سينما ريجل
نجوى عبدالقادر كان للسينما في اليمن نشاط متميز وجمهور كبير ما جعل من هذه الوسيلة الثقافية كياناً فنياً مستقلاً بذاته ووصل النشاط السينمائي الى قمة ازدهاره في الستينات والسبعينات من القرن الماضي اما في الثمانينات فقد ازدهر النشاط السينمائي واصبحت اليمن دولة منتجة للأفلام الوثائقية وجدت في المحافظات الجنوبية اكثر من عشرين صالة عرض سينمائي تتسع لأكثر من عشرين الف مشاهد وقد اممت جميع هذه الدور بعد الاستقلال الوطني بعد ان كانت ملكاً لبعض اصحاب الاموال اليمنيين ولم يعد لمالكيها بعد تأميمها الحق في تشغيلها او التصرف بمدخولاتها حيث ضمت جميعها تحت اسم " المؤسسة العامة للسينما" وهذه المؤسسة هي واحدة من المؤسسات الثقافية التي تتبع وزارة الثقافة والسياحة ، وجميع دور العرض السينمائي بعد ان اصبحت تابعة للمؤسسة العامة للسينما بدأت باضافة نوع جديد من الافلام تختلف عن تلك التي سارت عليها السينما قبل التأميم فبدلاً من اقتصارها على الافلام العربية والهندية والغربية التي تعود عليها جمهور المشاهدين سنوات طويلة ، وهذه الافلام الجديدة هي ماتنتجه دول المنظومة الاشتراكية ومن خلال معاهدات الصداقة والتعاون بين بلادنا وتلك البلدان كان من بين هذه المعاهدات التبادل الثقافي والعلمي وبدأ المشاهد في دور السينما يتقبل مايعرض عليه من هذه الافلام الجديدة خصوصاً في مواسم محددة مثل اسبوع الفيلم الالماني ، اسبوع الفيلم الروسي، اسبوع الفيلم البلغاري .. وهكذا بدأ المشاهد ايضاً يتعرف على الفيلم الكوبي والفيلم الكوري والفيلم التشيكوسلوفاكي وغيرها من افلام الدول الاشتراكية لم يكن المشاهد يعرف كثيراً او قليلاً عن ابطال هذه الافلام الذين يشاهدهم لاول مرة ناهيك عن اللغة الجديدة التي لم يتعود عليها كما قد تعود على اللغة الانجليزية والهندية رغم الترجمة العربية وهذه الافلام الجديدة - رغم ان بعضها ناجحة وفي مستوى الافلام الغربية والعربية الجديدة الا ان بعض المشاهدين لم يقبلوا عليها .. اعتقاداً منهم بان هذه الافلام لاتناسب اذواقهم .. ولايعطون لها قيمة او اهمية ولعل السبب يعود الى جانب مهم يجعل مثل هذه الأفلام غير ذات اهمية اوذات قيمة في احيان كثيرة وهي ضعف الوسائل الاعلامية التي ينبغي ان تروج لافلام الدول الاشتراكية في البلاد العربية حيث تلعب الدعاية الاعلامية اهم عامل في مسألة الترويج السينمائي ولم تكن للبلاد الاشتراكية مكانة هامة في الاعلانات السينمائية العربية والسبب في ذلك ان صناعة السينما في البلاد الاشتراكية ليست من الصناعات الرئيسية، وانما هي صناعة تكميلية ثانوية لاتحتكرها فئة معينة حتى تنظر الى جانب الربح والخسارة وتعمل جميع تلك الافلام بانتاج حكومي وفي اتجاه واضح ومحدد.ومن الجدير بالذكر ان اليمن استفادت كثيراً بانفتاحها على سينما الدول الاشتراكية وكانت من ضمن الاتفاقيات الثقافية بين بلادنا وهذه الدول ارسال البعثات والكوادر للدراسة والتدريب والتأهيل في مجالات التصوير والاخراج السينمائي والهندسة الصوتية والاضاءة والديكور وغيرها من الدراسات الفنية واستقبال اليمن لعدد من المصورين والفنيين والخبراء في مجال السينما والتلفزيون والاذاعة والصحافة واشتراك اليمنيين المؤهلين مع عدة فرق سينمائية للقيام باعمال ناجحة وخاصة تصوير عدد من الافلام التسجيلية اشتراك اليمن في عدة مهرجانات سينمائية .. وحضورها الفاعل كمؤسسة وكوادر وانتاج سينمائي وبدايات واعدة ومبشرة بسينما يمنية هادفة.ولم يقتصر النشاط السينمائي في اليمن على ماقدمته الدول الاشتراكية في مجال الدراسة والتدريب والتأهيل ولكن النشاط السينمائي اتسع وتطور حتى ان عدداً من المصورين والمخرجين السينمائيين جاءوا الى اليمن بدعوات خاصة من المؤسسة العامة للسينما للتعرف على الحياة السينمائية في اليمن وقدمت هذه الدول لليمن عدداً من افلام الكرتون للاطفال المترجمة صوتياً.كما شارك فريق سينمائي من 4 الكوادر السينمائية اليمنية في تصوير المحافظات الجنوبية الست .. وذلك في افلام وثائقية هامة .وكان لليمن اتفاقيات مع بعض البلدان العربية في مجال التعاون والتنسيق في مجال السينما واستقبلت اليمن عدداً من المخرجين والممثلين والممثلات العربيات من بينهم الممثلة القديرة سميحة ايوب والممثلة المعروفة محسنة توفيق والممثل عبدالرحمن ابو زهرة ولعل اهم مايميز فترة ازدهار السينما في اليمن هو اقامة " نادي السينما" الذي يحضره عدد من المثقفين وتتم فيه مناقشة الافلام التي تعرضها السينما خلال الاسبوع ووضع المقترحات والآراء من قبل الحاضرين وتقديمها للمؤسسة العامة للسينما.وخصص التلفزيون في اليمن برنامجاً اسبوعياً بعنوان"السينما والناس" .. للناقد السينمائي الراحل شكيب عوض .ولتطوير مستوى السينما اليمنية وتفعيل دورها والاستفادة من كوادرها ، تم انشاء " دائرة الانتاج السينمائي" التابعة للمؤسسة العامة للسينما - بعدن عام 1973م .. حينها طلب من السينمائي المرحوم جعفر محمد علي المساهمة في انشاء هذه الدائرة مع المصور ناجي مصلح نعمان وبعض الفنيين في مجال الصوت والاضاءة والتجهيزات الفنية والكهربائية وشارك في تأسيس هذه الدائرة بعض الاشقاء العراقيون.وكان مدير المؤسسة في ذلك الوقت احمد الخضر زعبل الذي اشرف على شراء المعدات السينمائية من المانيا مع السينمائي جعفر محمد علي وبدأ الانتاج السينمائي لهذه الدائرة وكان أول فيلم وثائقي ملون " مقاس 36 مم" بعنوان " غداً يوم مشرق" من انتاج دائرة الانتاج السينمائي وتصوير واخراج جعفر محمد علي ،ثم كان الفيلم الثاني " من ثمار الثورة" للمصور السينمائي ناجي مصلح نعمان وهكذا توالت الافلام حتى وصلت الى ثمانين فيلماً وثائقياً ان انشاء دائرة الانتاج السينمائي جعل عدداً من هواة السينما ينتقلون من مؤسسة التلفزيون الى مؤسسة السينما فنهضت هذه الدائرة حتى وصلت الى قمة نشاطها وهذا ما دفع بها للمشاركة في العديد من المهرجانات العربية والدولية ونالت بعض هذه الافلام الاوسمة والشهادات التقديرية وظل هذا النشاط متواصلاً حتى احداث يناير 1986م حينها تعثرت هذه الدائرة وقل نشاطها بسبب الاحداث المأساوية وسوء الادارة الجديدة.كان من ضمن خطة الدولة في فترة ماقبل احداث يناير 86م قيام الصناعة السينمائية اليمنية وادرجت انشاء المعمل السينمائي في منطقة حقات في مدينة كريتر وذلك ضمن خطة وزارة الثقافة والاعلام لعام 1986م .. الا ان ماحصل في احداث 13 يناير 1986م مثل عائقاً امام تنفيذ هذه الخطة .وهنا بدأ الانتاج السينمائي يتوقف وخاصة عندما بدأت الكوادر السينمائية تهاجر تاركة الوطن والفن والسينما .ويمكننا القول ان السينما في اليمن استمدت نجاحها من اهميتها الثقافية ومن اقدميتها كفن راقٍ استجاب له جمهور عريض من ابناء اليمن وفي مختلف الاعمار حيث كانت السينما هي الوسيلة الوحيدة التي لعبت دوراً ثقافياً وترويحياً في آن واحد ..إذا كانت السينما قد بدأت برأسمال يمني .. فهذا يدل على ان اصحاب الاموال في عدن ساهموا الى حد كبير في نشر العلم والثقافة والفن .. واليهم يعود الفضل في تشييد المكتبات والمدارس الاهلية ودور السينما والاشراف عليها من خلال تقديم افضل العروض وانتقاء الافلام الهادفة والجادة ولهذا كانت معظم الافلام التي تعرض للمشاهد غاية في العناية والاختيار السليم.. وهكذا تمكنت السينما في اليمن من تحقيق هدفها الثقافي بمواكبة احدث الافلام السينمائية الجديدة وعرضها لجميع المواطنين وهكذا ايضاً استطاعت السينما ان تعطي الحق لكل مواطن للاتصال بالسينما كوسيلة واداة مشروعة للتوصيل الثقافي ومن هنا نجحت السينما في وقت مبكر من تحقيق مبدأ المشاركة الشعبية الواسعة من خلال الالتقاء اليومي للمثقفين مع جمهور كبير من الاميين وانصاف المتعلمين.وهذه المشاركة الثقافية العامة حققت جزءاً كبيراً من مبدأ ديمقراطية الثقافة وتوفير الجو الثقافي ليشمل كل قطاعات الشعب..