كانت لدى "حزب الله" في لبنان، يوم 8 / 12 / 2006م ، مفاجأة دينية غير متوقعة، فقد أعلن حسن نصرالله أن المعتصمين في بيروت ضد حكومة فؤاد السنيورة، ومعظمهم بالطبع من الشيعة، سيؤدون صلاة الجمعة، شيعة وسُنة، خلف المفكر والمنظر الإسلامي المعروف د. فتحي يكن، مؤسس وقائد أقوى الأحزاب الإسلامية السُّنية في لبنان، " الجماعة الإسلامية". وهو الحزب الذي يمثل تيار "الإخوان المسلمين"، منذ أن انشق عام 1964 م عن "جماعة عبدالرحمن" -التي لم تكن تكترث كثيراً بالأمور السياسية! وقد قاد الانشقاق كل من "فتحي يكن" والقاضي فيصل المولوي والكاتب محمد علي الضناوي، وتم تأسيس الجماعة الجديدة في طرابلس في شمالي لبنان. قاتلت الجماعة أثناء الحرب الأهلية الى جانب التحالف "اليساري-الإسلامي" في المدينة نفسها، وكان لها نشاط عسكري متواضع. وقد حقق الحزب انتصاراً قوياً في انتخابات عام 1992 م حيث فاز "يكن" بعد أن نال أكثر من 46 ألف صوت في قضاء طرابلس، إلا أنه فشل فشلاً ذريعاً في انتخابات 1996م، وخسرت الجماعة انتخابات 2000. م وكان من نتائج المشاركة في الانتخابات النيابية تصدع الوحدة التنظيمية للحزب وبروز التناقضات السياسية والشخصية، وخرج فتحي يكن من الأمانة العامة للجماعة بما يشبه الانقلاب التنظيمي. وقد قام المهندس "عبدالله بابتي"، من القيادات التاريخية في " الجماعة" بنقد الأساليب التسلطية لـ"فتحي يكن" في الجماعة على امتداد خمسة عقود. ( انظر: الحركات الإسلامية في لبنان، د. عبدالغني عماد، بيروت، 2006، دار الطليعة، ص 96). للدكتور "فتحي يكن"، وهو من مواليد عام 1933، أهمية حزبية وفكرية في صفوف " الإخوان المسلمين" والإسلام السياسي، تتجاوز لبنان و"الجماعة الإسلامية". وله عدد لا بأس به من الكتيبات المعروفة الواسعة التداول بين شباب التيار الديني في كل البلدان العربية، كما تُرجم العديد منها إلى لغات العالم الإسلامي واللغات الأوروبية. من أبرز هذه الأعمال: "نحو حركة إسلامية عالمية واحدة"، "أبجديات التصور الحركي للعمل الإسلامي"، "ماذا يعني انتمائي للإسلام"، "مشكلات الدعوة والداعية"، "الإسلام فكرة وحركة وانقلاب"، "المتساقطون على طريق الدعوة" "كيف ولماذا؟". وقد طبعت هذه الكتب مراراً في لبنان وغيرها. تبنى "فتحي يكن" بحماس شديد أفكار سيد قطب والمودودي واستخدم بكثرة مصطلحاتهما في كتاباته دون نقاش وتحليل. فكانت كتاباته، كما يلاحظ د. عبدالغني عماد، "أقرب ما تكون إلى تلخيصات وشروحات وصياغات جديدة لأفكار الآخرين، ليس فيها ما يعبّر عن خصوصية "الجماعة الإسلامية" وحقائق انتمائها إلى المجتمع اللبناني المتعدد والمتنوع". يقول الداعية "يكن" في كتابه عن "مشكلات الدعوة"، مستنكراً أسلوب التدرج في تحقيق الأهداف: "إذا كانت دعوتنا تهدف إلى استئناف حياة إسلامية صحيحة في كل آفاقها وأبعادها، فكيف نُفسر مطالبتنا غيرنا من الحكام والحكومات -أحياناً- بتحقيق رغباتنا في الحكم ونحن غير مؤمنين أصلاً بجدوى المطالبة، لا من قريب ولا من بعيد؟ إن حرص الحركة -كل حركة- أن تتولى بنفسها تنفيذ برامجها وتحقيق أهدافها منطق سليم ينبغي أن تصدر عنه الحركة الإسلامية وتتبناه، وليس من الإخلاص والتجرد في شيء زهدها في تحمل تبعات الحكم والتنفيذ". وفي مكان آخر يتساءل بكل جرأة: "هل الدعوة إلى الإسلام عملية ترقيع جزئي أم هي حركة هدم وبناء، هدم الجاهلية بكل صورها وأشكالها وبناء المجتمع الإسلامي بجميع مقوماته وخصائصه"؟ ويرى الداعية الإسلامي "يكن"، ضرورة التحول الشامل والفوري بدلاً من عمليات الترقيع والتحول الجزئية. ولا يطمئن قلب "يكن" في تنفيذ استراتيجيته الانقلابية " الإسلامية" إلى أي أحد سوى جماعته، فيقول مشترطاً "أن يكون مضمون هذه الاستراتيجية حرص الحركة الإسلامية على أن تتولى هذه بنفسها منهجها في الحكم الإسلامي". ومن الواضح اليوم أن تكتيكات "الإخوان المسلمين" والإسلاميين عموماً في دول الخليج ولبنان والأردن ومصر، قد تغيرت بعد أن نمت قدراتها وكثرت تجاربها واكتشفت سبل الاستفادة من مجالات الانتخابات وثغرات القوانين والدساتير. ولكن لا بأس من أن نتأمل بعض أفكار د. يكن في بداية ثمانينيات القرن الماضي حول التعامل مع الحكومة القائمة. يقول في كتابه: ماذا يعني انتمائي للإسلام؟ إن انقلابية الإسلام تفرض أن تكون طبيعة الحركة تغييرية وليست "ترميمية". ويوضح فكرته قائلاً: "ليس من مهمة العمل الإسلامي أن يلتمس حلول المشكلات التعليمية والإعلامية أو السياسية أو الاقتصادية، أو سواها من المشكلات التي خلفتها النظم الوضعية الفاسدة. وإذا كان لابد من التعرض لمثل هذه المشكلات من قريب أو بعيد، فبقدر ما يؤدي إلى إدانة النظم التي أفرزتها، وبقدر ما يعري هذه النظم ويفضحها ويؤكد بطلانها، وليس أبداً بما يساعد هذه النظم على التسلط والاستمرار، أو يهيئ لها فرص البقاء والنماء". وبعكس الكثير من الإسلاميين و"الإخوان" المصريين والخليجيين، يتحدث د. "يكن" بصراحة عن مشكلة تساقط الدعاة، والانتهازية في صفوف القيادات وغير ذلك. يقول في كتابه: "المتساقطون على طريق الدعوة": "لقد مُنيت ساحة العمل الإسلامي بشخصيات ذاع صيتها وعمت شهرتها الآفاق، ثم تبين من خلال تعاملها اليومي أنها أبعد ما تكون عن الإسلام أخلاقاً وسلوكاً... كما تبين أن هذه الشخصيات لم تأخذ حظها من التربية في حياة الجماعة، وإنما نمت وترعرعت في ساحات الأعمال السياسية والاجتماعية أمام الأضواء ووراء الكواليس وفي الصالونات والمجتمعات المخملية، فمن أين تأتيها التربية في هذه الحالة وكيف يمكن أن تنشأ عندها المناعة من الانحراف"؟ (ص47).ويروي الداعية "يكن"، في مجال قلة التربية قصة حقيقية: "أذكر أن لقاء جمعني بأحد الأعضاء البارزين في حركة إسلامية، وكان متهماً بحب الأضواء والبروز الشخصي، ومن خلال المناقشة اكتشفت شرخاً مخيفاً في تربيته وبصمة سيئة في تكوينه حين ابتدرني قائلاً: "أنا لا أنكر أن عندي تطلعات شخصية، وهل يمنع الإسلام من ذلك"؟ ثم أردف قائلاً: "كل فرد في الدعوة عنده تطلعات..أوليست عندك تطلعات"؟ "قلت له مستغرباً "أنا لا أفهم الإسلام هكذا.. وإنما أفهمه استخلاصاً لنا من كل تطلعاتنا الشخصية، وإنكاراً لذواتنا أمام أهداف الإسلام العليا".... ثم أكملت قائلاً: "إن كان لي من تطلع فأن أرى راية الإسلام منتصرة خفاقة". قال: "وما المانع من أن نحقق الأمرين معاً، تطلعاتنا وتطلعات الإسلام"؟ (ص56). خطب د.فتحي يكن في جموع بيروت من المصلين خلفه يوم الجمعة خطبة عصماء، فهاجم الولايات المتحدة شرّ هجوم ودافع عن "المقاومة العراقية" خير دفاع واستعرض الكثير من مهاراته الخطابية ومن الأفكار والشعارات التي اعتدنا على سماعها من دعاة الإسلام السياسي. ولكن، أما كفى لبنان ما عايشت منذ بدأت حياتها السياسية؟ ألم تنل أكثر من نصيبها وفوق ما تستحق منذ عام 1958 و1975 و1982 و2006 و"قانا" الأولى والثانية وكل الاشتباكات الأخرى؟ لم أستغرب في الواقع، إذا أدار د. فتحي يكن ظهره للسلام في لبنان والاستقرار، بل وللديمقراطية اللبنانية برمتها، فهو حتى في كتاباته لا يهتم بالديمقراطية وحرية الانتخابات إلا بما يخدم منهما أهداف الجماعات الإسلامية و"الإخوان المسلمين". وهو يقسم المسلمين على هذا الأساس فيقول: من الناس "مسلمون ملتزمون وإن كانوا لا يقومون بواجب العمل الحركي". ومنهم مسلمون غير ملتزمين، "وهؤلاء يمثلون السواد الأكبر من المسلمين اليوم". ثم هناك ثالثاً من الناس "من هم أعداء للإسلام يحادون الله ورسوله سواء كانوا أفراداً أم أحزاباً أم حكاماً". ثم يقوم الأستاذ المتباكي في كتبه على قمع الحركات والأحزاب الدينية، والشاكي من اضطهاد أهل الجاهلية والأنظمة الوضعية والديكتاتورية بإصدار الفتوى: "ومواقف الدعاة من هؤلاء يجب أن تتفاوت بحسب قربهم وبعدهم، وبحسب إقبالهم وإدبارهم، وبحسب ولائهم أو عدائهم، فمنهم من يلزمه التعهد والتوجيه، ومنهم من تلزمه التوعية والتثقيف، ومنهم من لا يفلح معه إلا السيف". (ماذا يعني انتمائي للإسلام، الطبعة العاشرة، 1983، ص122). كان الله في عون لبنان. [c1]نقلا عن صحيفة "الاتحاد" الإمارتية [/c]
حول الإسلام السياسي في لبنان
أخبار متعلقة