحد من هؤلاء الأساتذة الدكاترة عن الحضارة العربية الإسلامية كأنها لم تكن في يوم من الأيام على خريطة الحضارة الإنسانية التي نشرت أضواء العلوم والمعارف في مختلف بقاع العالم ومنها الأندلس ( أسبانيا ) بل ووصلت إلى جنوب فرنسا , وجنوب إيطاليا . وتشعر أن تلك الندوات سواء التاريخية منها أو التراثية أو العقلية يحاول المشاركون فيها تزييف حقائق التاريخ بصورة فجة .[c1]الحضارة العربية الإسلامية [/c] والحقيقة تذكرت ما كتبه عدد من الكتاب الكبار أمثال الدكتور شوقي ضيف عن الشعوبية وكيف حاولت أن تطمس الحضارة العربية الإسلامية من خريطة الحضارة الإنسانية ؟ . ولكنها فشلت فشلا ذريعا لكونها كانت تقف في وجه تيار التاريخ , وتحاول أن تعيد عقارب الزمان إلى الوراء. ويقول في معرض حديثه عن الشعوبية والعرب بما معناه : " أن بعض الكتاب المسلمين الذين تصدوا إلى موجة الشعوبية أمثال ابن الجاحظ ، اعترفوا أن الحضارة الفارسية كانت تمتلك تراثا إنسانيا عظيما , وعندما جاء العرب إلى إقليم السواد ، وفتحوا المدائن في فارس ، تشربت عقولهم بالعلوم الفارسية المختلفة وكذلك من الثقافة الهندية ، واليونانية وغيرها الكثير من الثقافات الإنسانية القيمة وبعد أن استوعبوها و هضموها بشكل عميق صبوها في قالب حضاري إسلامي يقوم على القيم والمثل النابعة من الإسلام الحنيف فالحضارات الإنسانية عبر التاريخ تضيف إلى الحضارة السابقة آفاق واسعة من العلوم والمعارف الإنسانية المختلفة . ولكن ـ مع الأسف العميق ـ يلفت نظرنا أن الشعوبية تطل بوجهها القبيح مرة أخرى عبر شاشة الفضائية الآشورية . والسؤال الذي يفرض نفسه بقوة هل يتصدى مؤرخينا ، وكتابنا ، وأدباءنا إلى ظاهرة الشعوبية الآثمة التي أخذت تتحرك في أحشاء الحقد و أعداء الحياة والإنسانية المتمثلة بالفضائية الآشورية .