قراءة في صفحة من صفحات تاريخ اليمن
محمد زكرياالمؤرخ والمحقق الكبير القاضي إسماعيل بن علي الأكوع ـــ حفظه الله ـــ الذي بلغ من العمر أكثر من ثمانين عامًا مازال يتحفنا بمؤلفاته الرائعة سواءً كانت تأليفا أو تحقيقاً في ميدان تاريخ اليمن الإسلامي واستطاع بمهارة فائقة واقتدار أنّ يفتح ملفات قضايا تاريخية هامة ، كانت غائبة في بطن التاريخ أو نسيًا منسيا في ذاكرة الأمة . ومؤرخنا القاضي إسماعيل الأكوع يتسم بأنه يخوض في شؤون تاريخية طريقها مفروشة بالصعوبات والعقبات الجمة ولكنه يتمكن بخبرته ودرايته العميقين الواسعين أنّ ينير لنا الطريق للوصول إلى أقرب نقطة من قلب حقائق التاريخ التي كانت في يومٍ من الأيام بعيدة المنال .ومن الكتب القيمة التي قام القاضي إسماعيل الأكوع بتحقيقها بصورة تدعو إلى الإعجاب كتاب (( معجم البلدان )) للمؤرخ الإسلامي المشهور ياقوت الحموي المتوفى بحلب في سوريا سنة ( 626هـ / 1228م ) ويصادف هذا التاريخ شروق شمس الدولة الرسولية في اليمن الغرة الشادخة في مفرق جبينها ـــ حسب قول مؤرخنا الجليل القاضي إسماعيل الأكوع ـــ الذي امتد حكمها أكثر من مئتي سنة. واستطاع مؤرخنا صاحب القدح المعلى القاضي إسماعيل الأكوع غربلة الكثير والكثير جدًا حول ما ذكره وسجله ودونه ياقوت الحموي عن الُبُلدان اليمنية . ولسنا نبالغ إذا قلنا إنّ ما قام به مؤرخنا ومحققنا النابغة القاضي إسماعيل الأكوع في تحقيق كتاب ( معجم البلدان ) لصاحبه ياقوت الحموي الجزء الخاص في البلدان اليمانية يعد آية من آيات فن التحقيق الذي يجب ويتوجب أنّ ينهجه الباحثون المؤرخون والمحققون الناشؤون في ميدان التحقيق اليمنية . [c1]قصته مع الكتاب [/c] ويتطرق مؤرخنا القاضي إسماعيل بن علي الأكوع كيف صافحت عيناه لأول مرة (( معجم البلدان )) لياقوت الحموي ، وكانت سنة ( 1359هـ / 1940م ) ، وكان هذا الكتاب في حوزة العلامة عبد الله الديلمي وهو من “ أعيان اليمن عقلاً ، وسياسة ، ودهاءً ، وحزمًا ، وشجاعة “ . وكلما كان يتوغل في قراءة هذا الكتاب ، كان يكبر في نظره مؤلفه ، فيقول : “ وعجبت كيف تأتى له ( يقصد ياقوت الحموي ) أنّ يجمع في هذا الكتاب المادة الجغرافية الواسعة ، وأنّ يحيط بأوصافها وتاريخها وما يتعلق بها من لغة وأدب ونحو وصرف وتراجم وفلك وقصص إلى غير ذلك من الفوائد التي أودعها كتابه ؟ “ . ويذكر مؤرخنا القاضي إسماعيل الأكوع عندما كان شابًا كان يشعر بالسعادة المفرطة ، والزهو والنشوة الكبيرين أمام زملائه ، ووالده ، وبعض أساتذته من العلماء وهو يحدثهم عن هذا الكتاب . وفي هذا الصدد ، يقول : “ ولقد كنت أحس بنشوة كبيرة ، وأنا أتباهى بما عرفت من هذا الكتاب ، وبما علمت من أمره أمام أترابي وزملائي ، وأتحدث عنه مبتهجًا في مجلس والدي ، وفي بعض مجالس العلماء الآخرين رحمهم الله جميعًا “ .[c1] زيارة جديدة للكتاب[/c] وروى القاضي إسماعيل الأكوع كيف أنه انقطعت صلته بهذا الكتاب نحو ثلاثين عاما بسبب دخوله في دوامة الحياة السياسية القاسية في عهد الإمام يحيى ، فيقول : « فاعتقلت مرتين أولاهما في عهد الإمام يحيى سنة 1363هـ ( 1944 م ) والأخرى بعد فشل ثورة الأحرار في أعقاب مقتل الإمام يحيى سنة 1367 هـ 1948م وتقلبت بي الديار والمنازل بعد خروجي من معتقل الإمام أحمد في حجة ثم من اليمن نفسها “ . ويروي مؤرخنا الكبير القاضي إسماعيل الأكوع كيف التقى بالكتاب مرة أخرى أو التقى الكتاب به مرة أخرى بعد تلك الغيبة الطويلة بينهما ، وكان ذلك بعيد قيام الثورة السبتمبرية المجيدة سنة ( 1383 هـ / 1962م ) حيث تفرغ للقراءة والتأليف . وكان مجلد ( معجم البلدان ) لا يبارح خياله . ونظرا لمشواره الطويل مع تاريخ اليمن وجغرافيته ، فقد اكتسب خبرة ودراية واسعتين مكنته من التعمق في معرفة تاريخ وجغرافية بلدان اليمن مما أتاح له أنّ يكشف الأخطاء الكبيرة والتصحيفات الكثيرة الذي قع بها ياقوت الحموي في كتابه وهو يصف الكثير عن بلدان اليمن . وفي هذا الصدد ،يقول القاضي إسماعيل الأكوع : “ فأعدت قراءة ما كتبه ياقوت الحموي عن بُلدان اليمن فوجدت ـــ بعد أنّ اتسعت معرفتي باليمن بلداناً وتاريخًا ـــ أنّ هناك كثيرًا من الأخطاء والأوهام وقعت في هذا الكتاب ، إمُا في ضبط اسم البلد ، وإمّا في تحديد موقعه ومكانه أو في تقدير المسافة التي تفصل بينه وبين مكان آخر عرّفه به وقرنه إليه ، وإمّا في تعيين المسمى إذا كان الاسم مشتركًا بين موضعين فأكثر “. ويزيد مؤرخنا القاضي إسماعيل الأكوع في توضيح وتحديد الأخطاء التي وقع في شباكها ياقوت الحموي وهو يصف عدداً من مناطق اليمن ابتداء من بلدانها ، ومرورا بجبالها ، وسهولها ، وانتهاء بقلاعها ، وحصونها ، فيقول : “ فمن تلك الأخطاء على سبيل المثال ما ذكره ياقوت عن حصن ناعط . فقد وصفه ، بيقوله : (( حصن في رأس جبل بناحية اليمن قديم ، كان لبعض الأذواء قرب عدن )) . والصحيح في التعريف به : “ أنه حصن أثري في أعلى جبل ثنَين من خارف أحد بطون حاشد في الشمال من صنعاء على مسافة ستين كيلو مترًا تقديرًا ، كما أنه ليس قريبًا من عدن فبينه وبينها أكثر من خمسمائة كيلومتر تقديرا ، إذ تقع عدن في أقصى أطراف اليمن من الجهة الجنوبية “ . [c1] ذو جبلة[/c] ويمضي مؤرخنا في إماطة اللثام عن الأخطاء التي وقع فيها ( ياقوت ) في وصف عدد غير قليل عن بلدان اليمن على سبيل المثال عن مدينة جبلة ، فيقول : « ووصف مدينة ذي جبلة ، بقوله : (( مدينة باليمن تحت جبل ( صَبِر ). وهذا غلط واضح ؛ فالمدينة التي تحت جبل صَبر هي مدينة تَعز ، وقد ذكرها في موضعها ، وأمّا ذو جبلة فإنها تقع بالقرب من السفح الشمالي لجبل التعّكَر » .[c1] جبل صَبر [/c]ويشير مؤرخنا الكبير القاضي إسماعيل بن علي الأكوع إلى أسماء العلماء والمشائخ الذين أوردها ياقوت الحموي في كتابه بأنهم ينتسبون إلى بلدة صبر . وفي هذا الصدد ، يقول : « وكان أحياناً ينسب إلى البلدة التي يذكرها من ليس منها ولا نسب إليها ، فقد ذكر في التعريف بجبل صبر ما يلي : وإليه ينسب أبو الخير النحوي الصبري شيخ الأهنومي الذي كان بمصر ، ونشوان بن سعيد صاحب كتاب ( شمس العلوم وشفاء كلام العرب من الكلوم ) مع أنه لا علاقة لنشوان بهذا الجبل ، ولم يكن منسوبا إلى صبر ، وإنما له علاقة بصبر بفتح الصاد والباء وهو واد في ناحية سحار من بلاد صَعدة ، إذ يقال : أنه دعا إلى نفسه ونسب أويس القرني إلى قرن : مقيات أهل نجد والصحيح في نسبته إلى قرن مراد . . . ونسب زيد بن عبد الله اليافعي شيخ الإمام يحيى ابن أبي الخير العمراني إلى يَفاع قرية من بلاد ذمار ، والصحيح أنه منسوب إلى قرية يفاعة من أعمال الجند من نواحي تعز « . ويضرب مؤرخنا القاضي إسماعيل الأكوع بعض الأخطاء الذي وقع في شباكها ياقوت عندما وصف بعض جبال اليمن ، وأعمالها ، فيقول : « كما ذكر أسماء معرفة بالألف واللام مثل التّعكر ، فقال فيه : تعكر ، وذكر الزعازع برائين معجمتين من أعمال لحج ، والصحيح برائين مهملتين ، وكان أحياناً يذكر اسم البلد ، ويقول : بلد أو حصن باليمن ، ولا يذكر في أي ناحية هو . وقد يذكر بلدًا ولا يعين الإقليم الذي هو فيه ؛ فقد ، قال : وحبيش بلفظ التصغير وآخره شين معجمه : موضع في قول نصر « . فهذا البلد هو ناحية من أعمال إبّ ولكنه نسى أنّ يذكر أنه من اليمن. وركيح لم يذكر أنه من اليمن وكذلك أبرق عمران ، وقد أوردت الأسمين وإنّ لم يذكر الناحية التي هما فيه « . [c1] « مخاليف اختفت أسماؤها «[/c] ويقول مؤرخنا القاضي إسماعيل الأكوع بأنّ ياقوت الحموي ذكر أسماء مخاليف اختفت من سطح اليمن وصارت خرابًا ، وأطلالاً دارسة من ناحية ومخاليف أخطأ في تحديد مكانها من ناحية أخرى . وفي هذا الشأن ، يقول : « مثل مخلاف صُداء ، فقد ذكر أنه من نواحي صنعاء ، وذكر أسماء مواضع كثيرة في هذا الكتاب معروفة في ناحية ( بني مطر ) ، قال : « إنها مخلاف صُداء من أعمال صنعاء ، وليس بشيء . وذكر محلات كثيرة من مخلاف سنحان المجاور لصنعاء وبعضها ، قد صار من ناحية خلان الطيال ( خولان العالية المجاورة لسنحان من جهة الشرق » . [c1] الغاية من تحقيقه [/c]وعلى الرغم من الرحلة الطويلة المضنية والشاقة في البحث والتنقيب عن الأخطاء الكثيرة التي وردت في كتاب ( ياقوت ) عن بلدان اليمن جبالها ، هضابها ، سهولها ، حصونها ، وقلاعها ، فقد آل مؤرخنا الفذ القاضي إسماعيل الأكوع على نفسه بضرورة تصحيحها تعريفها وشرحها ، وتفسيرها بصورة دقيقة بغرض أنّ يتجنب القراء سواء كانوار يمنيين أو عربًا أو أجانب تلك الأخطاء الكثيرة التي وقع فيها ياقوت عن ذكرها في معجمه . ولسنا نبالغ إذا قلنا أنّ ( معجم البُلدان) حتى يوم الناس هذا يعد مرجعًا هامًا من مراجع الجغرافية التاريخية لكونه يجعلنا نعيش أجواء ، و أوضاع وظروف البلدان العربية والإسلامية ومنها البلدان اليمانية جغرافيًا وتاريخيًا في تلك الفترة الذي عاصرها ( ياقوت ) ـــ إذا صح هذا التعبير ـــ والذي مازال كذلك ـــ مع الأسف الشديد ـــ حتى هذه اللحظة لم يتم تحقيق هذا الكتاب على الرغم من شهرته وأهميته الذي ينهل منه المؤرخون والباحثون . و يرسم مؤرخ اليمن القاضي إسماعيل بن علي الأكوع منهج و خطة الكتاب الذي سار عليه في تحقيقه ، فيقول : « فحملني ما وجدت في هذا الكتاب من الأخطاء ــــ التي ذكرت بعضها على حصر أسماء البلدان اليمانية التي نص ياقوت على أنها يمانية ، وجمعها في كتاب مستقل بعد تصحيحها والتعريف بها ، وذكر مكانها ، وموقعها من أشهر المُدن المجاورة لها ، وذكر المسافة بينهما والتنبيه على ما ليس معروفاً من البلدان ، أو صار خرابًا ، وأقيم مكان آخر في موضعه ، أو بجواره بإسمه أو بإسم آخر ، ويضيف ، قائلاً : « ورأيت طبعه حتى يعين الباحث على تجنب تلك الأخطاء التي وقعت في الأصل ، والتي يتكرر ذكرها كلما استشهد بها . كما أضفت إلى ذلك ما أورده ياقوت من البلدان اليمانية في كتابه ( المشترك وضعًا المختلف صُقعًا ) . [c1] مع الهمداني[/c] ويحدد القاضي إسماعيل الأكوع المصادر التي استقى منها ياقوت الحموي في وصف البلدان اليمانية . فأول تلك المصادر أو المراجع الذي نهل منها هي مؤلفات لسان اليمن الهمداني ، وكذلك من الشاعر عمارة اليمني ، وأمّا ما يخص المصدر أو المرجع الآخر هي من الروايات الشفهية اليه نقلها اليه الحجاج اليمنيون الذين التقى بهم أثناء موسم الحج أو غيرها . ونورد نص ما ذكره القاضي إسماعيل الأكوع حول مصادر ياقوت الحموي عن اليمن ـــ بإيجاز ـــ ، فيقول : « اقتصر علم ياقوت ومعرفته ببلدان اليمن في المقام الأول على ما قرأه ونقله من كتب لسان اليمن أبي محمد الحسن بن أحمد بن يعقوب الهمداني « ويذكر مؤرخنا إسماعيل الأكوع بأنّ ياقوت لم يذكر اسم الهمداني صراحة إلاّ مرة واحدة ، وكان يسميه ابن الحائك (أي الذي يحيك الشعر ) من ناحية لم يذكر كذلك اسم مؤلفه الذي رجع إليه من ناحية أخرى . وفي هذا الشأن ، يقول : « وكان يسميه ( ابنّ الحائك ) وأحيانًا (ابن الدُمينة ) أو أبن أبي الدُمينة وكان قليلاً ما يذكره باسمه المعروف . . . كما أنه لا يذكر اسم كتابه الذي أطلع عليه ونقل منه الفائدة « . [c1] مع عمارة اليمني الشاعر[/c] وأمّا بخصوص المرجع الذي استقى منها ياقوت من الشاعر عمارة اليمني ، فيقول مؤرخنا القاضي إسماعيل الأكوع بأنّ من المراجع المكتوبة الذي نقل منها ياقوت معلوماته عن بُلدان اليمن هو « ( كتاب المفيد في أخبار صنعاء وزبيد ) لعمارة بن علي بن محمد بن زيدان الحكمي المذحجي اليمني المتوفى بمصر في رمضان سنة 569هـ ( 1174م ) ، وكان يسميه ( ياقوت الحموي ) أحياناً عمارة بن الحسن اليمني الشاعر ، وأحيانً عمارة اليمن “. ويعقب مؤرخنا القاضي إسماعيل الأكوع بأنّ الكثير من النصوص التي أوردها ( ياقوت ) عن كتاب عمارة اليمني في وصف اليمن لا توجد فيه , وفي هذا الصدد ، يقول : “ كما توجد نصوص أيضًا نسبها ياقوت إلى عمارة ليست في كتابه المذكور “ . ويرجح القاضي إسماعيل الأكوع بأنّ ياقوت ربما نقل تلك النصوص من كتاب (( الأنساب )) للمعاني الذي نقل منه تراجم لبعض علماء اليمن المنسوبين للبلدان المذكورة في الكتاب . . . “ . [c1] الروايات الشفوية[/c]ومن المصادر أو المراجع الأخرى الذي استقى منها ( ياقوت ) عن وصف البُلدان اليمنية هي الروايات الشفوية أو الشفهية الذي أخذها من أهل اليمن أو الذي التقى بهم في أثناء مواسم الحج أو غيرها من المناسبات ـــ كما قلنا سابقاً ـــ . وفي هذا الصدد ، يقول القاضي إسماعيل الأكوع : « ولا شك أنه قد استقى معلوماته عن كثير من بلدان اليمن التي ليس لها مصادر مكتوبة ممن التقى بهم من أهل اليمن في مواسم الحج وغيرها ، وممن التقى بهم أيضًا في غير الحرمين الشريفين «. ويذكر المؤرخ إسماعيل الأكوع بأنّ ياقوت التقى كذلك بشخصيات علمية بارزة زارت اليمن في عصره فأخذ منها معلومات عن اليمن وبلدانها وهى « القاضي المفضل بن أبي الحجاج ، وأبو الربيع سليمان بن عبد الله بن الحسن بن الريحاني المكي التميمي الريحاني ، وأبو الفتح نصر بن عبد الرحمن الفزاري الإسكندري المتوفى سنة 561 هـ ( 1166م ) ، وأبي القاسم هبة الله بن عبد الوارث بن علي الشيرازي المتوفى بمرو سنة 485هـ ( 1092م ) . ويلفت نظرنا أنّ تلك الشخصيات التي زارت اليمن في أيام ( ياقوت ) كانت من الإسكندرية ، ومن مرو ببلاد فارس وغيرها من البلدان . وهذا دليل واضح بأنه كان هناك تواصل بين علماء ومشائخ تلك البلدان العربية والإسلامية وعلماء اليمن ومشائخها في تلك الفترة التاريخية ، وقد زاروا اليمن على فترات تاريخية متفاوتة ومن المحتمل أنّ اليمن كانت تعاني في تلك الفترة من الانقسامات ، والتفكك ، والتمزق وذلك بعد غروب شمس الدولة الصليحية في سنة ( 532هـ / 1137م ) عن سماء اليمن السياسي . وكيفما كان الأمر ، فإن القاضي إسماعيل الأكوع يرجع أسباب الأخطاء الذي وقع فيها ياقوت في ضبط الكثير من بلدان اليمن : . . . إلى بعض من روى عنهم من أهل اليمن ، أو من غيرهم ، إمّا لجهلهم بالمسافات ، وإمّا لعدم فطنتهم بتحديد المكان “ . [c1] سيرة ياقوت الحموي[/c] في بلاد الروم سنة ( 575 هـ / 1180م ) ولد ياقوت الحموي ، وقد اشتراه أحد التجار في بغداد وعلمه القراءة والكتابة وبعض أمور الحساب لضبط تجارته ، ويبدو أنّ ياقوت كان منذ باكورة صباه فطنا ، وحاد الذكاء تنزع نفسه إلى طلب العلم والمعرفة ، وهذا ما أكدته المصادر بأنّ ياقوت كان مولعًا بالأدب ، واللغة وفروعها المختلفة . ويبدو أنّ الأجواء العلمية والفكرية التي كانت تموج بها بغداد عاصمة الخلافة العباسية وحاضرة العالم الإسلامي حينذاك أثرت في تكوينه الثقافي تأثيرًا كبيرًا . ومن الأسباب الأخرى التي فتحت مدارك ياقوت الذهنية من ناحية وغرست فيه حب الأسفار من ناحية أخرى هو أنّ مولاه شغله بالأسفار في شئون تجارته . ونظرًا بأنّ ياقوت كان شغوفًا بالقراءة والإطلاع فقد اشتغل في تجارة الكتب وقيل أنّ ياقوت تنقل في بلاد الشام ، وبلاد العراق . وتذكر الروايات التاريخية أن ( ياقوت ) استوطن مدينة مرو في بلاد فارس . ومكث فترة من الوقت في خوارزم والتي كانت من البلدان الإسلامية المشهورة بالعلوم والمعارف ، وكانت الحياة التجارية بها مزدهرة ازدهارًا عريضًا ولكن حلت بها الكارثة بسبب غزو التتار لها وتدميرها وتخريبها وصارت أثرًا بعد عين ، ففر ( ياقوت ) إلى الموصل هربًا من المغول التتار . والقى عصا الترحال في حلب ، وفي سنة ( 626هـ / 1228م ) دفن في ثراها . ومن مؤلفاته العديدة التي أصدرها هي ( معجم الأدباء ) و ( معجم البلدان ) والذي نحن في صدد الحديث عنه ويعد مؤلفه الأخير من أعظم المؤلفات التي ظهرت في عصره على الإطلاق ، ومازال هذا السفر الجليل مرجعًا من مراجع تاريخ الجغرافية التاريخية يستقي منه الكثير من المؤرخين المحدثين ، والباحثين الحاليين سواء عربًا أو أجانب لدراسة الأوضاع , والظروف الجغرافية والتاريخية التي كانت عليها البلدان العربية والإسلامية في تلك الفترة التاريخية .[c1]صَفوَانُ [/c]ونستعرض بعض ما جاء في كتابه عن الجزء الخاص ببلدان باليمن ، فيقول ياقوت عن صَفوَانُ : بأنها من حصون اليمن , ويضيف مؤرخنا القاضي إسماعيل الأكوع في وصفها ، فيقول : « صفوان : حصن منيع في مخلاف عمّار من أعمال النادرة ، وهو في الشمال الغربي من دَمت » .[c1] صَنعَاءُ وأبوابها[/c]ومن الأخطاء التي وقع بها ياقوت الحموي في حديثه عن صَنعَاءُ عندما قال:«وكان في ظفار وهي صنعاء «. و يصحح القاضي إسماعيل الأكوع الخطأ الذي ذكره عن ظفار بأنها هي صنعاء ، فيقول : « هذا خلط من ياقوت فصنعاء غير ظفار. و يذكر ياقوت كذلك في سياق حديثه عن أبواب صَنعَاءُ ، قائلاً : « وكان لمدينة صنعاء تسعة أبواب « ولم يذكر ياقوت اسماء الأبواب ، ولكن مؤرخنا إسماعيل الأكوع يذكر أسماءها ويحدد أماكنها بصورة مفصلة ، فيقول : « كانت أبواب صنعاء القديمة إلى سنوات خلت : باب اليمن ، وباب خُزيمة ، وباب سِتران، وتقع كلها في جنوب سور صنعاء ، وباب شعوب ، وباب الشقاديف إلى شمالها وباب السبحة في الغرب منها . ويضيف في حديثه ، قائلاً : « وكان لحي بئر العزب الملاصق لصنعاء من جهة الغرب أبواب هي : باب البَلقة في الجنوب وباب الروم في الشمال وباب البَونية ، وباب الشَبه كلاهما في الغرب ، وينفذ منهما إلى الحي الثالث وهي قاع اليهود وسمي بعد نزوح اليهود إلى فلسطين ( حي القاع ) ، وله باب من الناحية الغربية يعرف بباب القاع . . . ».[c1] صُنعَةُ[/c]وحول صُنعَة ، يقول عنها ياقوت بأنها « من قرى ذمار باليمن « . ويشرح مؤرخنا ومحققنا الكبير القاضي إسماعيل الأكوع شرحا وافيا عن قرية صنعة ، فيقول «صُنعة بضم الصاد : قرية عامرة في وادي القضب في مغارب ذمار على بعد خمسة عشر كيلومترا تقديرا . وقد أصابها الخراب بفعل الزلزال الذي حدث يوم الاثنين 27 صفر 1403 الموافق 13 كانون الأول سنة 1982م “ .[c1]لحج[/c]ويعرف ياقوت لحج لغويًا ، فيقول : « لَحج : بالفتح ثم السكون ، وهو المَيلولة ، يقال : ألحجنا إلى كذا إي مِلنا ، وألحاج الوادي : نواحيه وأطرافه ، واحدها لَحج : مخلاف باليمن ينسب إلى لحج بن وائل بن الغوث بن قطن بن عريب بن زهير ابن أيمن بن الهميسع بن حمير بن سبا بن يشجب بل يعربُ بن قحطان « . ويذكر ياقوت بأنّ لحج أخرجت أديبا مشهورا ذاع صيته في اليمن وهو « مسلم بن محمد اللحجي أديب اليمن له كتاب سمّاه ( الأترجة في شعراء اليمن ) أجاد فيه ، كان حيًا في نحو سنة 530هـ ( 1136م ) “ . ويضيف القاضي إسماعيل الأكوع نقلاً عن كتاب ( صفة جزيرة العرب ) لصاحبه لسان اليمن الهمداني عن نسب قبيلة الاصابح المشهورة بالحج ، فيقولً : “ ولحج بها الاصابح وهم ولد أصبح بن عمرو بن حارث ذي أصبح بن مالك بن زيد من الغوث بن سعد بن عوف بن عدي بن مالك بن زيد بن سدد بن زرعة وهو حمير الأصغر “ أي أنها من القبائل اليمنية الضاربة جذورها في أعماق تاريخ اليمن القديم . [c1]أحور[/c] يذكر ياقوت أسم أحور بـ ( الأحور ) ويصفه بأنه مخلاف باليمن ، ويعقب مؤرخنا القاضي إسماعيل الأكوع على ذلك ، قائلاً : « هو أحور من دون آل التعريف ، كان اسمًا لمخلاف يقع إلى الشرق من مخلاف أبين ، وهو ما كان يعرف بالعوالق العُليا ، والعوالق السفلى ( كانت تلك التسمية إبان الاحتلال البريطاني لعدن ، وكانت هاتين المنطقتين إلى جانب المناطق الأخرى في جنوب اليمن تسمى المحميات التسع ) ، ولم يبق ما يعرف بأحور إلاّ مرفأ صغير شرق مرفأ شُقرة الواقع إلى الشرق من عدن « .[c1]ثَمادُ[/c] ويقول ياقوت الحموي عن ثمادُ بأنها حصن باليمن في جبل جَحاف ، ويضيف القاضي إسماعيل الأكوع معلومات أخرى عن ثمادُ ، فيقول : « ثماد : بلدة عامرة في جبل جحاف من أعمال الضالع . ووادي الثماد : بجوار قرية خيران في أسفل وادي شقران من مِرَيس من أعمال قعطبة « .[c1] تعكَر[/c] وعن تعكر ، يقول ياقوت هي : « بضم الكاف ، وراء : قلعة حصينة عظيمة مكينة باليمن من مخلاف جعفر مطلة على ذي جبلة ، ليس باليمن قلعة أحصن منها . . . « . وأمّا القاضي إسماعيل الأكوع فيوضح الخطأ الذي وقع فيه ياقوت في تشكيل كلمة تعكر ، فيقول : « تعكر : هو جبل التعكر بفتح التاء ، وسكون العين ، وفتح الكاف لا بضمها ، ويقع جنوب ذي جبلة ، وشمال ذي السُفال وهو من الجبال المنيعة « . [c1] تعز [/c]ويقول ياقوت عن تعز : « قلعة عظيمة من قلاع اليمن المشهورة ، ويصحح القاضي إسماعيل تلك المعلومة الذي أوردها ياقوت بأنها قلعة ، فيقول : « وهي مدينة ( تعز) مشهورة في السفح الشمالي لجبل صَبِر لا قلعة . وكانت عاصمة الدولة الرسولية ( 626 ـــ 858هـ / 1229 ـــ 1454م ) ويتوسط بينها وبين جبل صبر قلعة تعز التي تعرف اليوم بالقاهرة.[c1] يافع [/c]وعن يافع ، يقول ياقوت الحموي : « أظنه موضعًا باليمن ، ينسب إليه القاضي أبوبكر اليافعي اليمني قاضي الجَنَد ، صنف كتابًا في النحو سماه المفتاح . ويحدد القاضي إسماعيل الأكوع موقعها ، فيقول : « يافع : مقاطعة كبيرة في سرو حمير ، ويقع جنوب بلاد رداع ، وشمال مخلاف أبين ومخلاف أحور » .[c1]دثينة [/c] ويذكر ياقوت بأنّ دثينة تقع بين الجَنَد وعدن ، علاوة أنه أضاف إليها آل التعريف ، ويصحح القاضي إسماعيل الأكوع المعلومات الخاطئة الذي أوردها ياقوت عن دثينة بصورة عامة ، فيقول : « دثينة من دون ألف ولام ، صُقع معروف يقع إلى الشرق بجنوب من البيضاء وشمال شرق مخلاف أبين ومركزها مودية . وقد وهم ياقوت حينما قال : إنها بين الجَنَد وعدن » .[c1] اللؤلؤة[/c]وأمّا عن اللؤلؤة ، فيقول ياقوت الحموي : « من قرى عَثر من جهة القبلة في أوائل نواحي اليمن « . ويقول عنها المؤرخ القاضي إسماعيل الأكوع: « اللؤلؤة : بلدة خاربة في المخلاف السليماني . ويذكر أيضًا القاضي إسماعيل الأكوع بأنها هناك قرية أخرى باسم اللؤلؤة وهي : قرية عامرة من هَمدان ( مخلاف ماذن ) في الغرب بشمال من صنعاء على مسافة نحو اثني عشر كيلومترا ». [c1] مؤرخنا ثروة قومية[/c]يتحفنا مؤرخ اليمن القاضي إسماعيل بن علي الأكوع دائمًا وأبدًا بمؤلفاته التاريخية القيمة وتحقيقاته الباهرة . وإذا اطلعت وقرأت مؤلفاته المتنوعة بصورة متأنية وعميقة في تاريخ اليمن لأدركت المجهود الكبير والضخم الذي بذله و يبذله من صحته ، وأعصابه ، وعرقه ، ووقته ليظهره بصورة مضيئة . ولقد غرب وشرق مؤرخنا النابغة القاضي إسماعيل الأكوع في مكتبات وأرشيفات البلدان العربية ، والأوربية ، وأمريكا للبحث والتنقيب عن المخطوطات اليمنية ليخرجها من الظلمات إلى النور وينفخ بأوصالها الحياة . وهذا الكتاب الذي بين أيدينا ( معجم البلدان ) لصاحبه ياقوت الحموي الجزء المخصص للبلدان اليمانية الذي قام بتحقيقه مؤرخنا ومحققنا النابغة القاضي إسماعيل الأكوع بصورة غاية في الروعة يوضح لنا ملمح شخصيته بأنه مؤرخا صبورا ومثابرا ، وعميقًا في دراسته ، له خبرة واسعة بتاريخ وجغرافية اليمن بصورة تدعو إلى الإعجاب والتقدير الكبيرين وقبل كل شيء عاشق لتاريخ اليمن الإسلامي بصورة خاصة وتاريخ اليمن بصورة عامة . وعلى الرغم أنّ المؤرخ إسماعيل الأكوع ـــ حفظه الله ـــ قد تجاوز أعتاب الخامسة والثمانين من العمر إلاّ انه مازال متجدد العطاء ، متدفق الحيوية والنشاط ، وفي جعبته الكثير والكثير جدًا عن تاريخ اليمن يود التأليف والتحقيق الكثير عنه . ولا يسعنا في هذا المقام سوى أنّ ندعو لمؤرخ اليمن إسماعيل بن علي الأكوع بدوام الصحة والسعادة ، وأنّ يتحفنا ، ويتحف القراء سواء من اليمنيين أو عربًا أو أجانب بمؤلفاته الساطعة دومًا في سماء الحياة الثقافية اليمنية والعربية والإنسانية التي تعد ـــ بحق ـــ كتبه سواء تأليفًا أو تحقيقاً أهم مصادر تاريخ اليمن الإسلامي المشرق . ولسنا نبالغ إذا قلنا أنّ مؤرخنا الكبير القاضي إسماعيل الأكوع يعد ـــ بحق ـــ ثروة وقومية يفخر به اليمنيون واليمن .[c1] الهامش :[/c]تحقيق : القاضي إسماعيل بن علي الأكوع ؛ البُلدان اليمَانية عِند ياقوت الحموي ، الطبعة الثانية 1408 هـ / 1988م ، مؤسسة الرسالة ـــ بيروت ـــ مكتبة الجيل الجديد ـــ صنعاء ـ