سعيد محمد سالمين :قدم أبن خلدون تصويراً دقيقا في زمانه لرؤية صاحب القرار إلى المثقف في كتابه الشهير الموسوم بـ “مقدمة أبن خلدون” فقال: “فكل من السيف والقلم آلة لصاحب الدولة يستعين بهما على أمره كذلك في آخر الدولة حيث تضعف عصبيتها أما في وسط الدولة فيستخذ صاحبها بعض الشيء عن السيف لأنه قد تمهد أمره ولم يبق همه إلا في تحصيل الثمرات من الجباية والضبط ومباهاة الدول وتنفيذ الأحكام والقلم هو المعني له في ذلك ويكون أصحاب القلم في هده الحال أوسع جاها وأعلى رتبه وأعظم نعمة وثروة وأقرب من السلطان مجلسا وأكثر إليه تردداً.وينسى المثقفون أن صاحب القرار هو سيد داره ويقوم بافكاك من دراساتهم النظرية لأنه يرى بحق أنهم لا يعيشون الأزمات التي يواجهها فهو لا يريد تفاصيل عن القضايا والأزمات التي يعيشها ليل نهار إنه يريد حلاً للأمر الذي لا يعتقد أغلب المثقفين أنه وأجب عليهم فأغلب المثقفين في نظره لا يميلون إلى لإبداع بل يميلون إلى النقل من غيرهم ومحاكاتهم يدلون بالاقتراحات دون الاهتمام بإمكانية أو كيفية التنفيذ بينما صاحب القرار يعيش تحت ضغط الأزمات ووراءه الجماهير يطالبون بالحلول وهو يعلم أنه لن يقوم من الرأي العام بأفكاره بل بقدرته على تنفيذ تصوراته ووعوده وإلا أصبح كالفيلسوف والفلاسفة لا يحلون المشاكل بل يزيدون من تعقيدها إذ أن لهم طريقتهم الخاصة في النظر إلى الأمور.ويصنف صاحب القرار المثقفين في عصرنا الحاضر إلى تصنيفات أربعة أولها صنف يعطى مشورته الصادقة على شكل بدائل مختلفة وثانيها صنف يعتقد أن آراءه لا يعلى عليها وعلى صاحب القرار الأخذ بها وثالثها صنف يكتب لإثبات المواقف وصنف رابع يداهن السلطة وينافقها ويزين الآراء المطروحة منها لبيعها إلى الجماهير إن صاحب القرار يرتاح إلى الصنف الأول وربما يأخذ عنه ما يناسب معتقداته دون أن يذكر ذلك حتى لا يكون لأحد فضل عليه ويرفض الصنف الثاني إذ لا يرضى أن يكون دمية يحركها آخرون ويحتقر الصنف الثالث أما عن الصنف الأخير فبالرغم من أن غالبية أصحاب القرار يميلون إلى المداهنة فإنهم يملونها بمرور الوقت خاصة أن البدائل متوافرة في السوق.وعلى المثقف أن ينزل من برجه العاجي إلى الشارع والواقع ويحتك بالجماهير ليعيش قضاياها ويبحث عن العلاج ولا يكتفي بتوصيف المشاكل والرجوع إلى أصولها التاريخية فهو مطالب بأن يقترح حلا والتاريخ لا يحل المشاكل فحلها اليوم في الجغرافيا والديموجرافيا.ولو تجنب صانع القرار نظرة أبن خلدون في تعامله مع المثقف على أنه آلة في خدمته ولو عزز المثقف قدرته في أن يجد حلا للمشاكل والقضايا لقامت جسور بين صاحب القرار والمثقفين.
نظرة صاحب القرار للمثقفين بين الأمس واليوم
أخبار متعلقة