غضون
- أتممت قبل يومين قراءة كتاب “الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم” لمؤلفه هبة الله بن سلامة بن نصر، الذي ذكر في الكتاب نفسه أنه استخرج ما فيه من (75) كتاباً من كتب المفسرين والمحدثين. والمؤلف من أعيان القرن الخامس الهجري، وكتابه المذكور أهدانيه أستاذنا اسكندر الأصبحي مع عبارة “اقرأه وشوف الجماعة أيش فعلوا بالقرآن”؟!يقول صاحب “الناسخ والمنسوخ” إن في القرآن الكريم الذي بين أيدينا الآن (71) سورة فيها ناسخ ومنسوخ.. ست سور فيها ناسخ، وأربعون آية فيها منسوخ، وخمس وعشرون سورة تحتوي على آيات ناسخة وأخرى منسوخة..- والناسخ والمنسوخ حسب تعبيره “على ثلاثة أضرب”.. الأول آيات وسور نسخت أو “شطبت” خطوطها وأحكامها، يعني غير موجودة في المصحف الموجود بين أيدينا اليوم، فقد قالوا إن هناك سورة تعدل سورة التوبة “نسخت”.. والنوع الثاني آية نسخ خطها وبقي حكمها، وقالوا إن هناك آية قرآنية نصها “الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالاً من الله والله عزيز حكيم” فنسخ نص الآية ولم تكتب في المصحف لكن حكم “الرجم” لم ينسخ.. والنوع الثالث آيات نسخ حكمها وبقي لفظها.. ومثال ذلك آيات التوجه إلى بيت المقدس في الصلاة فالآية مكتوبة في المصحف لكن حكمها نسخ بآية التوجه إلى القبلة أو المسجد الحرام.- إذا صح النسخ في القرآن، بمعنى نزول آية متأخرة تبدل حكماً ورد في آية نزلت قبلها مثل النوع الثالث فهذا ممكن ومعقول، فنحن نجد في القرآن الكريم آيات تقرر أحكاماً على معهود العرب في الديانات السابقة وأعراف قريش مثلاً، وهذه الآيات نحن نقرؤها ولا نعمل بأحكامها لأن هناك آيات قرآنية نزلت بعدها غيرت تلك الأحكام، ونحن ملزمون بها، أما أن يقال إن هناك آيات نسخت أحكامها وخطها، وآيات في القرآن نسخ خطها وبقي حكمها، فهذا غير معقول.. هل يعقل أن الله تعالى أنزل على رسوله سورة تعدل سورة التوبة ثم لم تكتب في المصحف ومحا لفظها وحكمها، أو أنزل آية ثم محا خطها أو لفظها وأبقى على حكمها دون أن تدون في المصحف؟ أزعم أن الذين ابتدعوا هذا النوع من الذي يسمونه “علم” الناسخ والمنسوخ - مهما علا قدرهم - لم يقدروا الله حق قدره.. وإلا كيف صوروه بصورة كاتب متقلب الآراء يكتب ويشطب أو يكتب عبارة ثم يكتشف أنها غير مناسبة فيغيرها بأخرى؟!!- أعجب ما وجدته في “الناسخ والمنسوخ” أن آية واحدة وهي الآية رقم (5) في سورة التوبة قال المؤلف نسخت (124) آية في القرآن وقيل نسخت (140) آية وبعضهم قال نسخت (200) آية في القرآن ويسمونها (آية السيف).. وفي سورة التوبة نفسها قالوا إن آيات أخرى فيها نسخت في القرآن آيات كثيرة.. يعني أنزل الله سورة التوبة واسمها أيضاً “براءة” لكي تمحو نصف القرآن. أمعقول هذا الكلام.. بالعقل أو بالشرع؟ وأظرف ما قالوا إن المنسوخ هو الآيات التي فيها ذكر الصبر والعفو والصفح والهجر الجميل، وأدفع بالتي هي أحسن.. وجادلهم بالتي هي أحسن.. وما أنت عليهم بجبار.. وأعرض عن المشركين.. وأعرض عن الجاهلين.. لنا أعمالنا ولكم أعمالكم.. وهلم جرا.. وكأن حكاية “الناسخ والمنسوخ” ابتدعت ابتداعاً مقصوداً لإلغاء كل ما هو خير وتكريس الشر والعنف!.