إعداد/ وحدة المعلوماتكان اندلاع الثورة في ردفان بقيادة الجبهة القومية هو البداية لمرحلة الكفاح المسلح الذي استمر ملتهباً طيلة أربع سنوات كاملة إلى أن انتهى باستقلال الشطر الجنوبي من اليمن في الثلاثين من نوفمبر، ففي الأشهر الثمانية الأولى من عام 1964م اضطرت بريطانيا إلى القيام بعمليات حربية كبيرة ضد الثوار عرفت بعضها في الوثائق الحربية البريطانية بعمليات (نتكراركر) و(رستم) و(ردفورس) وكانت تلك المعارك بالفعل أكبر معارك بريطانيا خلال حرب التحرير، فقد اشترك فيها آلاف الجنود واستخدمت فيها مختلف أنواع الأسلحة الثقيلة، من طائرات ودبابات ومدافع، كما أن الصحافة البريطانية اصبحت تسمي ثوار ردفان بالذئاب الحمر، وسنتعرف على الكثير من أخبار هذه العمليات وسير المعارك الأخرى التي جرت على قمم جبال ردفان في الصفحات المقبلة مستمدين معظم معلوماتنا من الوثائق السرية البريطانية التي كانت تكتب حول المعارك إبان احتدامها.وسنبدأ هنا تسجيل ما حدث بالضبط قبل القيام بتلك العمليات الحربية الكبيرة التي بدأت في مطلع عام 1964م ففي الثامن والعشرين من ديسمبر 1963م أرسل القائد العام للقوات البريطانية في الشرق الأوسط من عدن هذه البرقية السرية إلى لندن، وهذه هي ترجمتها:(بالرجوع إلى تلغراف المندوب السامي الشخصي رقم 5 / 2 الموجه إلى وزير المستعمراتالموضوع: عمليات في محمية عدن الغربيةإن المندوب السامي منزعج للغاية بشأن تطور نشاط المنشقين (يعني الثوار) في منطقة القطيبي ـ ردفان الواقعة إلى شمال عدن حيث تعرضت مؤخراً إحدى قوافلنا الحربية إلى الضرب عليها وهي في طريقها إلى الضالع وأيضاً قرية (الثمير) إلى الضرب عليها عدة مرات .. وهناك من الدلائل ما تكفي لربط هذا النشاط باليمن (يعنون اليمن الجمهوري).أنني والمندوب السامي نعتقد أنه من الضروري أن نقوم باستعراض قوة مبكراً في هذه المنطقة إذا ما أردنا لمثل هذا النوع من المتاعب أن لاينتشر إلى أجزاء أخرى من الاتحاد، وسيكون الهدف من مثل هذه العملية هو السيطرة على خط مواصلاتنا إلى الضالع ومنع جماعات المنشقين من الدخول إلى المنطقة.إن حجم العملية قد تم الاتفاق عليه مع المندوب السامي وهي تتلخص في حصولنا على قاعدة في منطقة (الثمير) ثم القيام منها بدوريات شرقاً إلى ردفان، وستتم العملية بمساعدة السلاح الجوي وسنستخدم فيها طائرات البحرية الملكية والسلاح الملكي البريطاني.وقد تم التخطيط أن تبدأ العملية في الرابع من يناير (1964م).وستقوم بالعملية الكتيبتان الثانية والثالثة من جيش الاتحاد النظامي، وستدعمها المدفعية البريطانية والفرقة الملكية للمهندسين، إن تجميع هذه القوة سيتطلب تحويل الأعمال التي يقوم بها عادة الجيش الاتحادي النظامي في الضالع وعتق إلى السرية 45 (سي ـ دي ـ أو) وإلى الفرقة 4 (آر) دبابات على التوالي).هذا وفي نفس اليوم الذي أرسلت فيه هذه البرقية نجد أن تقريراً سياسياً سرياً قد كتب في نفس ذلك التاريخ أيضاً (28 ديسمبر 1962م) وهو يحمل تعليمات رقم 20 / 62 وبعنوان: (الموقف القبلي وتقييم الإمكانيات)، ومن هذا التقرير وتقارير المخابرات اليومية نستطيع أن نخرج بصورة عن بداية الكفاح المسلح في جبال ردفان من يوم الرابع عشر من أكتوبر 1963م (يوم استشهاد راجح غالب لبوزة) وحتى الثامن والعشرين من ديسمبر 1963م تاريخ إرسال البرقية المذكورة أعلاه إلى لندن والتي هي في الواقع تؤرخ لبداية دفع بريطانيا بكل ثقلها في معركة ردفان وذلك بغرض القضاء على الثورة وهي في مهدها، كذلك سنخرج بصورة أخرى عن نظرة المخابرات لبداية الثورة والقائمين بها، فهذه هي ترجمة وتلخيص بعض نصوص ذلك التقييم أولاً:[c1]تقييم عام:[/c]أن آل قطيب وآل محلا تدعمهم الأسلحة والذخيرة من اليمن (الجمهوري) وأعداد كبيرة من رجال قبائل ردفان، قد أعلنوا العصيان على الحكومة الاتحادية في منطقة جبال ردفان ويقدر عدد المقاتلين في الوقت الحاضر بـ (200) رجل ويتفاوت هذا العدد بين يوم وآخر، وهناك حوالي (1000) من رجال القبائل المسلحين في المنطقة لم ينخرطوا معهم بعد، إلا أنه يتوقع بأن أعداداً كبيرة منهم ستدعمهم. إن أقل سلاح بحوزتهم هي البنادق والذخيرة، وكثير منهم يحملون البنادق الاوتوماتيكية والقنابل، وقد بلغنا أنهم قسموا قواتهم إلى قسمين، قسم منها يقوم بالضرب على المراكز الحكومية والموظفين والقسم الآخر باقلاق أمن طريق عدن ـ الضالع.[c1]الأهداف القبلية:[/c]لاشك في أن هدفهم هو أن يظهروا لليمن (الجمهوري) مقدرتهم كزعماء للمنشقين في(الجنوب اليمني المحتل)، ليطلبوا بذلك دعماً أكثر لنشاط المنشقين، فبدون ذلك الدعم لن يستطيعوا أن يكسبوا إلا طاعة قليلين من رجال القبائل، وإذا استطاعوا أن يحققوا أهدافهم المباشرة فسيعودون إلى اليمن حتى تهدأ الأمور ثم يعودون لإثارة مشاكل أخرى من جديد.رجال قبائل ردفان: ان قبائل ردفان المنشقة في الوقت الحاضر هي:القطيبي: (خاصة الصهيفي والغزالي والواحدي).المحلأي.العبدلي.الداعري (بعض منهم).الحجيلي (معظمهم)البطري (معظمهم).وبصرف النظر عن المنشقين الصلبين الذين سيحاربون مهما كان الأمر، فإن معظم رجال القبائل لايدعمون آل قطيب وآل محلا إلا لما يحصلون عليه من الاسلحة والذخيرة والنقود، وهم متأثرون بدعم اليمن (الجمهوري).وأما القبائل التي لم تلتزم بدعمهم بعد فهي منتظرة لترى ما ستفعله الحكومة الاتحادية وذلك قبل أن تقرر الميل مع هذا الجانب أو ذاك، إن صمت الحكومة لهو في صالح المنشقين. ان الدعم على أية حال ليس بالاجماع بين أولئك الذين هم مستعدون أن يحاربوا مقابل الاسلحة والنقود. إن أي عمل حكومي قوي سيقلل كثيراً من اتباع المنشقين.[c1]الدعم اليمني (الجمهوري)[/c]يقدم اليمنيون (الجمهوريون) دعماً كبيراً بالإضافة إلى الاسلحة والذخيرة التي تعطى عادة لرجال القبائل الذين خدموا لمدة أربعة أشهر مع الجيش الجمهوري، ويعتقد أن المصريين هم الذين يشجعون هذا الدعم أكثر من الجمهوريين الذين يظهر أن سياستهم نحو محمية عدن قد فقدت اتجاهها.ومن المعروف ان المرتجى، القائد المصري الجديد في صنعاء، يحبذ العمل داخل محمية عدن الغربية بعيداً عن الحدود حيث يمكن للقوات الاتحادية الرد هناك بالمثل على الحوادث التي تحدث بين آن وآخر . إن نشاط المنشقين الحالي في ردفان، رغم قيام الاحتمال في أنه لم يكن للمصريين يد في مبادأته فانه قد شجع كثيراً بواسطة امداداتهم من الأسلحة والذخائر، ويتوقع أن تستمر هذه الامدادات بل ان تزداد في المستقبل.[c1]زعماء المنشقين:[/c]ثم يذهب التقرير يعدد أثني عشر زعيماً للمنشقين بمن فيهم محمد غالب لبوزة أخو الشهيد راجح بن غالب لبوزة.[c1]اسلحة المنشقين:[/c]وبغض النظر عن مختلف المجموعات من البنادق التي يمتلكها عادة رجال القبائل، ففي حوزة المنشقين البنادق الآلية ونصف الآلية والمورترز والألغام والقنابل.ومن موجز تقارير المخابرات البريطانية في الفترة ما بين 14 أكتوبر و27 ديسمبر 1963م، سنخرج بصورة اكثر تفصيلاً عن كيفية تجمع الثوار واستعداداتهم للمعارك الكبرى مع القوات البريطانية في مطلع عام 1964م، وهذه ترجمة لبعض تلك الأجزاء من تلك التقارير خلال فترة أكتوبر ـ نوفمبر ـ ديسمبر 1963م.16 أكتوبر 63م: بلغنا أن زعماء المنشقين يطالبون بالحاح في تعز بالحصول على الأسلحة لكي يستخدموها ضد دورياتنا في وادي (المصراح) ويقوم الكبسي بدعمهم بقوة.6 نوفمبر 63: بلغنا أن عدداً من المنشقين قد عادوا إلى محمية عدن الغربية بهدف تجنيد (2000) مقاتل للخدمة الجمهورية في اليمن، وقد احضروا معهم (5) صناديق من الذخيرة و(25) قنبلة يدوية، وقد نقل بعضهم عائلاتهم من منطقة المحلأي إلى منطقة الداعري حيث يعتقد أنهم سيقومون بحملاتهم التجنيدية هنالك، وقد استمرت هذه الحملة خلال شهري نوفمبر وديسمبر وكانت ناجحة للغاية، وقد بلغنا أنها قد أرضت المصريين كثيراً، كما بلغنا أيضاً أن رجال القبائل منذ ذلك التاريخ قد بدؤوا بنقل عائلاتهم إلى اليمن (الجمهوري) وذلك لتوقعهم انفجار الموقف في ردفان.1 ديسمبر 63: بلغنا أن بعض المنشقين كانوا يقومون بمفاوضات مع القبائل بهدف تجميد الثارات القبلية وذلك لكي يتمكنوا من تجنيد المقاتلين للخدمة في اليمن (الجمهوري)، وكذلك من توحيد القبائل للقيام نشاط تمردي عندما يحين الوقت .. وقد استطاعوا عقد اتفاقيات بين القبائل التالية:العبدلي و البعطئي.الداعري و المحلاءي.آل شيخ و حالمين.البطري و القطيبي.الضنبري و القطيبي.ويعتقد أن كثيرين من رجال القبائل قد غادروا إلى اليمن (الجمهوري).4 ديسمبر 63م: بلغنا ان (80) قطيبياً قد وصلوا إلى قعطبة في طريقهم من صنعاء وان في حوزة معظمهم بنادق أوتوماتيكية، والجميع يمتلكون بنادق من الأصناف الأخرى.5 ديسمبر 63م بلغنا أن (90): محلائياً وعبدلياً وداعرياً قد عادوا إلى قبائلهم بالبنادق والقنابل.6 ديسمبر 63م بلغنا أن (40): قطيبياً وضنبرياً قد عادوا إلى قبائلهم.7 ديسمبر 63م: بلغنا أنه في الثالث من ديسمبر قد وصل إلى قعطبة (110) بطرياً وقطيبياً في طريقهم إلى بيوتهم وكان كل واحد منهم يحمل بندقيتين وكمية من الذخيرة مقابل خدماته مع الجمهورية.9 ديسمبر 63م: بلغنا أن أحد زعماء المنشقين قد استلم (25) صندوقاً من الذخيرة ومجموعة من القنابل من اليمن (الجمهوري).10 ديسمبر 63م: بلغنا أن (150) عبدلياً قد عادوا من اليمن (الجمهوري) وبحوزتهم مختلف الاسلحة وان كل واحد منهم كان يحمل قنبلتين.12 ديسمبر 63م: نقل أحد زعماء المنشقين عائلته إلى قعطبة وقد رتب اجتماعاً في (وحدة) مع آل قطيب الذين عادوا مؤخراً من اليمن ( الجمهوري).16 ديسمبر 63م بلغنا أن بعض زعماء المنشقين يقومون بتوزيع الالغام من أجل استخدامها في طريق الضالع ـ عدن، وفيما بين الساعة الثانية والثالثة صباحاً اطلق (50) شخصاً النار على مركز (الثمير) و(الحبيلين) وبيت النائب ومساعد الضابط السياسي.مساء 17/16 ديسمبر 63م: حاول (30) قطيبياً تدمير مضخة النائب بينمات تجمع (40) آخرون لاطلاق النيران على بيته وعليه إن هو حاول الخروج منه وقد تبودلت النيران بين الجانبين.مساء 18/17 ديسمبر 63م: اطلقت النيران على مركز (الثمير).18 ديسمبر 63مأ) اطلقت النيران على دورية من جيش الاتحاد النظامي من على بعد 350 ياردة وهي في طريقها للتحقيق في منطقة (الثمير).ب) أن الجماعة التي كانت تقوم بإطلاق النيران كل ليلة على (الثمير) قد عرفت هويتها الآن بأنها من العبدلي والمحلاءي والحجيلي والقطيبي.20 ديسمبر 63م: اطلقت النيران على (الثمير) الساعة 9:3021 ديسمبر 63م:أ) بلغنا أن القائد المصري في اليمن (الجمهوري) كان يحبذ اتخاذ موقف أكثر عدائية في الجنوب بما في ذلك التخريب (وقد بلغت إلى مسامعنا هذه الاشاعات بواسطة مصادر أخرى قبل اسبوعين) وبلغنا أن أحد زعماء المنشقين كان ينوي البقاء في ردفان حتى يرى مدى المعارضة.ان الشعور العام هو أنه مالم تبادر الحكومة الاتحادية إلى اتخاذ اجراءات سريعة ضد المنشقين بالقوة فإن القبائل المحايدة ستنضم إلى جانبهم.ب) بلغنا أن المنشقين قد قسموا قواتهم إلى قسمين: قسم يشتبك مع المراكز الحكومية والقسم الآخر يتدخل في سير المواصلات في طريق الضالع ـ عدن.يقدر عدد المسلحين من رجال القبائل في ردفان بـ (1000) رجل مسلحين بالبنادق بعضها أوتوماتيكية والقنابل وأما عدد الملتزمين بالقتال مع المنشقين فهم حوالي (200).د) بلغنا أن الدعم مستمر من اليمن (الجمهوري) والاحتمال أنه يقدم بواسطة الكبسي الذي كان موجوداً في قعطبة، وقد طلب أحد زعماء المنشقين من الجمهورية العربية اليمنية ان تعفي من الخدمة بعض رجال القبائل لكي يقاتلوا معهم ووعدوا بتقديم البديل لهم فيما بعد.22 ديسمبر 63م الساعة (30ر6 ـ 00ر8): اطلقت النيران على مركز الثمير من جبل طلز من على بعد (900) ياردة.24 ديسمبر 63م:أ) وزع أحد زعماء المنشقين (50) قطعة من الذخيرة بين رجال قبائل ردفان ووعد بتقديم المزيد عند الحاجة، وقد بلغنا أن آل قطيب وآل محلا قد استلموا رسالة من الكبسي يخبرهم فيها بأن يستمروا في اطلاق النيران على المراكز الحكومية وعندما يأتون إلى اليمن (الجمهوري) بأن يحضروا اشخاصاً مهمين معهم.ب) أرسل أحد زعماء المنشقين في يافع رسائل إلى قبائل ردفان يقترح فيها عقد صلح بين ردفان ويافع على أساس أن تبقى طريق وادي تيم مفتوحة، لايوجد هنالك ما يدل على تقديم مساندة فعالة من قبائل يافع لقبائل ردفان، إلا أن هذا يجب أن لايسقط من الحسبان فيما لو تفجرت العمليات قرب وادي بنا.25 ديسمبر 63م: بلغنا أن أربعة ضباط مصريين قد ذهبوا إلى قعطبة وقاموا بتفتيش المواقع العسكرية والمعدات هناك، وقد نقلت بعض المدافع إلى جبل مريس (ويحتمل أن يكون هذا استعداداً لما يحتمل أن تقوم به الحكومة الاتحادية من ردع ضد قعطبة بسبب دعم اليمن “الجمهوري” للمنشقين في ردفان، كما يمكن أن يكون استعداداً لضرب الثوار في لواء إب الذين استطاعوا تحقيق بعض النجاح هناك قبل بضعة أيام، واياً كان الأمر فإن وجود المصريين في قعطبة جدير بالاهتمام).[c1]معارك ردفان[/c]لقد وافقت لندن بعد استلام تلك البرقية المؤرخة 28 ديسمبر في أن تقوم السلطة العسكرية في عدن بعملية حربية كبيرة ضد الثورة في ردفان مباشرة بعد عطلة رأس السنة الجديدة 1964م وقد حدد الزعيم «لنت» رئيس جيش الاتحاد المهمة كالتالي:(القيام باستعراض قوة في منطقة ردفان بهدف أن يضطر الاثنا عشر منشقاً ومجاميعهم إلى الانسحاب من المنطقة وحتى يفهم رجال القبائل ان الحكومة لديها المقدرة والإرادة في أن تدخل ردفان متى ما أرادت ذلك).
بدايات الثورة في تقارير المخابرات البريطانية
أخبار متعلقة