منصور إبراهيم معروفحدثت الحركة( الشارتية) في بريطانيا في القرن الثامن عشر – أي حركة النقابات العمالية البريطانية حينها- التي دعت إلى تكسير جدران وماكنات وآلات ومصانع وكذا إتلاف المواد الخام والمواد الأولية المساعدة الأخرى.. معتقدين بذلك أن هذه الأشياء هي مصدر ظلمهم واستغلالهم، مما أدى إلى إغلاق الكثير من المصانع وبالتالي توقف مصدر عيش عمال تلك المصانع ولفترة طويلة من الزمن، وعلى الرغم من أن مطالب أولئك العمال كانت عادلة وتتمثل بمطالبتهم بزيادة الأجور وتخفيض ساعات العمل التي كانت تقدر بعشرين ساعة عمل في اليوم واقلها ثماني عشرة ساعة هذا الى جانب مطالب أخرى كالضمان الاجتماعي والصحي وغيره لكنهم اساؤا التعبير عن تحقيق تلك المطالب فحرمواء أنفسهم من كل شيء بعد توقف المصانع عن الإنتاج وكان عليهم ان يحصروا نضالهم في الإضرابات السلمية التي تلحق بالرأسماليين اكبر الخسائر ويعود السبب في ذلك الى تدني الوعي السياسي والاجتماعي والثقافي لعمال بريطانيا في تلك الفترة وذلك لأنه لم يكن لديهم أحزاب سياسية عمالية توجه نضالهم نحو تحقيق مصالحهم.وتصرفات القلة من الناس الذين استغلوا غضب الجماهير بسبب ارتفاع أسعار بعض المواد الغذائية وخاص الدقيق ولهم الحق في القيام باحتجاجاتهم السلمية عبر المسيرات والاعتصامات السلمية التي شملت عدداً من المناطق اليمنية غير ان أولئك النفر تصرفوا تصرفات الحركات ( الشارتية) في بريطانيا من حيث عدم معرفتهم بوعي او بغير وعي، بأسباب الزيادة في أسعار المواد الغذائية وبالأخص سعر مادة الدقيق ومن الجهة التي توافق على حصول تلك الزيادة في الأسعار وذلك حين حاولوا تغيير مجرى مطالب الجماهير في تخفيض الأسعار وخاصة سعر الدقيق الى مجرى آخر يمس الوحدة اليمنية .. أي ما سمي بالقضية الجنوبية وهؤلاء لم يدركوا مخاطر مايطرحونه من مفاهيم انفصالية.. لم يدركوا ان اليمن إذا ما أزيحت عنها مظلة الوحدة اليمنية فان الجنوب الذي ينشدونه لن يكون بالجنوب العربي الذي لم تستطع بريطانيا حمايته بل تم اسقاطة من قبل الفصائل الوطنية المقاتلة التي تسلمت بشعار الوحدة اليمنية واتخذت من اليمن – كل اليمن- الدعم والمساندة الأخوية التي مكنتها من تحقيق الاستقلال الوطني في جنوب الوطن سابقاً في 30 نوفمبر 1967م.ان هؤلاء لم يدركوا انه اذا مارفع اسم اليمن من سماء المحافظات الجنوبية والشرقية فإنهم لن يجدوا النظامين اللذين كانا في السابق يحكمان الجنوب سياسياً، وهما اتحاد الجنوب العربي( المحمي من بريطانيا) ثم جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية( التي كانت محمية من المنظومة الاشتراكية العالمية) بل ان الجنوب سيتفتت الى دويلات صغيرة يتعصب أبناء كل منطقة الى كيانهم المستقل، كما انه ومن المفهوم والنفس الرأسمالي المعاصر فانه لن تقبل الدويلات ذات الاقتصاد الأفضل الاتحاد مع دويلات صغيرة فقيرة لا يغطي دخلها حتى رواتب حكامها طالما وان النفس الوطني اليمني الكبير زال اطارة وهو الوحدة اليمنية كما ستعود العصبيات القبلية القديمة بين القبائل والمناطق الى ماكانت عليه في السابق وذلك لان المصالحات التي جرت بين بعض المناطق الجنوبية لم تكن من القلب الى القلب.. بل كانت مصالحات عاطفية مؤقتة سرعان ماستنتهي عند تعارض المصالح، كما ن حركة المعارضة الحالية لم يقدها حزب سياسي ضارب الجذور، وذلك لان الأحزاب الرئيسية حالياً والتي لها منظمات في مختلف المناطق اليمنية فإنها لاتفكر بانفصال الجنوب عن الشمال وهي القوة الرئيسية والحاسمة في التأثير على الجماهير إذا ماكان موضوع الانفصال جدياً وهي تستثمر حالياً الاعتصامات والمسيرات عند حدود تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية ومحاربة الفساد بهدف الإعداد المسبق للفوز في الجولات الانتخابية القادمة، كما ان هؤلاء لم يدركوا التركيب الديمغرافي الجديد للسكان بعد قيام الوحدة اليمنية، كما لم يدركوا ايضاً التشابك في المصالح الاقتصادية والتجارية بين كبار التجار في اليمن الذي تتعارض مصالحهم مع أي واقع انفصالي.ان هؤلاء الرموز – هم قلة ضالة- لايفكرون إلا بمصالح مستقبلية ضيقة تعود عليهم بالنفع الشخصي ولا يهمهم ماذا سيحصل حتى وان كان على حساب دماء وجماجم المواطنين الأبرياء المغرر بهم كما ان ضيق هؤلاء ليس بجديد بل يعود الى فترة وجودهم داخل تنظيماتهم السياسية الأم عندما كانوا يتجسسون بل ويتآمرون على رفاق نضالهم من أبناء المناطق الشمالية إذا ماصعدوا الى اطر قيادية عليا كما ان هؤلاء المهووسون لم يستفيدوا من دروس التاريخ اليمني التي تؤكد ان أي نضال يمني عادل لم يتحقق إلا بتضافر جهود كل أبناء اليمن وانه لم يتحقق لليمن أي نظام سياسي إلا على معظم الأرض اليمنية او كلها، وان الحدود المصطنعة التي تكونت على أساسها الجمهورية العربية اليمنية وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية لم تكن الا من صنع تركيا وبريطانيا في اتفاقية الحدود عام 1924م وحتى هذه الحدود كانت خطوطها متعرجة فالضالع وماجوارها ألحقت بالشطر الجنوبي من اليمن عام 1924م كما ألحقت مناطق من شبوة بالشطر الجنوبي عام 1934 وان هذا العبث الاستعماري الحدودي قد جاء بعد انهيار الدولة( القاسمية) في القرن الثامن عشر وانقسام المناطق الجنوبية إلى حكومات صغيرة محلية مهدت احتلال بريطانيا لعدن 1839 وأعادت الاحتلال العثماني الثاني لليمن في عام 1872م ومع ذلك فقد تمزقت تلك الكيانات بفعل نضالات كل اليمنيين في الشطرين حيث لم يتحقق النصر لثورة 26 سبتمبر 1962 إلا بمؤازرة ونجدة الطلائع الثورية من الكتائب والألوية الضخمة التي كانت تحشدها الأحزاب والقوى الوطنية في المناطق الجنوبية كما لم يتحقق الانتصار لثورة 14 اكتوبر1963م إلا بالمناخ الذي وفرته ثورة 26 سبتمبر الأم وخاصة في التدريب والتسلح للمقاتلين ضد النظام الانجلو سلاطيني البغيض من جنوب الوطن في 30 نوفمبر 1967م وبدون رجعة الى ابد الابدين.ان هذه العناصر ذات الأفق الضيق لم تستفد ايضاً من اكبر درس في التاريخ الوحدوي اليمني الذي لقنه الجماهير للسلطات البريطانية عام 1955م، وذلك حينما أعلنت الجبهة الوطنية المتحدة والنقابات العمالية الإضراب الشامل في عدن ومقاطعة انتخابات المجلس التشريعي والذي حصرت بريطانيا عضويته على أبناء عدن، بينما وقف أبناء عدن كلهم وقفة رجل واحد ضد حرمان إخوتهم من أبناء المناطق الشمالية من حق الترشيح والانتخاب. وتفيذ صيغة الكفاح بأنه لولا أصوات أبناء الجاليات الأجنبية لكانت الصناديق فارغة.واخيراً.. ننصح هؤلاء الذين يلعبون بالنار بان يكفوا عن المساس بوحدة الأرض اليمنية، لأنها ارض بريئة وليس لها ذنب بما يجري عليها، وذلك لان مايشعر به أبناء عدن او أبين وشبوه ولحج... الخ من الغلاء والبطالة والفساد وغيرها من المعاناة الاخيرى، فانه نفس الشعور الذي يشعر به ويعانيه أبناء صنعاء وذمار وتعز وأب والحديدة .. وغيرها.كما ان هناك جهود حثيثة ومساع حميدة تبذل على المستوى الرأسي والأفقي للدولة للخروج من الأزمة التي يمر بها الوطن، فكل الخيرين من أبناء اليمن يتطلعون الأخرى الى مساعي الأخ/ رئيس الجمهورية، ومع كل المناضلين اليمنيين الشرفاء الغيورين على استقرار اليمن ووحدته وتقدمه وازدهاره.. بعيد عن المزايدات والمغالطات التي تضر ولن تفيد على الإطلاق..
|
آراء حرة
الحركة (الشارتية) في بريطانيا وخصوم الوحدة في اليمن
أخبار متعلقة