[c1]ماجد الكيالي [/c]لا يمكن التعاطي مع الاقتتال الدامي والمدمر بين حركتي «فتح» و «حماس» على أنه مجرد لحظة عابرة في تاريخ الحركة الوطنية الفلسطينية، كما لا يمكن المبالغة بوصفه نوعاً من الحرب الأهلية.كانت الساحة الفلسطينية شهدت حالات اقتتال بين فصائلها، على الأرض اللبنانية (لا سيما مع حالة «فتح – الانتفاضة»، و «فتح – المجلس الثوري»)، وفي الأراضي المحتلة بين «فتح» و «حماس»، في مرحلة قيام كيان السلطة في الضفة والقطاع.وتوصيف ظاهرة الاقتتال الداخلي بمصطلح الحرب الأهلية غير مناسب، على رغم دمويته وقوته التدميرية وشحنة العنف والاستئصال فيه، ذلك أن الشعب الفلسطيني لا يعاني من انقسامات طائفية أو مذهبية أو اثنية أو سياسية أو طبقية، تذهب به إلى الحرب الأهلية. زد على ذلك ان الفلسطينيين إجمالاً غير معنيين مباشرة بالاقتتال بين «فتح» و «حماس»، بحكم انصراف غالبيتهم عن الانخراط في العمل الفصائلي منذ زمن، داخل الأرض المحتلة وخارجها، وبحكم هيمنة الفصائل وبشكل فوقي على المجالين السياسي والاجتماعي الفلسطيني، وبواقع معرفتهم بأن الصراع الدائر ليس له البتة علاقة بالقضية الوطنية. لكن عدم توصف ما يجري بالحرب الأهلية لا يقلل من مخاطره، ذلك أن هذا الوضع المنفلت أكثر خطورة من الحرب الأهلية، التي ربما لها مرجعيات وسياسات وإطارات، في حين أن ما يجري يعبر عن روح العصابات والمافيات وطلاب السلطة.ما يجري في قطاع غزة مجرد صراع سلطة وهيمنة على المجتمع الفلسطيني من جانب أكبر حركتين سياسيتين (فتح وحماس)، من دون أن يكون لذلك مبرر وطني، لا سيما أن الصراع يجري في وضع لا سلطة فيه فوق سلطة الاحتلال.وما يفاقم الخطورة انفلاش الوضع الفلسطيني، وهو ما يتمثل باستهلاك المرجعيات القيادية، وغياب الاجماعات السياسية، وتآكل الشرعيات الوطنية، وفلتان السلاح، وفوضى المنظمات والمليشيات والعصابات، والتداخلات والتوظيفات الخارجية للقضية الفلسطينية.وكانت الفصائل الفلسطينية، كل بحسب إمكاناته، عملت على المبالغة بالتشكيلات العسكرية، وإشاعة مناخ العسكرة والعنف على حساب التشكيلات السياسية والاجتماعية، وأسست وجهات نظرها وأساليب عملها على تقديس العمل المسلح، من دون النظر إلى جدواه ووظائفه في كل مرحلة، وذلك على حساب أشكال النضال الأخرى الشعبية والمدنية، وظلت طوال مسيرتها أميل إلى العلاقات العشائرية والعائلية وللقيادة الأبوية والفردية والمزاجية، على حساب العلاقات الديموقراطية والمؤسسية والسياسية.معنى ذلك أن الطبقة السياسية الفلسطينية كلها (وخصوصاً المنتمية إلى «فتح» و «حماس»)، تتحمل المسؤولية الأساسية عن التدهور والتآكل والإخفاق الذي آلت إليه أحوال حركتها الوطنية، والذي كان أحد أهم مظاهره عدم تحقيق هذه الحركة إنجازات تتناسب وتضحيات الشعب الفلسطيني، في كل الخيارات التي أخذتها على عاتقها، من الانتفاضة إلى المفاوضة، ومن الكفاح المسلح إلى التسوية، ومن الثورة إلى بناء الكيان، ما كانت نتيجته انسداد آفاق العمل الفلسطيني، وتحويل شحنة العنف المختزنة نحو الاقتتال الداخلي!كذلك فإن حركة «فتح»، التي استمرأت العيش على تاريخها النضالي، تتحمل مسؤولية التدهور في العلاقات الداخلية الفلسطينية، بسبب افتقادها مرجعية سياسية وتنظيمية، وتفشي الفوضى والانفلاش في صفوفها، وكونها لم تستوعب التغير الحاصل في الساحة الفلسطينية، ولم تراجع سياساتها في المشاركة، ولم تذهب نحو إصلاح أوضاعها، ومراجعة بناها وأشكال عملها وخطاباتها.وللإنصاف فإن هذه الحركة لم تذهب نحو الاقتتال لحسم الوضع لمصلحتها، على رغم الظروف الصعبة التي مرت بها، خصوصاً في ظل التنازع بينها وبين «حماس»، منذ اندلاع الانتفاضة في العام 2000، بل إنها ذهبت نحو الانتخابات.في هذا الإطار ثمة مسؤولية في ما يجري تقع على عاتق المداخلات الخارجية (الدولية والإقليمية) في الشأن الفلسطيني، لا سيما المداخلات الإسرائيلية، التي أدت إلى انسداد الأفق السياسي أمام الفلسطينيين بالانتفاضة أو بالمفاوضة، بالعمل المسلح أم بالعمل السلمي، وكل ذلك تسبب في مفاقمة الإحباط واليأس وانعدام الأمل، وبالتالي التطرف، لدى الفلسطينيين، من دون أن ننسى الاختراقات الإسرائيلية المباشرة في جسمهم. ولا شك في أن إسرائيل تتوخى من هذه المداخلات والاختراقات، التأكيد على عدم أهلية الفلسطينيين لإدارة شؤونهم، وإخلاء مسؤوليتها عن تدهور أوضاعهم، وإثبات أنه لا يمكن الثقة بهم في عملية التسوية، كونهم يميلون إلى العنف حتى في حل مشاكلهم البينية. كما أن هذه الأوضاع يمكن أن تغطي على الممارسات الوحشية التي تنتجها إسرائيل ضد الفلسطينيين، بما في ذلك التضييق عليهم، وإمعانها في القتل والتدمير.والحقيقة المؤسفة والمريرة هنا في أن الاقتتال بين فتح وحماس بدا أشد هولاً وقتلاً وتدميراً من كثير من العمليات الإسرائيلية، لا سيما أن هذا الاقتتال حدث في وقت نحت فيه الفصائل (وخصوصاً حماس) نحو الهدنة والتهدئة مع إسرائيل! كما شهدت استخدام صنوف من الأسلحة لم يجر استخدامها في مواجهة الاجتياحات الإسرائيلية! والأدهى أن عمليات الاقتتال شهدت حالات يندى لها الجبين، مثل إعدام شخص من على سطح بناية عالية، والإقدام على قتل جريح، أو «أسير» (!)، واستهداف البيوت والعائلات الآمنة والمستشفيات.فإذا كان ضحايا الاقتتال بين الأخوة من الفلسطينيين بلغ في يومين حوالي 84 قتيلاً (من مساء الأحد إلى مساء الثلاثاء6/13-11)، مع كل ما في ذلك من أعمال تدمير وانتهاك لحقوق الإنسان والأبرياء، وقتل متعمد حتى للجرحى، فمن الذي سيتحدث بعد ذلك عن عمليات القتل والتدمير أو عن المجازر التي تحدثها إسرائيل في الفلسطينيين؟!ومن أحداث قطاع غزة المريرة والمؤسفة والمؤلمة، يمكن التوصل إلى استنتاجات، أهمها:أولاً، أن الفلسطينيين لم ينجحوا في استثمار الانسحاب الإسرائيلي الأحادي من القطاع، بتحويله إلى إنجاز وطني يمكن البناء عليه، إذ تم دوس هذا الإنجاز، وتجاهل التضحيات التي بذلت في سبيله، بتحويل قطاع غزة الى مكان للاقتتال وليس إلى نموذج يليق بولادة الكيان الفلسطيني.ثانياً، حول الاقتتال الانتخابات الديموقراطية النزيهة من مفخرة للفلسطينيين إلى وبال عليهم، وكارثة على حركتهم الوطنية.ثالثاً، بينت الأحداث أن الفلسطينيين لم ينجحوا في امتحان التسوية، ولا في بناء الكيان، كما لم ينجحوا في امتحان الديموقراطية، أو في بناء حركة وطنية.رابعاً: أثارت أحداث القطاع مجدداً شبهة مفادها أن حركات الإسلام السياسي في المنطقة العربية (وضمنها حماس) إنما تتوسل الانتخابات باعتبارها مجرد وسيلة للوصول إلى السلطة، وليس باعتبارها طريقة أو نهجاً في إدارة النظام والسياسة والمجتمع. ودليل ذلك أن «حماس» رفضت أي حل ديمقراطي (استفتاء – انتخابات رئاسية وتشريعية مبكرة) لحل مسألة ازدواجية السلطة. وبدلاً من ذلك فضلت الاقتتال لحسم الخلافات الداخلية، ولتكريس هيمنتها الأحادية، متوسلة الخطابات التكفيرية والتخوينية.خامساً، الأحداث الدامية والمؤسفة في قطاع غزة، ورد الفعل الانتقامي من حركة فتح في الضفة، تشي باضمحلال أو بتفسخ الحركة الوطنية الفلسطينية، التي انطلقت منذ منتصف الستينات، والتي كانت عملت على إثارة الغرائز والعواطف والعصبيات والشعارات، عند الفلسطينيين، أكثر بكثير من اشتغالها على السياسات المرتبطة بالعقلانية وموازين القوى والإنجازات والمشاركة وتنمية الروح الوطنية والمؤسسات الكيانية الجامعة، لديهم.حقاً إنه مآل تراجيدي لقضية تراجيدية بامتياز! [c1]كاتب فلسطيني[/c]
اقتتال الإخوة الفلسطينيين: مآل تراجيدي لقضية تراجيدية
أخبار متعلقة