د. زينب حزام لست أدري لماذا ارتبط المأثور الشعبي في ذهني بعصور ما قبل ثورة التكنولوجيا، وكلما تمعنت في هذا الموقف العقلي والنفسي راودني سؤال ملح يقول: هل يبقى المأثور الشعبي بعد ما جرى في وسائل الإعلام والاتصال والمواصلات؟. إن إعادة التفكير جعلت السؤال يترنح بفعل تاريخ الإنسان مع مخترعاته ..فالإنسان لايزال يتوهم سيطرته على الطبيعة والكون وان السمعة المفرطة لكل ما حوله من مظاهر تكسو سطح الأرض هي ضروب من الخرافة والأسطورة والخيال الذي صاحب عقل الإنسان منذ طفولته.. وإذا قرأنا عن المأثور الشعبي في مدينة تريم المشهورة بالحضارة والتاريخ العريق لوجدنا العديد من المخطوطات في مكتبة الاحقاف تبين القصص الخيالية والشعر والغناء الشعبي وما إلى ذلك من الأشكال التي تأخذ المأثور الشعبي. وإذا تجولنا في مدينة تريم العاصمة الثقافية الإسلامية سنجد فيها أقدم المساجد والجوامع التي تحتوي على النقوش والخط العربي الإسلامي والزخارف الإسلامية التي تزين واجهات هذه المساجد والجوامع ونجد الناس فيها يحفظون العديد من المأثورات الشعبية الشفهية التي تلعب دوراً كاملاً لدى طبقات اجتماعية عديدة . إن المأثور الشعبي في مدينة تريم المرتبط بالشفاهية إلى حد كبير لايزال موجوداً لدى الناس ويستخدم في تعاملهم اليومي رغم انتشار الكتب المطبوعة باعتبار أن الحفظ والتداول الشفهي للعلوم والمعارف كان من الفضائل الثقافية في هذه المدينة ذات الحضارة والتاريخ العريق . إن مدينة تريم تمتلك ثقافة إسلامية عريقة والمأثور الشعبي فيها له دوره الثقافي الذي يتولى إشباع الحاجات الثقافية والاجتماعية والإنسانية وإذا تأملنا الأوساط الشعبية في كل مكان من هذه المدينة لوجدنا في احتفالات الزواج والميلاد والحج ،وفي الاحتفالات الدينية والاجتماعية كماً هائلاً من النتاج الشعبي المعبر عن قطاعات منها وسائل النخبة أو الحكام وأدواتهم . والمأثور الشعبي بتريم جزء مهم وفاعل في هذه الثقافة الشعبية وهو نوع من الحماية وتحقيق الذات كما أن المأثور الشعبي ليس نوعاً من النتاج العبثي بل هو نتاج له دور اجتماعي وثقافي مهم في حياة أي جماعة إنسانية. فالمأثور الشعبي في أشكاله وقوالبه المختلفة ملازم لوجود ذاتها من ناحية انه تعبير حي وضروري عن توجهات الفئة التي نسجت هذا المأثور وروته، وهذا التعبير الشعبي للأحداث هو بالضرورة أهم وأكثر قيمة من التفسير الرسمي. ومن ثم ، فإن كل التطورات التكنولوجيا والعلمية التي مرت على المجتمع في تريم وحضرموت لم تستطع أن تمنع وجوده ، فهل يمكن للتطور التكنولوجي وتقدم المعلومات الحالية والمستقبلية أن يوقف حياة المأثور الشعبي في مدينة لاتزال تحتفظ بعاداتها وتقاليدها وتواكب التقديم التكنولوجي بخطى ثابتة؟. لا أظن ذلك.
أخبار متعلقة