أثمار هاشم أمريكا أولاً , أمريكا ثانياً , أمريكا إلى ما لا نهاية , هذه هي السيمفونية التي تعزف عليها الولايات المتحدة الأمريكية في أن تكون محوراً لكل الأحداث الدائرة في العالم من أقصى الكرة الأرضية إلى أقصاها , فلا توجد معضلة أو قضية في هذا الكون إلا ويحق لها التدخل فيها وإبداء الرأي , الذي هو بمثابة علاج سحري لكل المشاكل في العالم , وخاصة تلك التي تحدث في منطقة الشرق الأوسط , الذي أصبح بؤرة للنزاعات بكافة أنواعها , بينما يقف أصحاب الشأن متفرجون لا حول لهم ولا قوة , وربما هذا يذكرنا بالمقولة التي تقول ( أنه ليس من العيب أن يخطئ المرء ولكن من العيب أن يكرر الخطأ ) وهذا ينطبق تماماً على شعوبنا العربية وحكامها الذين لم يستفيدوا من أخطائهم السابقة , بل يعيدون تكرارها بشكل أو بآخر وكأنهم بذلك يدورون حول أنفسهم في حلقة مفرغة .فإذا ما رجعنا بالتاريخ إلى الوراء وتحديداً إلى العام 1916م , عندما وقعت اتفاقية سايكس بيكو والتي على ضوئها تم تقسيم العالم العربي إلى دول خاضعة للسيطرة الاستعمارية وبقاءها كذلك حتى الخمسينيات , عندما بدأت أولى حركات التحرر العربي في مصر بقيام ثورة يوليو 52م والشعارات البراقة التي رفعتها ذات المضامين الاشتراكية عن العدالة والمساواة الاجتماعية والأثر البليغ الذي أحدثته تلك الشعارات على المواطن العربي في بلدان عدة , والتي ظن من خلالها أنه قادر على إحداث تغيير في العالم واستعادة ماضية الذي سلب منه , وبذلك توالت حركات التحرر العربي في كافة الدول العربية , إلا أنه ولأسباب مجهولة لم تتكشف حقيقتها كاملة حتى اللحظة , فإن قادة الحركات التحررية قد تم إقصاءهم عن السلطة .في ذلك الوقت , كانت أمريكا تلعب أدواراً خفية , ومن وراء الستار في العالم العربي , وربما يكون ذلك مرده إلى وجود أكثر من قوة على الساحة العالمية , كالإتحاد السوفيتي ( سابقاً ) وأوروبا ( بريطانيا وفرنسا ) , إلا أن الظهور الحقيقي لأمريكا كان من خلال حربها على كوريا وفيتنام وحصارها لكوبا .ثم جاءت نكسة حزيران 67م , والتي جعلت العرب يفيقون من حلمهم في تغيير العالم , كما أن أمريكا وجدتها فرصة للظهور والتدخل في الشؤون العربية ولعب دور أكبر فيها , حتى أنها أصبحت اليوم الوصي عليهم وصاحبة الحق في معاقبة أي نظام عربي يشق عصا الطاعة عنها والتي أبرزت بوضوح ضعف القيادات السياسية في العالم العربي بإذعانها لكافة المطالب الأمريكية.وعلى الرغم من تعاقب الرؤساء , الذين حكموا أمريكا فأن سياستهم تجاه العالم العربي لم تتغير , إلا أنه ومنذ تولي الرئيس الأمريكي / جورج بوش الابن الحكم , بات العالم العربي والإسلامي يمر بأسوأ المراحل التي عرفها فبحجة محاربة الإرهاب تم شن الحرب على أفغانستان التي لا زالت تعاني حتى اللحظة من عدم استتباب الأمور فيها , وتحت ذريعة القضاء على الأسلحة الكيمياوية ثم غزو العراق , هذا الغزو الذي جعلنا نعيد للأذهان أنه قبل (1000) عام عندما سقطت بغداد على يد المغول فأن ذلك كان سبباً في ضياع الحضارة العربية الإسلامية , اليوم وقوع بغداد تحت الاحتلال جعلها مفتوحة للاقتتال الداخلي والحروب الطائفية التي يروح ضحيتها كل يوم العشرات من القتلى والجرحى والتي تعكس بوضوح مدى سيطرة الحقد على نفوس الكثيرين فكأن شيعة العراق عندما تعمل على تهجير أهل السنة من العراق أو تصدر الفتاوى من أن الشيعي إذا لمس السني فأن عليه إعادة وضوءه وضرورة دفع مسلمي السنة الجزية وغيرها الكثير , ستعمل بذلك على تحويل العراق إلى بلد شيعي والانتقام من كل سني وكأنه هو السبب في الذي تعرض له وليس النظام السابق , أن ما يحصل بين سنة العراق وشيعته قد لا يبقى محصوراً داخل العراق فقط , بل أنه على المدى قد يعكس نفسه حتى على باقي الدول العربية التي تدين بالمذاهب السنية أو الشيعية وطبيعة العلاقة بينهما وهكذا يبدو أنه كلما سقطت بغداد كان ذلك مقدمة لسقوط باقي الدول والدليل على ذلك هو التهديدات التي تلاحق إيران والتدخل الأمريكي في الصومال ولا أحد يعلم إلى أين ستكون الوجهة المقبلة للتدخل الأمريكي في العالم العربي والإسلامي .فعلي ما يبدو أن أمريكا والرئيس / بوش تسعيان من خلال أفعالها تلك في الدول العربية والإسلامية إلى تطبيق مشروع الشرق الأوسطية الهادف إلى تقسيم العالم العربي إلى دويلات مذهبية ومناطقية وعشائرية , في حين إنه ينبغي على الرئيس الأمريكي الالتفات إلى شؤونه الداخلية في ظل تراجع شعبيته بعد حربه على العراق وسيطرة الديمقراطيين على الكونجرس الطامحين للوصول إلى البيت الأبيض في انتخابات 2008م وإن كان علينا كعرب ألا نعلق الكثير من الآمال على الرئيس الأمريكي الجديد بأنه سيكون أفضل من سابقه ونتعظ من ما مر بنا .
|
تقرير
بغداد - مقدمة سقوط العرب
أخبار متعلقة