مع الأحداث
تجاوزنا البوابة الرئيسية، اتجهت مع صديقي وزوجته وأبنائه إلى مقر عمله.انتحينا بالسيارة جانباً، نزل صديقي من السيارة ليركب بجواري في المقعد الخلفي وترك زوجته تتولى عجلة القيادة.كانت مفاجأتي كبيرة وأنا أشاهد للمرة الأولى امرأة تقود سيارة داخل الأراضي السعودية. لم أكن أصدق ما أشاهده ونحن نعبر في الشوارع الرئيسية وليس في أحياء خلفية أو منتجعات سياحية كالتي في جدة، نقف عند إشارات المرور الضوئية بجوار سيارات الأمن، هكذا بكل اعتياد كأني في حلم.توقفنا أمام مطعم بدا أن أطفال صديقي يفضلونه، تناولنا غداءنا في المكان الذي كان يزدحم بعوائل السعوديين وغير السعوديين، سيدات محجبات وغير محجبات، ملتحين وغير ملتحين، متزوجين وعزاب، الكل وقف في الطابور وأخذ ما يريد وكأن هناك سراً جعل من هؤلاء سعوديين آخرين مختلفين عن السعوديين الذين خارج بوابات ذلك المكان الحلم، كنت لا أزال مسكوناً بالهواجس التي قدمت بها من شوارعنا إلى ذلك المكان، قلقاً أتوجس من أعين المتربصين الذين ربما يبلغون عن صديقي الذي يصطحبني مع زوجته وأبنائه، ولكن لطف الموجودين وابتسامات بعضهم لبعض، تلك الألفة والمسالمة والتلطف من الجميع بددت هواجسي غير المبررة.كنت مرعوباً أتوقع بين الحين والحين نداءات رجال الأمن بمكبرات الصوت طالبين منا التوقف لأن من يقود السيارة (سيدة سعودية) وليس الرجل، لكن شيئا من ذلك لم يحدث.بعد المطعم ذهبنا (معاً) إلى الـ(سينما)، واكتشفنا أن الأفلام المعروضة سبق أن شاهدها أبناء صديقي وزوجته، ولم يفاجئني هذا الموقف، بقدر ما فاجأني خروج العوائل السعودية من صالة السينما بعضهم مع بعض، لم يفرق بينهم أحد كما يحدث في المدن الترفيهية في الرياض مثلاً.اتجهت بنا زوجة صديقي إلى الأندية الرياضية التي يلعب فيها أبناء السعوديين مع غير السعوديين دون أي تفرقة أو تمييز عنصري، شاهدت الأسر السعودية تجلس بعضها إلى جوار بعض، يستمتعون بمشاهدة أبنائهم وأنشطتهم الرياضية ويشجعونهم من المدرجات بشكل طبيعي كالذي نشاهده في أي مكان آخر في العالم.اتجهنا بعدها لمقر عمل زوجة صديقي لنشاهد المدرسة التي تعمل بها وأنظمة التعليم العالمي الذي يحظى به أولئك السعوديون، تعرفت على زملائها في العمل من الرجال والنساء، كان الكل يسأل عن صحة صديقي الذي كان مريضاً منذ أسبوع، حتى أن أحدهم عرض على زوجة صديقي زيارتهم للمنزل مع أسرته لتناول طعام العشاء في إجازة الأسبوع، ووافقا على الدعوة مباشرة وبأريحية دون أن ينظر أحدهم للآخر لأخذ موافقته أو قراءة الرفض في عينيه.عدنا عصراً لمنزل صديقي لتجهيز عشاء يكفينا وعددا من العوائل السعودية كان صديقي وزوجته يستضيفانهم تلك الليلة، استمتعنا بعشاء فاخر في حديقة المنزل في أمسية أكاد أجزم أني لم أشهد أروع منها، بعدها غادر كل منا إلى بيته وبصحبته عائلته، إلا أنا، بقيت شارداً مستغرقاً في أفكاري الضاغطة، أبحث عن أجوبةً لأسئلتي التي كانت تتكاثر في رأسي مع كل لحظة أمضيها في ذلك المكان الذي يلفه سورٌ عظيم كسور الصين.[c1]سألت صديقي وزوجته ببراءة الأغبياء: كيف تعيشون هذه الحياة المسالمة دون أي إزعاج؟[/c]أجابتني زوجة صديقي: العاملون في (أرامكو) تربوا على النظام واحترام الآخرين وخصوصياتهم، وهنالك أنظمة تحمي كل من ينتمي لهذا الكيان الأشبه بمقاطعة مستقلة في قوتها المالية والتنظيمية والقانونية، من تطفل الآخرين، وتكاد تصل العقوبة أحياناً للفصل من العمل.[c1]تساءلت - في نفسي طبعا -: ما الفرق بين السعوديين داخل أسوار (أرامكو) وخارجها؟[/c]وبغض النظر عن الاختلاط وقيادة زوجة صديقي ودار السينما- فلا أريد أن يترك أحدهم صلب المشكلة ويتعلق بهذه الأمور كالعادة -: لماذا لا يطبق النظام بشكل صارم ضد المتطفلين والمزعجين خارج أسوار (أرامكو) طالما أن السعوديين داخل الأسوار وخارجها يحملون الجينات نفسها، (والخصوصية) التي نتغنى بها ليل نهار وكأننا صنف آخر من البشر؟بالطبع لم أجد إجابات لأسئلتي، وغالباً لن أجد، بل ربما غدا يسبني أحد الذين ينصّبون من أنفسهم أوصياء على الناس، ويتهمني اتهامات من تلك التي اعتدنا تبادلها في صحفنا وشوارعنا، وترتفع فوقها شوارع (أرامكو).[c1]*صحيفة “شمس” السعودية[/c]