عادل محسن:يشهد العراق الشقيق منذ اجتياح قوات الاحتلال لأراضيه ومياهه وأجوائه وسقوط الدولة ومؤسساتها مأساة لم يسبق لها مثيل في التاريخ الحديث. وكما هو معروف فقد حاولت كارتيلات الصناعات العسكرية والمؤسسات الصهيونية النافذة في الولايات المتحدة الأمريكية تسويق مشروع احتلال العراق تحت ذرائع مختلفة بدءاً بمكافحة انتشار الأسلحة النووية، مروراً بمكافحة الإرهاب، وانتهاء بنشر الديمقراطية في الشرق الأوسط الجديد من خلال بناء نموذج ديمقراطي في العراق (الأمريكي) الجديد، يكون ملهماً وجاذباً للتحولات الديمقراطية في الشرق الأوسط الكبير بحسب أجندة المحافظين الجدد في الولايات المتحدة الأمريكية!! والحال أنّ محصّلة احتلال العراق جاءت مناقضة للذرائع التي استخدمت كغطاءٍ لإسقاط الدولة العراقية الحديثة والرئيس صدام حسين وحكومته، حيث اتضح خلو العراق من أي أسلحة نووية، فيما فشل مشروع نشر الديمقراطية – بالمعايير الأمريكية والأوروبية – في هذا البلد الذي تحول من دولةٍ علمانية تتعايش فيها القوميات والأديان والمذاهب إلى كانتونات تحكمها ميليشيات طائفية وعرقية متناحرة، ويذبح فيها مئات الأبرياء يومياً في مجازر جماعية على أساس الاسم أو بطاقة الهوية أو الانتماء الديني والمذهبي، كما تحولت الساحة العراقية تحت ظل الاحتلال الأمريكي إلى بؤرة جاذبة وملاذ آمن للجماعات المتطرفة والإرهابية من مختلف أصقاع الأرض، وما يترتب على ذلك من تهديد حقيقي للأمن والسلم الدوليين.ومما يثير الدهشة أنّ الولايات المتحدة الأمريكية أصبحت تمارس سياسات ساذجة وفاشلة، تتميز بالتخبط والمعايير المزدوجة، فهي تحارب النفوذ الإيراني في لبنان وتقدم – في الوقت نفسه - العراق هدية سخية ومجانية لإيران التي تتحمل المسؤولية إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية في الحرب التي تم دفع العراق إليها مطلع الثمانينات في القرن الماضي بتحريض ودعم مباشرين من الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الأطراف العربية، حيث لا يمكن فصل مأساة الحرب العراقية الإيرانية أواخر القرن الماضي عن تداعياتها اللاحقة التي تمثلت في خطيئة احتلال العراق للكويت، ومأساة سقوط العراق الحديث على أيدي قوات الاحتلال الأمريكية والقوات الأجنبية المتحالفة معها. لقد دفع العراق الحديث ثمناً باهظاً من دماء العراقيين وموارد العراق وحقوق الأجيال العراقية القادمة في ظل الاحتلال، حيث أدى سقوط الدولة المدنية الحديثة إلى تراجع قيم ومؤسسات الحداثة والمدنية وبروز خطر انقسام العراق إلى دويلات تحكمها ميليشيات دينية وطائفية وعرقية، وتسفك فيها يومياً الدماء على إيقاعات طبول الحرب الأهلية التي تعتبر من أبرز ملامح (العراق الأمريكي الجديد). وبالأمس صدر حكم جائر وهزلي بإعدام الرئيس العراقي صدام حسين في خضم هذا المشهد المأساوي الدموي الذي حوّل العراق إلى بلدٍ تتصارع فيه النزعات الطائفية والمذهبية والعرقية، الأمر الذي يحتم إدانة هذا الحكم الذي لا يمكن فصله عن التداعيات الخطيرة والمأساوية للمشهد السياسي الراهن في العراق المحتل. ولئن كانت كل مخرجات الاحتلال الأمريكي للعراق غير شرعية فإن الحكم بإعدام الرئيس صدام حسين ليس شرعياً هو الآخر، بل ويُعد عملاً مهيناً لمبادئ الشرعية الدولية وقيم المجتمع الدولي المتحضر التي تتعارض مع ما وصل إليه الوضع الحالي في العراق، الذي قدّم للمجتمع الدولي المتحضر دولة مدنية حديثة، منذ تأسيسها في العقد الثالث من القرن العشرين الماضي، حتى سقوطها بنيران القوات الأمريكية الغازية في مارس 2003م!!لا يمكن السكوت على قرار إعدام الرئيس صدام حسين في ظل الاحتلال الأمريكي الذي أدى إلى سقوط دولة مدنية حديثة، وأفسح المجال لنشوء كانتونات طائفية ومذهبية متصارعة تنتهك فيها المليشيات وفرق الموت الطائفية حقوق الإنسان، وتصادر حريات المجتمع المدني، وتنشر العنف وتسفك الدماء وتقيم المجازر الدموية الجماعية بشكل يومي.. إذ إنّ السكوت على ذلك من شأنه أن يكون سابقة خطيرة ستفتح المجال لمخاطر تهدد الأمن والسلم والحياة في العديد من البلدان، وهو ما يستدعي وقفة موضوعية وشجاعة من قبل كافة القوى المحبة للحرية والسلم والحداثة والديمقراطية في العالم.
عراق الاحتلال
أخبار متعلقة