في تقديرنا ومن خلال متابعتنا نستطيع القول باطمئنان ان مشروع الاسلمة الذي ترفعه وتدفع اليه بحماس حركات الاسلام السياسي والاحزاب السياسية الدينية هو مشروع سياسي بامتياز، ومن الدرجة الاولى سياسة في سياسة، خصوصا في منطقتنا التي يجمع الغالبية من شعوبها دين واحد قامت وتأسست من خلاله وفي ظلاله كل الدول وكل انظمة المنطقة منذ مئات السنين، وبالتالي لم تكن هناك مشكلة تذكر بين الدولة في هذه المنطقة وبين الدين، كون الإسلام تحديدا وتخصيصا حقيقة تاريخية وعقائدية، ليست محل خلاف أو نزاع بين مكونات وطبقات وشرائح شعوب المنطقة. وقيام الدولة وتأسيسها في المنطقة جاء على أسس إسلامية من حيث العقيدة وما تتطلبه من قوانين وترتيبات وشروط إسلامية ظلت هذه الدول والأنظمة تعمل بمقتضاها ووفق لوازمها، ولم يكن هناك إشكال أو ارتباك ولم تحدث مشاكل وقضايا في إطار العلاقة ما بين الدولة والدين، بل كان الانسجام قائما ومستمرا لحقب طويلة ما بين متطلبات تطوير وتحديث الدولة وما بين العمل بمقتضى العقيدة الإسلامية في سن التشريعات وترتيب النظام المؤسساتي الاجتماعي العام على صعيد جميع المؤسسات الدينية والمدنية والإدارية. وعلى حين غرة وخلال السنين الأخيرة فقط، ارتفعت أصوات الحركات الدينية بعد خوضها غمار السياسة بشعارات الاسلمة وعناوينها نتيجة ارتفاع واندفاع موجات الإسلام السياسي الذي طرح نفسه مشروعا بديلا آخر عن مشروع الدولة القائمة في المنطقة منذ مئات السنين.. فكان مشروع الاسلمة هو الغطاء لمشروع نظام بديل تبشر به وتعمل على تمكينه وتسعى لإقامته حركات الإسلام السياسي التي غلبت السياسة في مجموعة طروحاتها وأشكال تنظيماتها ووجدت فرصتها السانحة لتحقيق وانجاز أهدافها السياسية في صعود موجة شعبويتها، وهو صعود لابد للحزب السياسي الصاعد بقوة من استثماره لصالح مشروعه السياسي البديل.. فكانت «الاسلمة» شعارا ويافطة وعنوانا يتعاطف معه الجمهور المسلم عقيدة وغير المسيس وغير المنتمي عضوياً لهذه الأحزاب وغير العارف تماما بإستراتيجيتها السياسية.. وبدون أن يعي ويلاحظ هذا الجمهور ماذا وراء شعار «الأسلمة» من مشروع سياسي يخدم مصالح احزاب سياسية بعينها، وجد في «الأسلمة» عنوانا جاذبا ووجدت تلك الأحزاب في الأسلمة غطاء محكما لأهداف المشروع السياسي البديل الذي تعمل على إنفاذه.وبالنتيجة فنحن أمام مشروع سياسي صرف كما اشرنا.. ولسنا امام مشروع ديني كما يطرح أصحاب الأسلمة، مهما كانت محاولات إسدال الأغطية الكثيفة والسميكة على الشعارات التي تدفع بها وترفعها حركات وتنظيمات الإسلام السياسي التي تأتي تعبيراً، وضمن أجندة معدة سلفا كما تأتي انعكاسا لبرنامجها المعلن وغير المعلن كبرنامج لنظام بديل للأنظمة القائمة الآن.. فمن خلال تكتيكها المعروف «الخطوة خطوة» تصل إلى مشروعها وتنفذ محتوى أجندتها ومضمون برنامجها وهو تكتيك سياسي معروف تعتمده كل الأحزاب السياسية الإسلامية عبر أسلوب ومنهجية مراكمة المكاسب وهو ما يسمى في القاموس السياسي الشعبي «خذ ثم طالب» وجميعها تكتيكات العمل الحزبي السياسي المنظم الذي تناور وتداور فيه وتلتف عليه الأحزاب السياسية الإسلامية ولا تعترف بشكل علني وواضح أنها أحزاب سياسية خالصة حالها حال جميع الأحزاب السياسية في العالم، لها أجندات ولها مشروع سياسي خالص وخاص، وبالتالي يتعامل معها الجميع بصفتها الحزبية لا بصفتها الدينية والفقهية. باختصار، أحزاب الإسلام السياسي وتنظيماتها لا تريد أن تضع النقاط الفاصلة بين الحزب السياسي الذي تعمل بمقتضاه ومن خلال منهجيته وبين الجماعة الدينية، ولها في ذلك مصلحة طبعا، فالمساحة الواسعة ما بين الحزب السياسي والجماعة الدينية تمنحها مزيدا من مساحات الحركة والاستقطاب والاستحواذ الشعبوي وهو ما يضيف الى رصيدها الجماهيري من الوقوف في المنطقة الوسطى ما بين السياسي والديني مستثمرة حالة عامة معروفة تستطيع تجييرها لما يخدم أجندتها السياسية بغطاء وشعار الجماعة الدينية، ولذا لن تضع الفواصل بين الحزب السياسي وبين الجماعة الدينية. [c1] صحيفة «الأيام» البحرينية[/c]
|
اتجاهات
الأسلمة مشروع سياسي وليس دينياً
أخبار متعلقة