من نافل القول أن النقد هو نوع من الأنواع الأدبية الأساسية، هذا النوع من الأدب، يقوم على درس النص الأدبي/ الفني من خلال النظر في هذا الأخير، نظراً يعتمد على أساس من العلم والذوق معاً، فالناقد يقوم بإنتاج نصّه متسلحاً بأدواته النظرية والمعرفة العلمية والمنهج وقبل ذلك كله ذوقهالأدبي، ولايمكن للناقد إقامة نص نقدي من دون الذائقة الفنية الأدبية مهما تسلح بالعلم. وفي المقابل نجد النص الأدبي/ الفني يقوم على سلامة الموهبة والفطرة (الطبع) بدرجة رئيسة ثم تأتي الأدوات الأخرى: الرؤية الفنية والتجربة والمقدرة اللغوية وغيرها.ولذلك فالناقد مفكر من نوع ما ينتج أدباً ومعرفة بالأدب في آن واحد وتتفاوت خطوط النقاد في ذلك بمقدرة مايمتلكونه من الذوق الأدبي/ الفني قبل امتلاكهم لهذا القدر أو ذاك من المقدرة النظرية والعلمية وذلك مايبرر وجود مستويات متفاوتة جودتها في النصوص النقدية سواء في الإتقان الأدائي أو في المعرفة الأدبية التي تنتجها.وقد تعارف الناس منذ القدم على اختلاف ثقافتهم ان علم الناقد ونتاجه الأدبي يقوم بل ويتكئ على النص الأدبي بشكل مطلق، فقد يكون الناقد أكثر علماً ومعرفة من مبدع النص ولكن هذه الميزات لا تعطي بأي حال الأفضلية للناقد على المبدع فمبدعو النصوص الأدبية يظلون هم أصحاب الأفضلية لانطواء إبداعهم على ملكات عبقرية لا تتوفر مع غير المبدعين، وذلك لأنهم بإبداعاتهم يعيدون خلق الواقع فنياً كأنهم يخلقون عالماً خاصاً بهم. وواقعاً موازياً للواقع المعاش ومختلفاً عنه حتى ولو انطوى على بعض معطياته بينما يعمد النقاد إلى إعادة إنتاج النص المبدع بالأدوات المتوفرة في العالم المعاش مثل النظرية والعلم وغيره حتى ينتجوا نصهم النقدي وذلك بالاتكاء على معطيات النص المبدع وغالباً مايُعجز النص المبدع علم ونظرية الناقد فيعمد الناقد إلى اختلاق مثالب قد لاتكون لها صلة بالنص المبدع بعد ان يعجز عن الوصول إلى جوانب الإشراق في النص المبدع.فالنص النقدي نص مفروض عليه ان يظهر بنسبة من القصور أبداً، وهو قصور ناجم عن المسبقات النظرية التي يعتمدها في درس النص الأدبي الذي قد يكون متجاوزاً للمسبقات النظرية النقدية من خلال ماينبئ به من نبوءة وما يبشر به من مستقبل وما يقترحه من واقع وعالم.واكبر دليل على مصداقية ماذهبنا إليه آنفاً.. تلك الحقائق التي تكرر ظهورها في التاريخ الأدبي، حيث نجد الكثير من النقاد قد وصموا بأعمالهم النقدية نصوصاً فنية/ أدبية بأنها مجرد هراء، واتهموها بشتى التهم وانتقصوا من أصحابها جالبين من اجل ذلك جملة من الأسانيد في معرفتهم النظرية ومسلماتهم التي كانت قائمة في عصرها، ومالبثنا بعد زمن من ذلك أن يظهر نقاد آخرون يبعثون تلك النصوص من موتها ويدرسونها بمعارف جديدة ويثبتون إنها نصوص مبدعة تجاوزت زمن إنتاجها لتبشر بزمن جديد، كان هو ذلك الزمن الذي جعل النقد ينصفها صاغراً ويعترف بها كإبداعات خالدة خلّد معها أصحابها ليطمر التراب كلّ ترهات النقاد الذين انتقصوا منهم ومن إبداعاتهم.
|
ثقافة
اقواس
أخبار متعلقة