أثناء تصفحي لأحد أعداد مجلة (العربي) استوقفني طويلاً ملف مهم وجريء عنوانه (لحظات الانتصار والانكسار في التاريخ العربي ) اشتمل على باقة من المقالات المهمة والجادة التي استعرضت آراء عدد من الكتاب الذين حاولوا من خلال تقديم الملف كما تقول المجلة :(فتح ثغرة في أغوار اللا وعي العربي لعله يفيق من استغراقه الطويل في البكاء على الماضي مديراً ظهره للحاضر ) وبالرغم من أهمية المواضيع التي اشتمل عليها الملف إلا ان موضوعاً واحداً أثار لدي صدى خاصاً نظراً لجدته ولدرجة الغضب المتصاعد لدى كاتبه الدكتور والمفكر المصري (سيد القمني) لما حدا بالمجلة أن تخص مقالته بتعليق جميل على الصفحة قائلة : ( لان منحنى الهبوط العربي مازال متواصلاً فان درجة الغضب عند كاتب هذا المقال مازالت متصاعدة).والمفكر سيد القمني يطلب في بداية مقاله ان نتحلى بالصدق ونعترف بأننا نعيش أزمة حضارية اصبحت تهدد وجودنا في سجل التاريخ الآتي في مرحلة فاصلة تجري فيها تحولات وتبدلات عالمية هائلة بينما نسير نحن في اخر الركب نتنفس الخرافة ونهيم في عوالمنا السحرية .. ولانقاذ ما يمكن انقاذه يدعونا (القمني) إلى ان نبادر بسرعة وبقوة ومن دون خوف إلى ان نفتح كل النوافذ لتجديد هوائنا الآسن دون وجل من تحريمات قبل أن نذهب في طوايا القرون الغابرة انه يدعونا إلى أن نحرر فكرنا من الخنوع والتغييب المقصود والسكون الموروث عن قرون التخلف وان نستلهم الامثولة من عصور الازدهار في التاريخ العربي وتحديداً مرحلة الدولة الإسلامية حينما كانت امبراطورية قوية عزيزة مقتدرة انفتحت على كل علوم الدنيا وفلسفاتها ودياناتها ولم تخش على نفسها من ثقافة الآخر .ثم يحدد (القمني) بعدها سبب انزلاقنا الكارثي نحو القاع الذي بدأ بانتهاء عصر المامون لتبدأ مرحلة (التحريمات) الكبرى .. فإذا وعينا هذه الحقيقة كما يرى الكاتب بدأنا أول كشوفنا . وهو أن السبب في توقف الفكر العربي عن انتاج الفكر الحر هو غياب مناخ الحرية كما ان منهج قراءة الدين الذي ساد بعد هذه المرحلة (مرحلة التحريمات) كان وراء تغيب مناخ الحرية في البلاد العربية ومن اجل ذلك وضع الكاتب ثلاث قواعد تأسيسية لعصور التخلف والتردي هي : رفض وتكفير ونفي واستبعاد وربما تصفية كل بحث ينتهي إلى إنكار معلوم من الدين بالضرورة وانه لا اجتهاد على الاطلاق مع نص وان العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب والتاريخ يشهد ان تلك القواعد الثلاث قد تم كسرها لصالح الناس بيد صحابة رسول الله انفسهم فقد اجتهد مثلاً عمر بن الخطاب وهو رجل الحراك والمتغيرات اثناء خلافته وكان اجتهاده مع نصوص واضحة بل واوامر قدسية كما حدث في القائه سهم المؤلفة قلوبهم واخذ كما يقول القمني بخصوص السبب لا بلفظ النص عندما فعل ذلك وفي مواقف اخرى كما في ايقافه حد السرقة عام الرمادة .. الخ أما المستوى الثاني لمنهج الهبوط فقد ارتبط بالمستوى الأول الذي يعبر بوضوح عن اسباب السقوط المروع المرتبط بظهور القمع الفكري وسياسة التحريم والتكفير حيث تم تحريم الأبحاث العلمية التي ليس لها علاقة بالدين وعلى المستوى الثالث تمكن الانسان خلال قرون طويلة من النضال والصراع الدموي ضد القهر والتعسف من ان ينتزع لنفسه بعض الحريات المتمثلة إلغاء العبودية .. والرق لكن وضمن هذا المستوى كما يرى الكاتب تندرج حالات هي الكارثة بعينها حيث لم نبذل جهداً يذكر لتحريك الثابت من اجل مصلحة البلاد والعباد بل حاربنا وكفرنا كل من يقول رأياً جديداً لانه خالف الثابت واضر بالمصالح واتهم بالردة كما حصل مع كثير من المفكرين لخلافات في الرأي ويخلص القمني إلى ان منهج الانحطاط والتردي لم يعد في جعبته سوى منطق القتل والتجريم الذي يؤدي إلى منهج الهبوط العربي الذي سيظل متواصلاً في الانحدار ولن يعتدل إلى ان نتوقف عن تسفيه العقل وحرية الفكر والرأي .شفاء منصر
|
ثقافة
منهج الإنحطاط والتردد في التاريخ العربي
أخبار متعلقة