" 14 أكتوبر" تكتشف اسرار الخاطبة في الحياة الاجتماعية في المدينة والريف اليمني وزواج الانترنت
تحقيق/ ذويزن مخشف عندما انتهت أم أحمد البوني من حديث عابر فوق جسر للمارة في أحد احياء مدينة صنعاء القديمة (تلك المدينة ساحرة الجمال الذي يفوح منها عبق التاريخ اليمني وتتمتع بجذب السائحين الأجانب طيلة السنة) مع امرأة تعرفها وفرقت السفون شملهما.. كان حديثهن الحميم تعالى حتى بلغ ذروته عند مسامع الناس المارين عن آخر مساعي فشلها الإجتهادي في الحصول على خطيبة لإبن أعزة صديقاتها.. حينها تهامس المارون بأنها المرأة التي مازالت تعمل "خاطبة في زمن غير من مفهوم دورها ولم يعد لها شأن".كانت أم احمد تتحدث أنها لم توفق تلك المرة وهي الأخيرة لها في عملها على إقناع عائلة فتاة تعيش بالقرب من سكنها وقد وقع عليها الاختيار للزواج لذلك ابدت الخاطبة اسفها وعرفت ان عملها بات شيئا مزعجا وممقوتا مما جعلها تعيد النظر والتفكير في مهنة اخرى تستغلها لكسب المال والعيش بأمان في بلدها الذي لم يعد يؤمن بمثل هذه الطقوس والعادات التي زالت وانقرضت بمرور السنين. فقدت صديقتها الغاوية.. من وصف أم احمد.. الثقة بأهمية دور الخاطبة التي كانت تمثلها أم احمد الى زمن ما وقصدتها الكثيرات من النساء اليمنيات على أنها اساسا السبيل الوحيد للحصول على عريس لابناتهن لأنها غيرت مهنتها مستفيدة من خبرتها ومهارتها كخاطبة للعمل بائعة للملابس التي اعارته اهتماما حد السهر امام ماكنة الخياطة لصناعة مختلف المطرزات والاقمشة وبيعها بالتقسيط لزبائنها من النساء.انحسار الدور المحوري (للخاطبة) احتلت الخاطبة دوراً محورياً في بنية النظام الاجتماعي باليمن ليس لاعتبارها الوسيط الوحيد بين طرفين يريدان الزواج وفق الشريعة الإسلامية والسنة النبوية فحسب بل بسبب شمولية دورها الذي دفع بها الى واجهة التأثير على الأسر وبالذات الفقيرة كونها أحد الوجهاء الذين يقتدي بهم في حسم قضايا الزواج والتعبير ايضا عن حاجات النساء وبالخصوص داخل المجتمع بكفاءة وجرأة عاليتين وتحديدا في الريف فالخاطبة مازالات يطرق أبوابها حيث تحتفظ بمكانة عشائرية تعزز من دورها المؤثر في محيطها بالقرية البعيد عن عالم المدينة.. فلم يكن _كما هو معلوم_ ان دور الخاطبة يتوقف عند حدود التعريف بالفتيات والوصول بعائلتي العروسين الى التوافق الذي ينتهي بالزواج ولكنها تظل بشكل رئيسي قائمة كذلك على طقوس الاحتفال الى حين الزفاف حيث تشرف على اعلان شرف وعفاف العروس في صبيحة اليوم الثاني لليلة الدخلة بإطلاق الزغاريد والتلويح بالمنديل.الماضي أجمل: تتذكر أم أحمد البالغة من العمر( 65عاماً) التي كان شرشفا مطرزا بمختلف الألوان تلتحف به جسمها الهزيل وضعها قبل عشرين عاماً بعدما كانت تقوم بثلاث أوأربع مهمات في الأسبوع في خطبة الفتيات قائلة "أنها نتيجة معرفتها بالعائلات إذ كانت تلك العائلات تعتمد علينا كثيرا في إتمام الزواج.. الماضي كان أجمل".وردا على سؤال عما اذا كانت تشعر بأن مهنة الخاطبة لازالت تمثل حلا لمواجهة احتياجياتها المعيشية نفت الخاطبة السابقة أم أحمد ذلك وقالت مضيفة "ألا ترى هذه الملابس.. هي الحل الوحيد بالنسبة لي الان. فأنا أقوم بالطواف على المنازل واعرض بضاعتي عليهم واستطيع اقناع النساء بشرائها من خلال التقسيط الشهري".لكنها استدركت وعادت تقول في حديثها"المشكلة تكمن في ان مقدار ماأكسبه لايكفي لإن معظم العائد يذهب الى صاحب محل الإقمشة الذي يمولني لإجل هذا العمل".ومضت تقول باللهجة الصنعانية "مابش فائدة الحلى مايكتملش انت في اليمن فابتسم..لو كان به عمل اشرف وافضل من كده لما لجأت لبيع الملبوسات هذا رزقنا وقوت للجهال". عصر الإنفتاح:يشهد اليمن تحولاً اجتماعياً كبيراً نحو الانفتاح يقول الباحثون والاخصائيون أنه تغيير نوي وجذري على نطاق واسع متصل بمفهوم انقلاب حضاري متعصب نحو مواكبة متطلبات العصر المتطورة.وأرجع اخصائي علم النفس محمد احمد الشامة اسباب ذلك الى "انتشار التعليم وتقنياته بما في ذلك الانترنت وخروج المرأة الى العمل وتفاقم ظاهرة الفقر ادت الى الإسهام في انهيار تقاليد كثيرة كان يحرص عليها المجتمع اليمني سواء في الريف او المدينة لعل من بينها دور الخاطبة".وقال "أن القضية الآن لم تعد ترتبط بالخاطبة كوسيلة يتحقق عن طريقها يتم تعارف الراغبين في الزواج ، بقدرما تكمن في قدرتهما على إتمام هذا الزواج وتحمل نفقاته في ظل ارتفاع باهظ لتكاليف الزواج اصلا".ويرى الشامه "أن انخراط من هم في سن الزواج في سلك التعليم بمراحله المختلف بما فيها المرحلة الجامعية قد مثل أحد أبرز المؤثرات في نمط تشكيل العلاقات الزوجية هذه".معتبرا طبقا لرأيه إن دور الخاطبة "لازال يتمتع بقوة حضور امتدادا في مجتمعات كثيرة داخل البلاد.. يظل ايضا تأثيره باديا في الوسيلة التي يتحقق بها زواج العديد من الشباب في الريف والمدينة من خلال دور الأمهات او الخالات او حتى الشقيقات ويتضح ذلك جليا في ريف معظم المحافظات حيث التمسك بالعادات والتقاليد القبلية تطغي على المعيشة هناك الى حد كبير".(عدن) وتفاوت في التأثيروكون اليمن يتميز بتعايش أنماط اجتماعية تشكلت عبر الأزمنة وساهمت في ترسيخها عوامل الطبوغرافيا ووعورة التضاريس هناك عامل آخر يتصل بنسبة هذا التأثير وهو من نتائج الثقافات الوافدة من مجتمع لآخر. لكن اللافت ان مهنة "الخطابة" في اليمن التي فقدت بريقها في وقت قريب ظلت في كل هذه البيئات قاسما مشتركا غريبا حتى على المدن اليمنية الكبرى مثل مدينة عدن التي تعد خليطا من اليمنيين واجناس أخرى. فهذه المدينة التي سجلت اتصالا مبكرا بالحضارة الغربية وكانت موقعا مزدهرا للجزيرة العربية باعتبارها مستعمرة بريطانية زمناً دام 139عاما لم تستثن من دور الخاطبة الهام. على سبيل المثال تقول امرأة اخرى التقتها الصحيفة وعرفت نفسها (ر.ب) وهي إحدى الخاطبات المتمرسات في مدينة عدن إن لديها الرغبة الكاملة في التوقف عن أداء دور الخاطبة وهذه الرغبة لا تعود كما قد يتبادر إلى ذهن البعض بالضرورة الى سن هذه الخاطبة (" الحَنِكْ" اخذت معناه من كلمة الحِنكَة) كما يسميها معارفها من نساء المدينة بل تعود إلى ما تعتبره عدم فائدة دورها هذه الأيام. وتضيف المرأة الخاطبة العدنية التي ستكمل بحلول العام المقبل عقدها السبعين انه "كان كثير من العائلات في عدن يفضلن الإستعانة بالخاطبة وبحنكتها في الحصول على زوجة بأقل التكاليف.. فالخطيبة وحدها التي تملك الفرصة للتفاوض مع أهل العروس بدون حساسية".واردفت وهي تسترجع شريطا من ذكرياتها لسنوات طويلة رغم الحسرة البادية عليها قائلة" كانت أياماً.. كنت على مدار الأسبوع وأنا أتنقل من منزل إلى آخر وأكسب المال الذي يكفيني ، لكني اليوم لا اقدر على مزاولة هذا النشاط لسد احتياجاتنا الان جاء دور ابنائي في توفير احتياجياتي". الزواج في عصر "الإنترنت"أم أحمد البوني كما رقية بدر خاطبتان لم يعد أمامهما سوى طريق التقاعد واعلان اعتزالهما المهنة صحيح أنهما من مدينتين مختلفتين ويتكونان من نمطين اجتماعيين مختلفين ،إلا أنهما يتفقان على تأكيد حقيقة واحدة هي تراجع أهمية الخاطبة في المجتمع اليمني في صورة لا تدل على موقف عام يعني بانتهاء دور الخاطبة و زواله من الحياة لا على العكس فأن بعض البيئات الاجتماعية الريفية هي مصدر اعتراف بدور الخاطبة وان كان وجودها يقف هو الآخر على مشارف نهاية تحول اجتماعي مطلوب يقف تخوف تلك البيئات ويهدد بانهيار الكثير من التقاليد والموروثات الاجتماعية فيها. يقول الباحث الاجتماعي صالح مسعود وهو مدرسا ومتخصص في اجراء دراسات بحثية لمراكز اجتماعية محلية عن ظواهر سيادية وكان امضى عامين في بحث اعده حول "التحول الاجتماعي في اليمن..الأحياء الشعبية في المدن (أنموذجا)" إن دور الخاطبة من بين تقاليد كثيرة مشمولة بالدراسة قد سجل انحساراً خلال العشرين سنة الماضية.وعزا اساب ذلك إلى دور التلفزيون وإلى الفضائيات ولاحقاً شبكة الإنترنت.حيث اعتبر ان الانترنت "وسيلة لها مناخا غير مسبوق للشباب من الجنسين للتعبير بحرية عن آرائهما في مسألتي الزواج والعلاقات الجنسية.وأضاف ان خطورة هذا الأمر تتمثل في سرعة انتشار الخبرة في أوساط الشباب بالتعاطي مع هذه التقنية الجديدة وبما تتيحه من فرص كهذه.الانترنت طريقا للزواجويرى الباحث مسعود ان طرح مسألتي الزواج والعلاقات على بساط البحث العلمي من خلال الانترنت ربمالان دوره (الانترنت) كوسيط ذي قيمة في إتمام الزواج بين الشباب لايزال بعد في بدايته الحديثه جدا. خصوصا ان مغامرة واحدة لشاب لا يتعدى عمره العشرين عاما أثمرت موقعا يقدم خدمة التعارف بقصد الزواح بين الشباب من الجنسين فإنه كذلك لم يحظ أي موقع يمني متخصص يدار من داخل البلاد بتسجيل مهمة القيام بدور الخاطبة على وجه التحديد.آراء شبابومن خلال استبيان اراء بعض الشباب والشابات الجامعيين الذين يبدو ان قصص التعارف الأولى لهم بقصد الزواج عبر الانترنت لازال ينظر اليها على اعتبارها "مغامرة غير محببة وغير مقبولة اجتماعيا على نطاق واسع".وتقول تمارا حسين التي كانت تقعد في احدى مقاهي الانترنت بصنعاء "لم أفكر مطلقا في التعرف على شريك المستقبل من خلال وسيلة كالانترنت.. فهذه غير ملائمة لشخصيتي اوسلوك اسرتي حتى يحدث الزواج".اما عبدالوهاب الحريبي فيرى ان اللجوء الى الانترنت للتعرف بشريكة حياته امر قد يصبح اعتياديا فيما بعد في هذا الزمن. مضيفا"لم يدر بخلدي نوع الوسيلة للوصول الى زوجة المستقبل قط.. ولكن العديد من الفرص المتاحة للتعرف على شريكتي بشكل مباشر موجودة في حياتنا وبالإمكان الاعتماد على امي في اختيارها فذلك سهلا هذه الأيام". لكن الشاب مهدي المطري قال إن فكرة الزواج عبر "النت" من وجهة نظره "ان اليمن غير أهلة لمثل هذه الأفكار.. لا أظنها ستلاقي الصدى المرغوب به بين الأوساط الشعبية اليمنية.. فبحكم الاعراف والعادات اعتقد انها لن تصل لليمن". الا ان مهدي تابع يقول رأيه بذلك "انا لا أعارض مثل هذه الأفكار مادام من يهمهم مقتنعين بهذه الفكرة".احدى الفتيات اللاتي كانتا تجلسان على مقهى للانترنت بالعاصمة صنعاء وصفت الحديث عن موضوع الزواج بالإنترنت عموما بأنه "شبيه بعصر الموضة حيث لن يستقر لخلق حياة زوجية سعيدة". وعلقت الفتاة التي عرفت نفسها (أماني) وهي فتاة متدينة وناشطة في منظمات مدنية مهتمة بحقوق المرأة قائلة بطريقة ناصحة "يجب ان لا نستخدم هذا النوع من الانترنت بقصد الزواج بين الشباب.. من غير الممكن ان يتم حسم موضوع خطير وركن أساسي في حياة المجتمع الإسلامي بهذا القدر من الحرية المطلقة والانفلات"..اعتزال المهنةأم احمد البوني الخاطبة الصنعانية قالت انها "ستعلن اعتزالها مهنة الخطابة نهائيا فهي تعرف ان الوقت لم يعد مناسبا لذلك فكما قالت بلهجتها الصنعانية "ماعدبه في الدنيا قلتلي به زواج على الانترنت هذه الايام.. يوو يابني ماعنسوي احسلنا نتقاعد وخلينا على مكينة حق الخياطة هي تدبر لنا امورنا وتسوي احوالنا".الحلقة المفقودةالزواج على طريقة الانترنت ينتشر كالوباء في مختلف بقاع العالم وبعد زوال دور الخاطبة وارتفاع تكاليف الزواج في اليمن لا نعرف تماما هل سيكون هذا الزواج العصري الانترنتي قد استحوذ على عقول شبابنا وبناتنا فإذا كان معظم المستخدمين مرتبطين اساسا بدخول مقهى الانترنت (للمحادثات والدردشة) دون فائدة.. لماذا لا يكون هذا النوع من الزواج اللغة القادمة لمشروع الزواج عبر الانترنت في اليمن؟.. من يدري يمكن الخيال ان يصبح حقيقة مرة قريبة ذات يوم..!!