مع الأحداث
يونس سعيد ثابت :لطالما ألهبت مصر أفئدتنا ، وأحرقت أكبادنا ، وكتمت من خوفنا عليها ، أنفاسنا، أكانت بتاريخها الضارب في أعماق المجد أو بموقعها المحسودة عليها ، أكانت بانكساراتها أم بانتصاراتها، بزعمائها بعلمائها أم بمبدعيها، أكانت بقياداتها المتسرعة حينا والمتأنية حينا آخر، أم بشخصيتها المحورية الملهمة والمرهوبة دوما من أعدائها، مثلما قالها حقا ، ابنها المأسوف عليه جمال حمدان ، في سفره العظيم، شخصية مصر . مصر باستدراجها وانكسارها في حزيران 67 م ، لم تكن تريد إلا صيانة أمنها القومي وعمقها العربي ، فباحتلال إسرائيل أشكول/ ديان ، لسوريا ، صلاح جديد / الأتاسي ، تكبو مصر ، وان كانت ستتحفز، نقول ذلك وعيننا على عين جالوت وأسدها المملوكي المصري ، سيف الدين قطز وهو يحطم أرتال كتبغا ويسترجع الشام ، بل وينهي عصر الإمبراطورية المغولية وإلى الأبد . مصر بانتصارها وعبورها المذهل في 73م ، وتحطيمها نظرية الأمن الإسرائيلي في الحدود الآمنة ، وتحريرها سيناء ، وتفرغها للتنمية ، تصون أمنها القومي ومحيطها العربي ، للوصول إلى اعتراف العالم بحل الدولتين ، نقول ذلك وعيننا على القرار 338 (73م ) الذي أعترف ولأول مره بضرورة حل المشكلة الفلسطينية ، التي تجاهلها القرار 242 (68م) وأعتبرها مشكلة لاجئين ، وكان ذلك نتاجاً لحرب أكتوبر 73م. مصر بالوقوف مع عراق صدام في حربه مع إيران، لم تكن تستعدي إيران ، ولكنها كانت تصون أمنها القومي ، وعمقها العربي ، نقول ذلك وعيننا على أبطال العبور وهم يعطون لإخوتهم العراقيين من خبرتهم ومعجزاتهم الهندسية في العبور العظيم ، لتخطي واجتياز معابر وموانع الفاو ، لتحريرها ، وقد كان ، أما وهي تفتح خزائن أسلحتها للعراق ، بالرغم من قيادة العراق لمشروع عزلها والتآمر عليها ، فهذه قصة أخرى يشهد عليها السلطان قابوس والملك حسين ، ولن تنسى ذلك إيران لمصر . مصر بالوقوف بقوة في وجه اختراق القانون الدولي باحتلال دولة الكويت ، كانت تصون أمنها القومي ، ومحيطها العربي ، حتى يتوقف عبث بعض الزعامات التوتاليتارية التي دأبت على تهديد الأمن القومي العربي ، نقول ذلك وعيننا على دول إقليمية أخرى ، بدأت تتمطى الأن وتستعد لالتهام دول عربية صغيرة ، إذا مانجحت مخططاتها وترنحت مصر لاقدر الله .مصر بنهجها الحذر في إدارة الصراع لأزمة غزة (المحبوكة في أقبية لبنان) ، لم ترد إلا إنقاذ وحماية أمنها القومي الذي ينهار محيطها العربي بإنهياره ، من إستدراج مدبر . عصية ، وحبيبة ، وغالية علينا مصر ، فإن أردت الكيد لها وإضعافها بإضعاف أمنها القومي ، فأنت تتقصد تقوية محور أعدائها ، والعدو الصهيوني في أول طابورهم ، ولا محيص من الاعتراف بذلك ولا مهرب . وإن أنت أردت أن تزعزع استقرارها ، فأنت في الحين ذاته تضع يدك بيد نتنياهو/ باراك / ليبرمان ، فالأولان قلقان من تصاعد قدرات وتسليح جيشها وتطور جاهزيته الهجومية ، أما ثالثهما فقد هدد بضرب السد العالي ليغرق الدلتا ويزلزل مصر. وإن أنت حاولت تمزيق داخلها بالتحريض عليها ، وهز اقتصادها ، لتحرم أهلها القوت ، وتبعدها عن عنق الزجاجة التي أوشكت أن تخرج منه ، بسبب الحروب وكوارثها ، فأنت ، سواء إن شعرت أو لم تشعر ، تسير يدا ً بيد في مخطط محور أعدائها الكثر والمتربصين بها وعلى رأسهم إسرائيل ، لإلهائها عن إستنهاض عزمها وتحصين أمنها القومي وحماية محيطها العربي ، بل وكسرها من جديد ، وهذا لن يحدث بإذن الله ، لأنها شبت عن الطوق ، وتعلمت ألا تلذغ من الجحر مرتين ، حتى وإن تكاثرت تظاهرات العوام ، وحطمت السفارات ، وأحرقت الأعلام . إبق بعيدا ً عن مصر حذار من العبث بمصر أو بأمنها القومي ... تيقظ فهذه مصر .... ياغبي .