كانت عدن ، ذلك المختلف سيد الحياة ، وكانت الحياة أجمل يكتنفها بحر يتسع للجميع “ بتلك العبارة الجميلة عن عدن عروس البحر العربي ، والبوابة الحقيقة لجنوب البحر الأحمر. وملتقى التجارة الدولية . كتبتها الباحثة أروى عثمان في كتابها البديع (( فلكلوريات عدن )) الذي يفيض عاطفة جياشة نحو تلك المدينة الساحرة والفاتنة الراقدة على شاطئ البحر الواسع اللامتناهي .[c1]عدن ومشاهد مختلفة[/c] وقيل عن ثغر عدن بأنّ التاريخ ولد وتربى في حجرها . وعلى الرغم أنّ الكتاب لم يبلغ صفحاته المئة ولكنه مليء بالكثير والكثير جداً عن الحركة والنشاط والحركة اللتين كانتا تموجان بها المدينة حينئذ . فالكتاب تكمن روعته بأنه روى تراث و تاريخ المدينة من خلال الصور الرائعة والنادرة التي اختفت من ذاكرة الأمة منذ التاريخ البعيد . ولقد مزج الكتاب الصورة بالنثر والشعر مما زاد من وضوح ملامح ومعالم المدينة الضاربة أعماقها في فجر التاريخ الإنساني . فالكتاب عبارة عن مشاهد وصور مختلفة عن مدينة عدن أو إذا شئت أنّ تقول رحلة في تراث وتاريخ مدينة عدن . [c1]البحر دُرعها الواقي[/c] وأول تلك المشاهد والصور التي نشاهدها في الكتاب هو البحر الذي ارتبط بها وارتبطت به منذ الأزل . كان البحر يمدها بالحياة ، والرخاء ، والخير ، والسعادة ، وكان درعها الواقي من الغزاة أمثال البرتغاليين الذين حاولوا أنّ يسيطروا عليها في سنة ( 918هـ / 1513م ) ولكنهم فشلوا فشلاً ذريعاً في احتلالها . وكان فشلهم هذا البداية الأولى لهزيمتهم في البحار العربية الجنوبية و طردهم منها . والحقيقة كانت عدن دائما وأبداً مطمح الدول اليمنية المركزية التي تعاقبت على حكم اليمن كالدولة الصليحية ، وآل زريع ، الرسولية ، والطاهرية وغيرها من الدول نظراً أنّ السيطرة عليها تعني خضوع القبائل اليمنية تحت لواءها . وكانت عدن تمثل لتك الدول اليمنية الخزانة العظيمة نظراً لمينائها الذي كان همزة وصل بين التجارة الشرقية ( الهند ، والغربية ( مصر ) ، فكان الميناء يمدها بالذهب ، والفضة . [c1]عدن والتراث الشعبي[/c]وتلتقط عدسة الكتاب صوراً أخرى و متنوعة عن التراث الشعبي لمدينة عدن منها الرقصات الشعبية التراثية الأصيلة المرتبطة ببيئة سكان عدن اليمنيين كالشرح العدني ، وهو عبارة عن رقص جماعي فيه سمات من الريف اليمني الأصيل وتحديداً ريف لحج الخضراء ومن رقصات الصيادين من ناحية ثانية ، فالفلكلور يعكس الحياة الثقافية الذي يعيشها مجتمع معين ـــ على حد تعبير أحد الباحثين المتخصصين البريطانيين في الفلكلور الشعبي ـــ وإلى جانب تلك الصور التي نراها في الكتاب عن حياة عدن الثقافية والإبداعية ، نشاهد الأغاني العدنية التي تأثرت تأثيرا واضحاً برياح الثقافة الهندية نظراً لوجود الجالية الهندية بشكل مكثف التي كانت تعد أكبر الجاليات الهندية في عدن بالإضافة إلى الموسيقى المصرية التي كانت لها بصمات واضحة على الموسيقى والغناء في عدن ، فنرى في الكتاب عدد من الفنانين المشهورين الذين كانوا ملء السمع والبصر في المدينة كالفنان الراحل أحمد بن أحمد قاسم الذي تغنى بحب عدن وأهلها . والمطرب الكبير ـــ أمد الله في عمره ـــ مرشد ناجي صاحب النغم الأصيل النابع من بيئة اليمن السعيد . وهناك أيضاً الفنان الرائع صاحب الصوت الرخيم المتميز سالم بامدهف وبجانبه الفنانة رجاء باسودان . لقد كانت عدن في فترة الستينات تمور موراً بالحياة الفنية والإبداعية الخصبة .[c1]عدن والعمارة الأصيلة[/c]ومن المشاهد الأخرى التي نراها في كتاب (( فلكلوريات عدن )) العمارة العتيقة التي تطفو على وجه المدينة كالمساجد التي تروي بعض من ملامح العمارة الإسلامية الأصيلة في عدن كمسجد أبان الذي بناه الخليفة الثالث أمير المؤمنين عثمان بن عفان ـــ رضي الله عنه ـــ وهناك مسجد عتيق آخر بناه الخليفة الخامس عمر بن عبد العزيز والذي مكانه حالياً منارة عدن التاريخية في عدن القديمة ( كريتر ) . والجدير ذكره أنّ تلك المنارة بنيت في فترة متأخرة من الزمن . ويتراءى أمام أعيننا مساجد مشهورة تعتبر جزءاً لا يتجزأ من نسيج تاريخ عدن الإسلامي كمسجد العيدروس الذي بلغ من العمر عتيا ، وفي حي القاضي بـ ( كريتر ) يوجد مسجد ابن جوهر ، وفي مدينة الشيخ عثمان مسجد الهاشمي . ولسنا نبالغ إذا قلنا أنّ عدن مدينة مفتوحة نظراً لمينائها الذي هبت عليه رياح حضارة الشرق والغرب فاحتضنت بين ذراعيها الكنائس ، والمعابد ، جنباً إلى جنب المساجد . وهذا إنّ دل على شيء فإنه يدل على التسامح الديني التي تميزت بها المدينة عبر تاريخها الطويل . [c1]عدن وأحياؤها العتيقة [/c] والحديث عن أحياء عدن القديمة حديثاً شيقاً ، يعود بنا إلى التاريخ البعيد ، فعلى سبيل المثال حي حسين الأهدل وهو من أقدم أحياء المدينة ، وتذكر المصادر التراثية أنّ ذلك الحي ، كان يسمى قديماً حي الشاذلي نظراً لوجود الطريقة الشاذلية الصوفية فيه . ويتربع في الحي مسجد عتيق يبلغ من العمر أكثر من خمسمائة عام وسمي الحي باسمه وهو مسجد حسين الأهدل . وتذكر المراجع التاريخية أنّ هذا الحي ظهور إلى الوجود في عصر الدولة الطاهرية التي حكمت اليمن ( 858 ـــ 933هـ / 1453 ـــ 1527م ) .[c1]المقاهي ودورها الثقافي[/c]وتدون وتسجل صفحات المقاهي المشهورة الشعبية التي جمعت بين مختلف فئاتها الاجتماعية , ومشاربها الثقافية في مدينة عدن . ويقال أنّ المقاهي أو المقهى في فترة الستينيات كانت مثابة نوادي ثقافية واجتماعية يلتقي فيها الكثير من الأدباء ، والمثقفين ، يتحاورن ، ويتناقشون ، ويدلون برأيهم حول قضية من قضايا الثقافة . فقد كان للمقاهي أو المقهى دور كبير في الحياة الثقافية والأدبية في مدينة عدن .[c1]شكر وتقدير[/c]والحقيقة أنّ الحديث عن تراث وتاريخ عدن حديث يفيض بالجمال والرواء . وكيفما كان الأمر فإننا نقدم الشكر للباحثة أروى عثمان في تجميعها لصور عدن المختلفة التي جسدت تراث وتاريخ عدن بصورة تدعو إلى الإعجاب . ونشيد ببيت الموروث في صنعاء على إصدار ذلك الكتاب القيم . ولا يسعني في ختام المقال تقديم الشكر والثناء الكبيرين ً للأستاذين الكريمين في مدرسة بلقيس الثانوية في الشيخ عثمان اللذين يتمتعان بثقافة رفيعة وعميقة وهما الأستاذ الجليل عبد الله أحمد علي بادح ، والأستاذ القدير جميل محمد بن محمد الشيباني اللذان وضعا كتاب (( فلكلوريات عدن )) بين يدي بغرض تعريف النشء بتراث وتاريخ ثغر عدن والذي هو جزء لا يتجزأ من تراث وتاريخ اليمن التليد .
|
تاريخ
صور من تراث عدن
أخبار متعلقة