غضون
- بعض المشروعات اليمنية تشبه «ذبابة آيار» التي يقال إنها تولد في ليلة من شهر مايو وتنمو وتكبر وتلقح وتحمل وتلد وتموت في نفس الليلة.. ودورة حياة تلك المشاريع لا تتفوق على دورة حياة «ذبابة آيار» إلا بأيام وليال قصيرة.. ولو عددنا تلك المشاريع لحصلنا على قائمة طويلة.خذوا مثلاً مشروعاً مهماً مثل «التعليم الديمقراطي في المدارس».. لم يعد موجوداً.. ففي منتصف سبتمبر عام 2004م تم تدشين هذا المشروع في المدارس، وفي صبيحة ذلك اليوم استمع الطلاب وهم في الطابور الصباحي لكلمة رئيس الجمهورية التي وجهت لهم عبر الإذاعة العامة.. وكانت معززة لذلك المشروع الذي تبناه المعهد اليمني لتنمية الديمقراطية إن لم تخني الذاكرة.. وبعد شيء من الترويج الإعلامي اختفى المشروع.. أعني لم يستمر.. رغم أن فكرته عبقرية وفائدته عظيمة.. لكن «ما فيش فائدة»!- المدارس هي الأماكن التي يتجمع فيها أكبر عدد من السكان في اليوم الواحد.. نحو ستة ملايين طالب وطالبة يذهبون إلى المدارس يومياً ولمدة ثمانية أشهر تقريباً.. وهذه أفضل فرصة لنشر الديمقراطية من خلال برنامج محكم يتغلغل في الإدارة المدرسية والكتب المدرسية والأنشطة المدرسية لتنشئة أولادنا تنشئة ديمقراطية.ألسنا نقول إن التعليم هو الذي يغير المجتمع.. فإذن لنجعل التعليم الديمقراطي يغير هذا المجتمع من خلال أبنائه الذين يتعلمون السلوك الديمقراطي تعلماً مثلما يتعلمون أنماط السلوك الأخرى الرفيعة.. فكيف نريد لنظامنا الديمقراطي أن يتقوى وأن يثق المجتمع به وأن يدين له بالولاء وأن يحسن الأداء والاختيار في الانتخابات وأن يؤمن بأن النظام الديمقراطي هو أفضل نظام توصل إليه الإنسان لإدارة شؤونه الكبرى والصغرى، بينما نظامنا التعليمي يخلو من دروس في الديمقراطية، بل وتتضمن الكتب المدرسية دروساً معادية للديمقراطية في بلد نظام الحكم فيه ديمقراطي.-قال لي معلم تربية إسلامية إن أحد الكتب المقررة على طلاب وطالبات الصف الثالث الثانوي فيه باب عن أنظمة الحكم.. النظام الاشتراكي.. النظام الرأسمالي.. النظام الديمقراطي.. وفي هذا الباب يقدم المؤلفون مقارنة بين مميزات وعيوب الأنظمة الديمقراطية والاشتراكية والرأسمالية وفي النهاية يقدمون «النظام الإسلامي» كنموذج خال من العيوب وله مميزات كاملة الدسم وكل ذلك على حساب النظام الديمقراطي الذي هو نظام الحكم في اليمن.. بينما المعروف إنه لا يوجد نظام حكم «إسلامي» لسبب بسيط هو أن نظام الحكم شأن دنيوي وليس من شؤون الدين ولذلك ترك أمره للناس.. فإذا صح ما قاله معلم التربية الإسلامية فسيكون من واجب وزير التربية والتعليم مراجعة هذا الأمر.. إذ كيف يستساغ أن تقوم المؤسسة التعليمية في البلاد بتحريض أبناء المجتمع ضد الديمقراطية التي هي فلسفة نظام الحكم الذي ارتضاه لدولته.. وكيف يستساغ أن يتم ذلك لحساب نظام وهمي غير موجود في الدنيا ويتم خداع أولادنا بهذا الوهم الذي صنعه رجال مثل «المودودي» وأضرابه من منظري الإسلام السياسي.