حمد الطفيلي إن النظام السياسي والاجتماعي في لبنان يقوم على التعددية التي اكتسبت في المرحلة الراهنة أهمية أكبر وأعمق وأكثر تعقيداً من أية مرحلة سابقة من تاريخ تكوين لبنان.ولم نكن يوماً نخشى قول كلمة حق، لأن الساكت عن الحق شيطان أخرس (حديث نبوي)، وقال السيد المسيح: ليكن كلامكم نعم نعم. لا، لا. (إنجيل متى، الاصحاح الخامس). لا نطلق الأحكام أو الأفكار المسبقة حول دور الدين في العصر الحديث، والذي أصبح من إحدى معضلاتنا الأساسية، ليس لأن الدين هو مُعضلة، لكن الثقافة الدينية في بعديها السياسي والاجتماعي غير متلائمة مع معطيات ومقتضيات الواقع السائد، انطلاقا من تفسيرات وتحليلات متباينة للتحديات والحالات والمواقف والمتطلبات وازدواجية المعايير بين منطقة لبنانية وأخرى، وبين مذهب وآخر، فما هو صحيح في الجنوب قد لا يكون صحيحاً في الشمال، وما هو صحيح لدى الشيعي قد لا يكون صحيحا لدى السني أو الدرزي، كما أن ما هو صحيح لدى الماروني قد لا يكون صحيحا لدى الارثوذكسي أو الكاثوليكي وهكذا.إن الدين في بعده السوسيولوجي كان حركة تحرير وتحرر، فالمسيحية كانت دعوة تحرير وتحرر معاً، لأن مهد المسيحية أعني «فلسطين» كانت ترزح تحت النير الروماني، وان المسيحية هي التي قوضت أركان الامبراطورية الرومانية على الرغم من تظاهر السيد المسيح بالبعد عن السياسية عندما أطلق شعاره المعروف: «أعطوا ما لقيصر لقيصر، وما لله لله». كانت المسيحية حركة تحرر وتحرير من الفساد والفقر والجهل والعبودية التي كانت تسيطر على المجتمع اليهودي في فلسطين. وجاء الإسلام كحركة تحرر وتحرير، وكانت الدعوة ثورة على القيم الجاهلية المتمثلة بالوثنية والقبلية والعادات والتقاليد الجاهلية والنظام الاجتماعي الفاسد. كما توجهت الدعوة الإسلامية خارج الجزيرة العربية كحركة تحرر وتحرير وطالت الكثير من أصقاع العالم. إن التحرر والتحرير شرطان أساسيان لتحقيق الديموقراطية، إذ لا مكان للديموقراطية في ظل الاحتلال، كما انه لا مكان للديموقراطية في مجتمع مقهور ومقموع وجائع ومجوف من داخله. فالجماعات الدينية المتعددة المذاهب في لبنان هي جماعات سياسية في غياب المجتمع السياسي للدولة، وهنا يكمن المأزق الحقيقي لقيام الدولة التي تؤمن الشروط المناسبة للديموقراطية. لقد تحول الدين في لبنان الى طائفة سياسية، والى مذهبية سياسية في بعض الحالات، وقد مر التمايز والفرقة بين إسلام سني وإسلام شيعي وإسلام درزي، وصل الى حد التكفير المتبادل والى التخوين، ويكاد يكون الوضع مماثلا على الصعيد المسيحي لولا بعض التحفظ والحذر الناجمين عن الشعور بالخطر المحدق والمأزق الحرج لما قد يتعرض له المسيحيون في لبنان خاصة والشرق عامة من مؤامرات مدبرة لترحيلهم أو تهجيرهم عن أوطانهم الأم لضرب حالات التعايش الإسلامي ـ المسيحي السائدة وهذا ما برز في موصل العراق أخيرا... لا شك بأن معظم الجماعات الدينية في لبنان متناحرة ومتنافرة، ولكل جماعة رؤيتها الخاصة وأحلامها وأهدافها وارتباطاتها مع الخارج، التي تظن انه يحميها من خطر شركاء الوطن، ولا يُقبل الشريك في الوطن اذا امتلك أسباب القوة وحده.إن غياب المجتمع السياسي لمصلحة الجماعات الطائفية المسيّسة أدى الى إضعاف الدولة وتحويلها الى دويلات رغم مظاهر البنية السياسية الواحدة، وقيام السلطات الثلاث الرئيسية في الدولة المعاصرة كما هو متعارف عليه في ميثاق الأمم المتحدة ودول العالم الديموقراطي. ان عائلات تتقاسم الوطن وتتحالف في ما بينها وتتعاون متعاضدة لتكريس سلطتها واستمراريتها، وهي تعقد الصفقات السياسية مع الخارج لتحكم سيطرتها، وتقطع الطريق على كل من يعلن الرفض أو العصيان أو التمرد سواء كان فرداً أو كان جماعة. نردد ما قالته الباحثة أليسون بايلز: «ان المشكلات تصبح أكثر سوءا، اذا ما فرض الشكل الديموقراطي من الخارج على الجماعات السياسية من أعلى إلى أسفل، دون فهم عميق وكاف للأحوال الاجتماعية والرغبات والقدرات المحلية لهذه الجماعات». أخيرا مع تراجع المجتمع السياسي أمام الجماعات السياسية الطائفية والعائلات المتواطئة في ما بينها لاستمرار حكمها وتسلطها. إلى متى ينتظر شعب لبنان الظروف الملائمة للخروج من مأزق الجماعات السياسية الطائفية، وينتظر انهيار حكم العائلات، لمصلحة الدولة الناظمة لمجتمع سياسي واحد موحد في الرؤى والتطلعات والأهداف والاستراتيجية.[c1] كاتب لبناني[/c]
|
فكر
البعد السياسي والاجتماعي للثقافة الدينية
أخبار متعلقة