المسابقات التلفزيونية ..
فجأة .. تحول حلم أي شاب يمني بسيط الى كابوس يطاردة ليل نهار .. وسؤال واحد يلح على مسامعه ووجدانه ، متى سأكسب المليون ؟ وليست الحكاية حكاية برنامج هنا او برنامج هناك ، ولكن تلك البرامج التي تقدمها الفضائيات العربية قد تحولت الى كابوس يطارد كل متابعي المسابقات في كل لحظة وعبر كل القنوات الفضائية ويطالب بإجابة سؤال " تافة " في معظم الاحيان عن طريق رقم هاتف يتركه للاتصال به من أي هاتف دولي او محمول .. ويدخل اولئك المتابعين للمسابقات في دوامة وهمِِِ زائف .. وصراع لا ينتهي لتحقيق الحلم .. والمسابقات ليست كلها سلبية او ايجابية ، فهناك نوعان من المسابقات ، نوع ايجابي له هدف ويخرج بافكار جيدة ويعتمد على تراكم الثقافة والمعلومات ويحتاج لقدر من التفكير والمجهود .. ونوع سلبي منتشر في معظم القنوات الفضائية العربية ، وهو نوع من المسابقات يعتمد اساساً على المقامرة باسئلة سهلة جداً يستطيع حلها اي طفل صغير ..ومعظم تلك المسابقات لها اثارها السلبية ، فهي تعطي اولاً الاحساس بالامل والطموح لاي شخص في ان يحصل على قدر من المال ثم تصيبه ثانياً بالاحباط عندما يفشل في الحصول على الجائزة ويحصل عليها غيره .الاخ/ محمد سيف الباحث في علم الاجتماع يقول ان هذه المسابقات نوع من اشكال الترويج في وسائل الاعلام وانه مع التطور التكنولوجي تحتاج هذه الوسائل للتمويل ويكون جزء كبير منه من خلال الاعلانات والبرامج المدعومة والمسابقات ذات الشكل الجذاب ..ولكن .. والكلام لـ سيف .. أغلب هذه المسابقات هي نوع من الخداع وبالذات المكالمات التليفونية والتي تدعو للمضاربة والقمار وتؤكد على مقولة ان كل شيء يحكم المقامرة ، وانني يمكن ان أكسب المليون بالخداع ، ولكن هذا لا ينفي وجود برامج مفيدة لا نرفضها ، وهي برامج جذابة تقدم معلومات شيقة وصحيحة .قد يبدوا الكلام مقنعا .. ولكننا في زحمة تحليلنا الاجتماعي لظاهرة المسابقات لا ننسى الجوانب الاقتصادية لظاهرة المسابقات .. حيث يقول الدكتور / عبدالله الجرموزي - استاذ علم النفس بجامعة صنعاء .. بالطبع هناك جوانب اقتصادية لهذه المسابقات وتتمثل في انها تستثمر اوقات الشباب وتدفعهم الى العمل والجد ، كما انها تحل قيم الاتكال على الغير محل قيم الاعتماد على النفس والعمل والمثابرة والصبر حتى تتحقق الاحلام .. كما ان هذه المسابقات قد تعطي انطباعاً بأن الجميع في حالة طوارئ وتدفع الى امكانية ان يحقق الشباب بعضاً من آمالهم واحلامهم ، وان بامكان اي شاب ان يضرب ضربته ويحصل على ما كان يراه بانه حلم لا يمكن تحقيقه.ولكن ما يحذر منه الدكتور / الجرموزي هو ان بعض البرامج تؤدي الى اهدار اموال كثير من الناس البسطاء كان من المفترض ان يصرفوها في تلبية بعض حاجاتهم الاساسية.ويضيف الدكتور الجرموزي .. والاخطر ان هذه البرامج تخلق نوعية من الناس لا تصلح ان تكون قوى منتجة وكل همها الجلوس امام التلفزيون في انتظار اللحظة التي سيكسبون فيها ، وهو ما سيؤدي في النهاية الى ان يصبح المجتمع مجتمع مقامرين ، مجتمع غير منتج من اجل مكاسب زائلة .وهنا نتجه الى رأي الدين .. فقد سبق ان اصدرت دار الافتاء في مصر بياناً قالت فيه بأن المسابقات الهاتفية عبر وسائل الاعلام صور مستحدثة من صور القمار والميسر والذي نهى الله تعالى عنه في قوله ( يا آيها الذين امنوا ان الخمر والميسر والانصاب والازلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون ) . واكد بيان دار الافتاء بان كل من يشترك في هذه المسابقات هو اما ان يغنم ماله واما ان يغرم ماله بدون عوض ، وذلك هو الغرور الفاحش المنهي عنه والقمار المحرم شرعاً.واشار البيان الى ان هذه المسابقات تشتمل على الغش والتدليس والخداع وآكل اموال الناس بالباطل المحرم شرعاً عن طريق الحصول على اموالهم بطريقة التحايل وتقديم جزء قليل من هذه الاموال في صورة جائزة تكون شراكاً وخداعاً للناس وبواسطتها يجلبون هذه الاموال من اصحابها بدون حق.- اذن فذلك يؤكد بان المسابقات حرام .. ولكن هناك من يقول ان المسألة ليست بهذا الشكل ، حيث يقول الاعلامي / عبدالكريم الجائفي ، مؤلف كتاب / الاعلام واثره في حياة الفرد / ان البعض يرى ان المسابقات حرام ونوع من القمار ، وذلك قد يكون صحيحاً ، ولكن هل هذا يعني ان كل المسابقات حرام ؟! ..يقول : انا لا اظن ذلك ، فهناك مسابقات القرآن الكريم والتي تقدمها بعض القنوات العربية وتدعمها مؤسسات علمية واسلامية في عدد من الدول مثل السعودية والامارات وقطر وغيرها ، فهذه المسابقات تهدف الى تشجيع الشباب على دراسة القرآن الكريم وحفظه ودراسة علومه ، وتعتبر جوائزها دعماً للشباب على ذلك ، والمشاركة في بعض هذه المسابقات ويمكن لمعظمها ان يكون عن طريق الهاتف او البريد وغيرها من وسائل الاتصالات الاخرى ، وكما هو معروف بان استخدام هذه الوسائل جميعها يكلف المال الكثير والوقت والجهد ، فهل نعتبر ذلك انه نوع من القمار او الغش ؟! .. فانا لا اظن ذلك.ولكننا نريد اجابة شافية ، ولذلك فقد توجهنا الى احد علمائنا الافاضل ، يحيى الصائدي - خطيب وامام مسجد .. يقول : هناك انواع من المسابقات يعد تحريمها افتئاتاً على الدين وتضييقاً على المسلمين بغير الحق ، ومنها المسابقات الدينية والعلمية والتي تهدف الى توسيع المعرفة بين الناس ، خاصة الشباب ، ولا تستغل الناس من اجل كسب الارباح الضخمة، وفي هذه المسابقات تطرح الاسئلة ، ثم تتلقى الجهة المنظمة الاجوبة وتفرزها وترسل لها جوائز لمن يجيب ، ويكون ذلك اما بالهاتف او رسائل البريد او غيرها ، وفيها يتكلف المتحدث ثمن المكالمة ، ليخرج منها بقيمة الجوائز وتحصل الجهة المنظمة على هامش من الربح نظير خدماتها ..وهذه المسابقات لا يمكن تحريمها باي حال ، وتحريمها عمل يحمل الدين ما لا يحتمل ويضيق على المسلمين دينهم الواسع الرحب ، اما المسابقات التي لا يمكن تحليلها او الحكم عليها بانها غير محرمة ، فهي المسابقات التي تهدف لاستلاب اموال الناس بغير حق والتي يتم فيها جمع ثمن المكالمات لتأخذ الجهة المنظمة لنفسها النصيب الاكبر منها ، وتعطي بعض المتصلين قدراً من المال ، فهذا بلا شك يعتبر حراماً ، لانه استلاب لاموال الناس بغير حق ، ويعتبر مخالفاً للدين الاسلامي لقوله تعالى( يا ايها الذين امنوا لا تأكلوا اموالكم بينكم بالباطل ) .. ونسأله .. ولكن اذا تعارضت الفتوى من مكان الى اخر ؟ .. يجيب .. في هذه الحالة فان مفتي الجمهورية هو المرجع الاول والاخير والذي يقول في أي نوع من المسابقات بانها مخالفة للدين او حرام او حلال .. والرجوع الى المفتي امر ضروري ليطمئن الانسان الى عمله بان يكون صائباً وبعيداً عن كل شيء يتنافى مع الدين الاسلامي الحنيف .