المراهقة .. مرحلة تمرد و تناقضات وأفعال:
استطلاع /إبتهال الصالحي من الشائع والمتعارف بين الناس عن مرحلة المراهقة أنها مخيفة وكارثية وغير طبيعية يغلب عليها طابع القلق والإحباط والعديد من المشاكل النفسية الأخرى، وأن المراهق هو شخص ثائر ومتمرّد وليس له رأي ثابت وتوجد تناقضات في تصرفاته، كما أنه لا ينصت إلى آراء من يكبرونه في السن، وأنه دائماً على خطأ، وتوجد فجوة كبيرة بينه وبين الكبار، لكن، هل كل هذه الآراء صحيحة وغير مبالغ فيها؟ أم أنها مجرد تبرير ونتاج لعدم قضاء الآباء الوقت الكافي مع أبنائهم لمعرفة التغيّرات الطبيعية والمتوقّع حدوثها خلال هذه الفترة ومعرفة ما يجول في أذهانهم من أفكار وتساؤلات ومحاولة إرسائهم على بر الأمان والخروج من هذه الدوامة؟ من السهل أن نصدر أحكامنا على الأشخاص، لكن الأصعب هو فهمهم. فالمراهقة هي مرحلة عُمرية يمر بها الإنسان مثلها مثل أي مرحلة عُمرية أخرى، لكن المختلف فيها هي التغيرات التي تحدث للمراهق والقرارات الصعبة التي ينبغي على الآباء اتخاذها لتنشئة الفتى أو الفتاة، إما بطريقة صحيحة أو خاطئة، ومنها اختيار الأصدقاء، اختيار أسلوب الحياة والاقتناع بالقيم التي يحث عليها الآباء إلى جانب التغيرات الجسمانية والاجتماعية والعاطفية فهي فترة لها متطلبات واحتياجات عديدة، أبرزها حاجته إلى الحب والاحتواء والنصح والإرشاد، والأهم الشعور بالثقة والاحترام له. [c1]لنا الله[/c]”المراهقون في هذا الزمان لهم الله”، بهذا تحدث هيثم أحمد، 14 عاما، وقال: “الآباء مشغولون بأعمالهم ودائماً غير متواجدين في المنزل، ومعظم الحوار بيننا وبينهم عبارة عن إعطاء أوامر، وانتقادات لا تنتهي أو مقارنات بيننا وبينهم في زمانهم عند ما كانوا في أعمارنا، وكأنهم لم يسمعوا أن الزمن تغيّر والناس تغيّرت ، فلماذا الشباب وتفكيره لا يتغيّر؟، واعتقد أن المراهق في هذه الأيام مظلوم فهو أمام مغريات كثيرة يمكن أن تدفعه إلى الضياع خاصة أن الأهل غير متواجدين، وإن تواجدوا فهم غير مدركين لما نشعر به، وما نريده منهم، فأمر صلاح المراهق أو انحرافه يرجع إلى البيئة التي يعيش فيها، ونوعية الأصدقاء فإن صلحت صلح، وإن فسدت فسد .[c1]نحن هنا[/c]مروى علي، 17 عاما، تقول: “تختلف الأسر في تقبل آرائنا -نحن الشباب- ولا أحب تسميتي مراهقة لما لصق بالمصطلح من صفات غير محببة لمن يتصف به فقد جرت العادة أن المراهقين هم شباب طائشون مزعجون، دائماً على خطأ غير متزنين ولا يتصفون بالعقل أو الحكمة في تصرفاتهم..ودائما موضع شك في جميع تصرفاتهم وأقوالهم، على الرغم أن الكثير من هؤلاء الشباب في مثل هذه الأعمار يتصفون بالعقل والحكمة والاتزان، وأفضل من كثير من الراشدين أو الكبار في هذا الزمان”.وتضيف: “من وجهة نظري أن الآباء والأمهات يختلفون في تقبل آراء أبنائهم، فلذلك تراهم لا يستمعون لهم، وإن حصل ذلك فهم غير منصتين، وإن أنصتوا فهم يرفضون تقبل آرائنا، ودائما ما ينتهي الحوار بانتصار آرائهم، والتي تتحول من آراء إلى أوامر، وأحيانا إلى مشاجرات تنتهي في غير صالح الأبناء”.وتوضح مروى أنها لا تلجأ إلى والديها إذا صادفتها أية مشكلة؛ لأنها إن فعلت فستكون العواقب وخيمة ولا تحمد عقباها؛ لأن والديها عصبيان وحازمان جدا، والحوار عندهم يعني تجاوز حدود الأدب، وعادة تلجأ إلى خالتها التي دائماً ما تنصت لها وتولي مشاكلها اهتماما ورعاية كبيرة، وتعالجها بهدوء وحكمة، ربما لتقارب العُمر بينهما- على حد تعبيرها”.[c1]حق الرد مكفول[/c]أم رامي وافقت مروى وهيثم في حديثهما، وقالت: «إن الأمهات والآباء في غفلة كبيرة عن أبنائهم، وإن هذه المرحلة هي أهم وأخطر المراحل، وما هي إلا فترة زمنية وتنتهي، فما هو المبرر من إهمالهم لأبنائهم”.وتضيف:”أتعجب من أمهات وآباء هذا الزمان فهم يهتمون بأبنائهم وهم أطفال ويولوهم العناية والرعاية والاهتمام، وما أن يصلوا إلى هذا العمر الحرج حتى يفض كل واحد منهم يده عن المسؤولية ويحملها للآخر فالأم دائمة الشكوى من أنها تعبت واحتارت بهذا الولد وتلك الابنة والأب يقول ”إن هذه مسؤولية الأم وإنها هي من تربي وتعلم وهو مسؤول خارج المنزل بتوفير متطلبات الحياة، متناسين أنهم يتعاملون مع قلوب بيضاء ومشاعر هشة لينة تحتاج إلى أكثر من التربية والتعليم وحتى متطلبات الحياة تحتاج إلى حب وحنان واحتواء للمشاعر وبناء نفسي وروحي ومعنوي يحتاج إلى أذن تسمع وقلب يحس”.وعن تجربتها في التعامل مع أولادها تقول أم رامي: ”زوجي أخلى مسؤوليته، ولذلك تحملت العبء كاملاً فأنا صديقة لأبنائي ومستمعة جيدة لهم، أسمع لهم وأناقشهم من وجهة نظرهم للأمور وأحاول توضيح الصورة لهم، وأشاركهم اهتماماتهم حتى لو لم ترق لي ولكن لا أتعرف على طريقة تفكيرهم أحاول أن أبيّن لهم الصواب من الخطأ لكن لا أتدخل في اختياراتهم إلا عند الضرورة فأعطيهم الحرية والثقة مع مراقبتي للأمور من بعيد ولا أتدخل إلا في الوقت المناسب والاهم أن أتعرف على أصدقائهم وعائلاتهم”.[c1]الإجابة العلمية[/c]توجهنا إلى الأختصاصي النفسي سند حيدر المعيد بقسم العلوم السلوكية بكلية الطب ورئيس الجمعية اليمنية للصحة النفسية، وسألناه عن أسباب النفور بين الأبناء والآباء في فترة المراهقة، فقال: “المراهقة تعد من أخطر المراحل التي يمر بها الإنسان ضمن أطواره المختلفة التي تتسم بالتجدد المستمر، والارتقاء في معارج الصعود نحو الكمال الإنساني الرشيد، وتتضمن مشكلات المراهقة ثلاثة مرتكزات أساسية: “التغيرات الجسمية العضوية التي ترتبط بمرحلة البلوغ وما بعدها من اهتمام بالجسم والمظهر، وما يتعلق بالهوية الشخصية وموقع المراهق أو المراهقة من الحياة والعالم، وكذلك أيضاً ما يتعلق بأسلوب التعامل مع الآخرين ممن يحيطون بالمراهق أو المراهقة كالوالدين والأهل والأصدقاء والمجتمع عامة.وأضاف: “وفقا لمتطلبات المرتكزات الثلاثة وسعي المراهقين لتلبيتها تبرز بعض المشكلات المرتبطة بما يعرف بصراع الأجيال وتكون من نتائجه بروز الأعراض المرضية والمشاعر السلبية التي يشكو منها المراهقون والمراهقات وتسبب لهم الآلام والمتاعب مثل القلق والحزن والغضب والمخاوف وغيرها من السلوكيات التي يمكن أن نطلق عليها بأنها نوع من سوء التكيف النفسي والاجتماعي ويتضمن ذلك مواقف اللامبالاة والإحساس بالاغتراب والهامشية والمواقف غير المسؤولة كقيادة السيارات بتهور وطائش، وتعاطي القات بشراهة، والتدخين،والشيشة، وتعاطي التمبل والزردة، ومغازلة الفتيات في الشوارع و(الصيحة الجديدة) مناوشة الفتيات للرجال وإقامة علاقات خاطئة، وبالطبع فإن مخرجات سوء التكيف النفسي والاجتماعي المذكورة آنفا تعززه أساليب التنشئة الأسرية الركيكة والمخاصمة للوالدين المستمرة وضعف الوازع الديني”.[c1]علاج نفسي واجتماعي[/c]وأشار حيدر إلى أن من بين طرق العلاج والإرشاد النفسي والاجتماعي للمشاكل التي يمر بها المراهق، والتي اتفق عليها خبراء الاجتماع وعلماء النفس والتربية تؤكد أهمية إشراك المراهق في المناقشات العلمية المنظمة التي تتناول علاج مشكلاته، وتعويده على طرح مشكلاته، ومناقشتها مع الكبار بثقة وصراحة، وكذا إحاطته علماً بالأمور الجنسية عن طريق التدريس المنهجي الموضوعي، حتى لا يقع فريسة للجهل واللامبالاة ومن ثم الوقوع في المحظور.وشدد على ضرورة تشجيع النشاط الترويحي الموجه للمراهقين، والقيام بالرحلات والاشتراك في مناشط الساحات الشعبية والأندية، كما يجب توجيههم نحو العمل، والمشاركة في مشروعات الخدمة العامة والعمل الصيفي.وقال: “أجمعت الاتجاهات الحديثة في الطب النفسي أن الإصغاء في تلك السن هو الحل لمشكلاتها، كما أن إيجاد التوازن بين الاعتماد على النفس والخروج من لباس النصح والتوجيه إلى لباس الصداقة وتبادل الخواطر، وبناء جسر من الصداقة لنقل الخبرات بلغة الصديق والأخ لا بلغة ولي الأمر، هو السبيل الأنسب لتكوين علاقة حميمة بين الآباء وأبنائهم في سن المراهقة تفاديا للوقوع في مشكلات نفسية واجتماعية تدفع الأسرة كلها إلى الوقوع في براثن المرض والانحراف”.[c1]المراهقة المتأخرة[/c]من جهته يقول الباحث الاجتماعي وضاح طاهر”إنه من المفيد أن يمر الإنسان بمرحلة المراهقة على الرغم من صعوبتها وتعقدها عند البعض ولكنها تبقى مرحلة مهمة في بناء شخصية الإنسان واتزانه النفسي والاجتماعي لبقية حياته ورغم الضغوط والاضطرابات التي يمر بها المراهق في هذه المرحلة إلى أنها مفيدة ومهمة له وتبقى مرحلة من مراحل تكوين الذات والشخصية والاتزان النفسي والاجتماعي، كما أن هناك من لا يمر بمرحلة المراهقة وهذا ما يعرف بالقفزات العمرية أي أنهم يقفزون عن هذه المرحلة العمرية ولا يمرون بمرحلة المراهقة مثل غيرهم ومنهم أبناء القرى وضحايا الزواج المبكر فهم نماذج لأطفال كبروا قبل أوانهم فلم يعيشوا مراهقتهم أو حتى طفولتهم، وذلك بسبب طبيعة الحياة هناك وصعوبة وتعقيدات الحياة وكذلك البيئة الأسرية في القرى التي يكبر أطفالها ويحملون المسؤولية قبل أوانهم.وأضاف: “لا يعتبر هذا شيئاً ايجابياً فالمراهقة مرحلة طبيعية يعيشها كل إنسان سوي وتختلف تأثيراتها باختلاف البيئة الأسرية والبيئة النفسية للمراهق نفسه، ومن لا يعيش مراهقته في وقتها يعيشها في مراحل متقدمة من عمره وهذا ما يسمى المراهقة المتأخرة والتي تعتبر اخطر حيث أن المراهق في مثل هذا العمر يتصرف تصرفات غير مقبولة من المجتمع للذين في مثل عمره والتي يحاول بها الشخص تعويض ما لم يعشه في بداية شبابه فترى الرجال والنساء منهم يحاولون إعادة الزمان إلى الوراء وتراهم يتصرفون بطريقة غير مناسبة لسنهم في لبسهم وسلوكهم أو حتى اهتماماتهم، والذي قد تترتب عليه مشاكل كبيرة قد تؤدي إلى خراب البيوت وتفكك الأسرة.[c1]نظرة الإسلام [/c]معظم الشباب لاسيما الذين لا يجدون من يسمعهم أو يصغي إليهم لمساعدتهم على حل مشكلاتهم التي يعانون منها، يلجؤون إلى بعضهم في نطاق جماعة خاصة بهم يكونوها على أمل مساعدتهم في إيجاد حلول مناسبة لهم ، وتخليصهم من المعاناة التي تؤرقهم بسببها. لذلك نجد كل فرد في سن المراهقة يحرص كل الحرص على الانضمام إلى جماعة من الرفاق تشبع حاجاته التي فشلت الأسرة في إشباعها, وتمثل متنفساً له يعبر بها بحريه دون انتقادات أو توبيخ.وعن الحل الشرعي لمشكلة المراهقين يقول فضيلة الشيخ أحمد عيسى “إن الإسلام اهتم بالجانب الروحي وتنميته لدى الإنسان بشكل عام، والجانب الروحي في حياة المراهق موضوع حيوي وخطير ونجد أن الإسلام وضع لها العلاج الأمثل والحل السليم، وما مرحلة المراهقة إلا جزء من تكوين الإنسان طفلا ثم مراهقا ثم راشدا ثم كهلا، والإسلام لم ينظر إلى كل مرحلة من تلك المراحل على أنها مشكلة ولذلك نجد أن مرحلة المراهقة ليست خطيرة وليست بالأمر الصعب في نظر الإسلام حيث إذا صلحت أمور الأسرة صلح المجتمع كله.ويضيف: “من أساليب التربية الإسلامية الوعظ الطيب والإرشاد المؤثر بالكلمة الصادقة التي تخاطب الوجدان مباشرة (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن)، على أن يكون الداعية قدوة حسنة في سلوكه والعقاب ينبغي أن يكون معنويا ليس بدنيا بالصورة التي تلحق الضرر البدني أو الألم النفسي كما أن اختيار الأصدقاء عامل مهم في الحفاظ على طاقة الشباب وقيمه وكما قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الشريف: {مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير}.واختتم حديثه بالقول: «وأخيرا فإنه مع إعطاء المزيد من الوقت للأبناء ومزيد من التفهم والتفاهم والحب والصداقة، نستطيع أن نصل إلى الحل الناجع لمشاكل الشباب وهذا من حق كل طفل على أبيه الإرشاد والتربية الحسنة كما انه محاسب أمام الله عز وجل عنه يوم القيامة.[c1]إحصائيات[/c]أكدت الدراسات العلمية أن أكثر من 80 بالمائة من مشكلات المراهقين في عالمنا العربي نتيجة مباشرة لمحاولة أولياء الأمور تسيير أولادهم بموجب آرائهم وعاداتهم وتقاليد مجتمعاتهم، ومن ثم يحجم الأبناء عن الحوار مع أهلهم؛ لأنهم يعتقدون أن الآباء إما أنهم لا يهمهم أن يعرفوا مشكلاتهم، أو أنهم لا يستطيعون فهمها أو حلها.وتشير الدراسات إلى أن 95 بالمائة، من الشباب يعانون من مشكلات بالغة يواجهونها عند محاولتهم عبور فجوة الأجيال التي تفصل بين أفكارهم وأفكار آبائهم، وتدل الدراسات أيضا أن أبرز ثلاث مشاكل يعاني منها الشباب في نطاق الأسرة- بناء على نتائج قياس حاجات التوجيه النفسي- مرتبة حسب درجة معاناتهم منها هي: صعوبة مناقشة مشكلاتهم مع أولياء أمورهم، وصعوبة إخبار أولياء أمورهم بما يفعلونه، ووجود تباعد كبير بين أفكارهم وأفكار أولياء أمورهم.وأثبتت دراسة قامت بها المدرسة المتخصصة للدراسات الاجتماعية بالولايات المتحدة على حوالي 400 طفل، بداية من سن رياض الأطفال وحتى سن 24 على لقاءات مختلفة في سن 5، 9، 15، 18، 21، أن المراهقين في الأسرة المتماسكة ذات الروابط القوية التي يحظى أفرادها بالترابط واتخاذ القرارات المصيرية في مجالس عائلية محببة يشارك فيها الجميع، ويهتم جميع أفرادها بشؤون بعضهم البعض، هم الأقل ضغوطًا، والأكثر إيجابية في النظرة للحياة وشؤونها ومشاكلها، في حين كان الآخرون أكثر عرضة للاكتئاب والضغوط النفسية. [c1]لابد من الحوار[/c]ختاما لا بد للوالدين اختيار الوقت المناسب لبدء الحوار مع أبنائهما المراهقين، بحيث يكونان غير مشغولين، وأن يتحدثا كصديقين متآلفين، ويبتعدا فيها عن التكلف والتجمل، وليحذرا نبرة التوبيخ، والنهر، والتسفيه، أو الأسئلة غير الواضحة وغير المباشرة، ويفسحا لأبنائهما مجالاً للتعبير عن أنفسهم، ولا يستخدما ألفاظاً جارحة ومستفزة.