انتهاكات بيئية على الأراضي الفلسطينية
القدس/14اكتوبر/متابعات::أصبحت القضية الفلسطينية في أذهان الكثيرين تنحصر في قضية القتل والقتل المضاد، سواء من الجانب الفلسطيني أو الإسرائيلي، لكن القليل من وسائل الإعلام هي التي تركز على القضية الرئيسية..وهي قضية الأرض والتغييرات الجغرافية التي تحدثها إسرائيل على أرض الواقع في فلسطين؛ حيث تقوم إسرائيل منذ احتلالها لفلسطين عام 1947م ليس فقط بإحداث تغييرات ديموغرافية، بل إن الأخطر من ذلك هو التغييرات الجغرافية والبيئية التي تحدثها. كما تقوم بتلويث البيئة بما لا يمكن معه استقامة الحياة بأي حال من الأحوال. أنواع التعديات البيئية التي تقوم بها إسرائيل داخل الأراضي الفلسطينية أكثر من أن تحصى، بل هي تحتاج إلى دراسات ودراسات، إلا أننا نقدمها هنا بإجمال لتوضيح الصورة وإظهار نوع الحياة التي يعيشها أهل فلسطين. التلوث الناتج عن المستعمرات الإسرائيلية يذكر معهد الأبحاث التطبيقية في القدس في دراسة له أنه يعيش حاليًا في الأراضي الفلسطينية 400 ألف مستوطن يستهلكون مصادرها الطبيعية بطريقة غير مرشدة مقارنة بالإمكانات المتاحة؛ فكما هو معروف فإن غالبية المستعمرات الإسرائيلية تقع على قمم التلال، وتقوم بتصريف مياهها العادمة إلى الأودية والمناطق الزراعية الفلسطينية. وحسب معدلات إنتاج المياه العادمة المتوفرة، فإننا نجد أن كمية المياه العادمة الناتجة من مجموع المستعمرات الإسرائيلية (حوالي 30 مليون متر مكعب في السنة)، أي ما يعادل تقريبًا ما تنتجه التجمعات الفلسطينية في الضفة الغربية قاطبة (31 مليون متر مكعب في السنة). وتؤدي المياه العادمة التي تصب في الأراضي الزراعية الفلسطينية إلى حدوث تلف في المزروعات، وكذلك فإن بعض المستعمرات تصرف مياهها العادمة بالقرب من مصادر المياه الفلسطينية معرضة إياها للتلوث. أما بخصوص ما تنتجه المستعمرات الإسرائيلية من مخلفات صلبة، فإننا نجد أن ما تنتجه يصل إلى حوالي 614 طنًّا من المخلفات الصلبة في اليوم، في حين أن ما ينتجه مجموع سكان الضفة الغربية قاطبة يصل إلى 1370 طنا في اليوم. وللمقارنة كذلك، ينتج المستوطنون الذين يمثلون ما يعادل سدس سكان الضفة الغربية ما يعادل نصف ما ينتجه سكان الضفة الغربية من المخلفات الصلبة. [c1]التلوث الناتج عن المناطق الصناعية الإسرائيلية [/c]هناك ما لا يقل عن سبع مناطق صناعية إسرائيلية تم إقامتها في أجزاء مختلفة من الأراضي الفلسطينية، ويتم إدارتها بالكامل من قبل المستعمرين الإسرائيليين وفي غياب تام للسلطة الفلسطينية أو أي جهة مراقبة أخرى. ومن دراسة نوعية الصناعات في هذه المناطق نجد أنها تتضمن العديد من الصناعات المتباينة، فمنها مصانع الألومنيوم، ودبغ الجلود، والإلكترونيات، والغزل والنسيج، وصناعة البطاريات، والفيبرجلاس، والبلاستيك، والأسمدة، والدهان على الأسطح، وتشكيل المعادن، وإعادة تدوير الزيوت، بالإضافة إلى العديد من الصناعات التي لا يوجد مصدر لشرح هويتها أو أنها صناعات عسكرية حربية سرية لا تتوفر معلومات عنها. كذلك قامت إسرائيل بترحيل العديد من الصناعات ذات الأضرار البيئية من مناطقها إلى مناطق حدودية بين الضفة الغربية وغزة من جهة، وبين إسرائيل من الجهة الأخرى، وفي أغلب الأحيان كان الدافع وراء النقل هو شكوى السكان المحليين من أثر تلك الصناعات على حياتهم أو مساكنهم، فتم نقل معظمها للمناطق الحدودية. تنتج جميع هذه الوحدات الصناعية مخلفات، منها ما يكون على شكل سائل، أو غاز، أو صلب. جميع هذه المخلفات بلا استثناء يتم تصريفها للبيئة الفلسطينية. [c1]نقل المخلفات الخطرة إلى الأراضي الفلسطينية [/c]الدلائل تشير إلى أن السلطات الإسرائيلية أو على الأقل جهات معينة فيها تتبع أسلوبا مدمِّرا للبيئة الفلسطينية، وذلك بتسهيل تهريب مخلفات كيماوية وطبية أو غيرها سامة أو ضارة إلى المناطق الفلسطينية، وبمساعدة حفنة من ضعفاء النفوس الفلسطينيين. وهناك العديد من الحالات التي تم الكشف عنها في مناطق السلطة الوطنية، ناهيك عن الحالات التي لم يتم كشفها. فقد تم اكتشاف 29 برميلاً من النفايات الخطرة في منطقة خان يونس قام المستوطنون بإلقائها في مناطق السلطة الوطنية. وفي حادثة أخرى تم اكتشاف 223 برميلاً من النفايات الخطرة والسامة في منطقة جنين شمال الضفة الغربية. وعند التحقق من طبيعة النفايات وجدت أنها تحوي مخلفات الصناعات العسكرية، وبعض المواد المشعة والمواد المسرطنة. وترفض السلطات الإسرائيلية تطبيق ميثاق «بازل» الذي يحظر على الدول الأعضاء نقل أي مواد خطرة إلى أراضي دولة أخرى بحجة أن المناطق الفلسطينية لم يعترف بها كدولة بعد. [c1]تدهور الغطاء النباتي والتنوع الحيوي [/c]أدى قطع أشجار الغابات بسبب الزحف العمراني على المناطق الخضراء لإنشاء المستعمرات الإسرائيلية إلى تدمير التنوع الحيوي في فلسطين. ومن الواضح أن إسرائيل تستخدم اسم المحميات الطبيعية والمناطق الخضراء لمصادرة الأرض بهدف استغلالها في المستقبل لأغراض الاستيطان. فقد قامت إسرائيل - على سبيل المثال - بقطع وتجريف غابة وادي الملاقي بين قرى نعلين وبلعين؛ لإنشاء مستوطنات «بيتاتياهو» و»كريات سيفر» عليها. كما قامت بقطع غابات العيزرية حتى الخان الأحمر لإقامة مستوطنة معاليه أدوميم والخان الأحمر، كما قامت مؤخرا بتجريف غابة جبل أبو غنيم بهدف إنشاء مستعمرة «هارحوما»، مع العلم أن تلك المنطقة كانت قد أعلنت من قبل السلطات الإسرائيلية «منطقة خضراء». كما يقوم المستوطنون بشن حملات عدوانية مكثَّفة على الأراضي الزراعية الفلسطينية، ممثلة بإبادة مئات الأشجار عن طريق رشها بمواد كيماوية خطرة، كما حدث في قرية «الخضر» الواقعة إلى الجنوب من مدينة بيت لحم، وفي قرية «ترمسعيا» في محافظة رام الله، بالإضافة إلى مساحات زراعية واسعة في محافظة الخليل. قام الجيش الإسرائيلي أيضًا في الخامس من مايو 2001م بضرب نيران على إحدى التلال المجاورة لمستوطنة إيرفات اليهودية التي تقع بالقرب من قرية أرتاس الفلسطينية، وهو ما أدى إلى إحراق ما يقرب من 20 دونما من الأراضي، بما فيها من أشجار من أجل زيادة رقعة المستوطنة اليهودية. وتقوم الحكومة الإسرائيلية باستغلال المناطق الفلسطينية سياحيًّا، وذلك باستنزاف طبيعتها، مثل منطقة عين الفشخة، وشاطئ البحر الميت، وهو ما أضر بالبيئة الطبيعية والتنوع الحيوي في المنطقة، حيث قامت بإزالة الأشجار لبناء المرافق السياحية، فعلى سبيل المثال لم يبْقَ في المنطقة سوى شجرة واحدة من «السيال» على شاطئ البحر الميت، ولم يتبق إلا مساحة 3 دونمات من شجرة الأراك. كما قامت إسرائيل بتحويل المياه عن مجاريها الطبيعية لبرك السباحة، وهو ما أثَّر سلبا على البحر الميت، وأدى بالإضافة لعوامل أخرى إلى انخفاض مستواه بشكل ملحوظ. [c1]مفاعل ديمونة الإسرائيلي والتلوث النووي[/c] مفاعل ديمونة الإسرائيلي الموجود بصحراء النقب منذ عام 1965م مكوَّن من تسعة مبان بما فيها مبنى المفاعل. وقد تخصص كل مبنى من تلك المباني التسعة في إنتاج نوع معين من المواد التي تستعمل في إنتاج الأسلحة النووية، فمواد البلوتونيوم والليثيوم والبريليوم التي تُستخدم في صناعة القنبلة النووية تنتج هناك، هذا بالإضافة لإنتاج اليورانيوم المشبع والتريتيوم. ووفق التقارير الصادرة فإن هناك اعتقادًا بأن المفاعل الإسرائيلي استهلك خلال الثلاثين عامًا الأخيرة 1400 طن من اليورانيوم الخام. ولا يتم تحضير القنبلة النووية في ديمونة، بل يتم نقل المادة الجاهزة بسرية تامة إلى مركز تجميع الرؤوس النووية في شمال حيفا. وتشير التقديرات إلى أن إسرائيل تنتج ما يقارب 40 كجم من البلوتونيوم سنويًّا، وهو ما يدل على أن قوة تشغيل المفاعل قد تصل إلى 150 MW. وفي أواسط الستينات فجرت إسرائيل قنبلة بقوة صغيرة جدا في نفق أرضي محاذ للحدود مع مصر. وقد أدى الانفجار إلى اهتزازات أرضية بالنقب وشبه جزيرة سيناء. وتشير بعض التقارير إلى أن المفاعل أصبح قديما (35 عاما) بحيث تآكلت جدرانه العازلة، وهو ما قد يؤدي إلى تسرب بعض الإشعاعات من المفاعل، وهو ما قد يحدث أضرارًا بيئية وصحية جمة لسكان المنطقة بشكل عام. وحسب التقارير الداخلية التي صيغت في ديمونة، فإن المفاعل النووي يعاني من ضرر خطير ينبع من إشعاع نيتروني. ويحدث هذا الإشعاع أضرارا بالمبنى، فالنيترونات تنتج فقاعات غازية صغيرة داخل الدعامات الخرسانية للمبنى وهو ما يجعله هشًّا وقابلاً للتصدع. وبالرغم من استبدال بعض الأجزاء فإن هناك خلافًا جديًّا يدور حول ما إذا كان من الأفضل وقف العمل في المفاعل بشكل تام قبل وقوع الكارثة. وجدير بالذكر أن إنتاج البلوتونيوم يشكِّل إحدى أخطر العمليات في العالم؛ إذ حسب التقديرات فإن إنتاج كل كيلوجرام واحد من البلوتونيوم يصنع أيضًا 11 لترًا من سائل سام ومشع لم يتمكن أحد حتى الآن من شل فاعليته. ومع ذلك ورغم مشاكل ديمونة، وقيام قسم من الفنيين برفع دعاوى ضد الحكومة جراء أمراض لحقت بهم، فلم يتم تحسين الوضع في المفاعل. فهناك خطر حقيقي على المنطقة بشكل عام ينتج من التجارب النووية التي تنفَّذ في مفاعل ديمونة الإسرائيلي. فإسرائيل -التي تنكر امتلاك الأسلحة النووية رسميا- عُرفت بتنفيذ مثل هذه التجارب بتمويل وخبرات أمريكية. والأخطر من هذا هو التخلص من النفايات النووية، حيث لا توجد معلومات عن أماكن دفنها، ولا يستبعد أن تتخلص إسرائيل من تلك النفايات في الأراضي الفلسطينية أو في البحر، حيث كُشفت عدة محاولات لها للتخلص من المواد الخطرة عن طريق دفنها في المناطق الفلسطينية. [c1]الألغام الأرضية [/c]خطر حقيقي آخر يتهدد المنطقة وهو موضوع الألغام الأرضية التي زرعتها إسرائيل في المناطق المحتلة، فقد قامت بزرع الآلاف من الألغام عام 1967م. ومن المتوقع أن هناك 51 حقل ألغام في المناطق الفلسطينية موزعة على الأغوار، وشمال وجنوب الضفة الغربية، وخاصة المناطق المحاذية للخط الأخضر. وتنفجر هذه الألغام بفعل ملامسة أي شخص لها، وهو ما أدى إلى وقوع المئات من ضحايا تلك الألغام والأجسام المشبوهة. [c1]الهجمات الإسرائيلية على القطاع الزراعي الفلسطيني لقد تم منذ بداية انتفاضة الأقصى الكثير من الهجمات الوحشية على القطاع الزراعي الفلسطيني، نذكر على سبيل الذكر وليس الحصر: تدمير 44 مزرعة للدواجن، قتل 765 من المعز والخرفان، قتل 53 بقرة، تدمير 2220 خلية نحل، تدمير 130 بئرا، تدمير 207 من منازل الفلاحين، قتل 70706 من الدواجن، جرف 5284 دونما من أنظمة الري، تدمير 111980 مترا من مواسير المياه، تدمير 431.4 دونما من الخضر المزروعة داخل البيوت الزجاجية، تدمير 3410 دونمات من الأراضي المزروعة المكشوفة. (هذه التقديرات حتى نهاية يونيو 2001م). [c1]النفايات الصلبة [/c] بسبب سياسة الحصار الإسرائيلية على الطرق والقرى والمدن الفلسطينية لا يتسنى نقل النفايات الصلبة إلى مقالب النفايات المخصصة للتخلص منها. وبالتالي فإن القمامة تتراكم داخل التجمعات الفلسطينية، متسببة بذلك في تجمع الحشرات الضارة وصنع الروائح الكريهة، وهو ما يتسبب في انتشار الأمراض والأوبئة. ومن أجل التعامل مع مشكلة النفايات قام الفلسطينيون بحرق قمامتهم، وهو ما أدى دون وعي منهم إلى تلوث بيئي من نوع آخر. بالإضافة إلى حرق النفايات كمصدر لتلوث الهواء، وما تنتجه المستعمرات والمناطق الصناعية الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية، فإن هناك مصادر أخرى لتلوث الهواء. فالهواء الغربي ينقل ملوثات من حركة المرور الكثيفة في وسط إسرائيل ومن المناطق الصناعية المختلفة في إسرائيل للمناطق المختلفة في الضفة الغربية. كما أن الإغلاق المتكرر وتدمير الشوارع الرئيسية أدى إلى لجوء المواطنين الفلسطينيين إلى البحث عن طرق بديلة، عادة ما تكون أطول بأضعاف من الطرق الرئيسية وأقل جودة، وهو ما يزيد من معدل الملوثات الهوائية المنبثقة من وسائل النقل المختلفة والمتحركة على الطرق. [c1]تغيير المعالم الجغرافية[/c] تقوم السلطات الإسرائيلية بتغيير المعالم الجغرافية في فلسطين من أجل إقامة المستوطنات والطرق الموصلة إليها، بالرغم من توقيع المعاهدات التي تمنع اتخاذ مثل تلك الإجراءات. ومثال على ذلك استقطاع جزء من إحدى التلال المجاورة لمستوطنة أوتنيل بالخليل؛ من أجل عمل طريق يوصلها بإسرائيل.