تضمن البيان الختامي للدورة 27 للقمة الخليجية المنعقدة في الرياض الدعوة إلى تسريع استكمال متطلبات الاتحاد الجمركي، وقيام السوق الخليجية المشتركة التي سبق أن دخلت حيز التنفيذ في عام 2003، وكان من المتوقع استكمالها في عام 2005 غير أن الدورة 26 للمجلس الأعلى قرر تمديد الفترة إلى عام 2007، كما أكد المجلس الأعلى " على الجهات المعنية بالدول الأعضاء بتنفيذ ما صدر من قرارات والغاء القيود التي تعيق استفادة مواطني دول المجلس من هذه القرارات تنفيذا لما ورد في المادة الثالثة من الاتفاقية الاقتصادية بين دول المجلس (ديسمبر 2001) وبأن يعامل مواطنو دول المجلس الطبيعيون و الاعتباريون في أية دولة من الأعضاء نفس معاملة مواطنيها دون تفريق أو تمييز في كافة المجالات الاقتصادية "وحث" اللجان الوزارية والجهات المعنية في الدول الأعضاء على الإسراع في تنفيذ القرارات الصادرة من خلال اتخاذ التشريعات والخطوات اللازمة وتذليل العقبات الإدارية والبيروقراطية.. لتحقيق ما تصبو إليه شعوب المنطقة من مشاريع مشتركة وتنمية شاملة وتعميق المواطنة الخليجية وجعلها واقعا ملموساً" واللافت في القرارات الاقتصادية عدم التطرق مباشرة إلى خطوات وتوقيت قيام الاتحاد النقدي، والعملة النقدية الموحدة المقرر قيامها في عام 2010، وكذلك موعد إصدار البطاقة الذكية الموحدة و تفعيل استخدامها بين كل دول المجلس التي ذكر سابقا أنها ستدخل حيز التنفيذ في نهاية هذا العام أو بداية العام القادم، وقد يعود ذلك إلى وجود بعض التباينات، أو أن الظروف غير مواتية بعد و لأسباب مختلفة لبعض بلدان المجلس. المواطنة الاقتصادية هي مكون أساسي للمواطنة الخليجية الشاملة التي تتطلع إليها شعوب المنطقة، وبكل أبعادها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والأمنية، ومن هذا المنطلق فان الوحدة الاقتصادية الخليجية تعتبر في مقدمة القضايا والاشكالات التي تجابهها دول مجلس التعاون، وقبل كل شيء فإن التحدي الرئيس الذي يمس حاضرها ومستقبلها يتمثل في كيفية تجاوز الطابع الريعي والأحادي الجانب لاقتصادياتها القائمة أساسا على صناعة استخراج وتصدير النفط الخام والغاز، دول الخليج مدعوة لتقديم الحوافز الاستثمارية لاستعادة 1.4 تريليون دولاروهو ما يتطلب الإسراع في تنفيذ السوق الخليجية المشتركة، وتوحيد التعرفة الجمركية، وتحقيق الوحدة النقدية، وتسهيل انتقال الأفراد (واعتماد البطاقة الخليجية الموحدة بين كافة دولها) والسلع والأموال، وتطوير التجارة البينية، ورفع القيود على حرية المواطن الخليجي في الاستثمار في الأسهم وأسواق المال في كل دولها، ومع أن التجارة البينية بين دول المجلس شهدت تصاعدا ملموسا حيث مثلت نسبة 7 (6مليارات دولار) في العام 1987 في حين وصلت إلى 10 (21.5 مليار دولار) في العام 2003 غير أنها تظل نسبة متدنية( و تشكل تجارة الترانزيت نسبة كبيرة منها) من حجم التجارة الخارجية لدول المجلس التي تصل نسبة تجارتها مع الاتحاد الأوروبي إلى 35، ومع الولايات المتحدة إلى 28، وفي حين وصلت التجارة البينية بين بلدان الاتحاد الأوروبي على سبيل المثال إلى أكثر من 50 من حجم تجارتها مع العالم الخارجي في غضون عشر سنوات من توقيع اتفاقية السوق الأوروبية، بينما تطلب الوصول إلى تعرفه جمركية موحدة لدول الخليج إلى 20 سنة من المفاوضات. من المعروف أن السلع التي يمكن تبادلها بين دول المجلس محدودة بسبب تشابه الاقتصاديات الخليجية المعتمدة على النفط ومشتقاته، مما يتطلب تنسيق خطط ومشروعات التنمية الصناعية في دول المجلس، وذلك من خلال الاسترشاد بإستراتيجية التنمية الصناعية لدول المجلس والعمل عل تنويع وتطوير الاقتصاد الخليجي، وإنهاء الاعتماد المطلق على صناعة استخراج النفط الخام، وتحقيق اكبر قدر ممكن من التنوع في إنتاج مختلف السلع والخدمات، مع أهمية العمل على تكامل المشروعات والنشاطات الصناعية والزراعية والخدماتية والمالية، وإقامة المراكز العلمية والتكنولوجية وزيادة الإنفاق (الذي مازال متواضعا ويمثل حوالى 0.2 فقط من الدخل الإجمالي) على معاهد الأبحاث المشتركة، ومن المهم العمل على تشجيع عودة الأموال والأرصدة والاستثمارات الخليجية (العامة والخاصة) في الخارج إلى المنطقة وإعادة توظيفها في مشروعات استثمارية وإنتاجية،والتي تقدر وفقا لمؤسسة "ميريل لينش" بأنها تبلغ 1.4 تريليون دولار، ووفقا لدراسة نشرها اتحاد غرف التجارة والصناعة في الإمارات فان الثروة الشخصية التي يملكها 185 ألف ثري خليجي لا تقل عن 718 مليار دولار، وهو ما يزيد إلى حد كبير عن الدخل القومي الإجمالي لدول مجلس التعاون (469 مليار دولار) مجتمعة في عام 2005، وهو ما يستدعي تقديم الحوافز الاستثمارية وتطوير الأنظمة والتشريعات لتشجيع الاستثمار (الأجنبي والمحلي) الخاص، غير أن سياسة الإصلاح الاقتصادي عليها أن تأخذ بعين الاعتبار المصالح الوطنية العليا ومصلحة المواطن الخليجي أولا وأخيرا، فالكل يعرف إلى ماذا آلت إليه سياسة الانصياع لشروط صندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية من مآسٍ وكوارث كما حدث في دول شرق آسيا وروسيا والبرازيل واندونيسيا والأرجنتين وبعض الدول العربية، عندما أقدمت على تنفيذ ما سمي بإعادة التثبيت والهيكلة الاقتصادية وسياسة التخصيص مما أدى إلى تحميل الغالبية الساحقة من الناس أوضاعا معاشيه صعبة، من خلال إطلاق أسعار الخدمات الأساسية من كهرباء وماء وهاتف ووقود، وارتفاع نفقات الحياة وتكاليف المعيشة عن طريق زيادة الضرائب والرسوم المباشرة وغير المباشرة، وتقليص الدعم المقدم لقطاعات التعليم والصحة والشؤون البلدية والمواد الغذائية، وبحجة إعادة الهيكلة والخصخصة تمت تصفية وبيع قطاعات اقتصادية مربحة (يستفيد منها بعض الفئات المتنفذة) وخدمية حيوية للمواطنين، تم تسريح أعداد غفيرة من الناس مما شكل الأرضية لاندلاع الانفجارات الاجتماعية والسياسية. هذه الدروس يجب أن تكون ماثلة لدى اتخاذ أية إجراءات تندرج تحت خانة الإصلاح الاقتصادي وترشيد النفقات وتقليص العجز في الإيرادات. الترشيد وتثمير العائدات المالية الضخمة المتأتية من ارتفاع أسعار البترول يتطلب الاستفادة من تجارب الطفرة المالية الأولى و قبل كل شيء الحد من مظاهر الإنفاق البذخي على مشروعات الأبهة والتخفيف من الطابع الاستهلاكي للاقتصاد الوطني ومكافحة ظاهرة الفساد المالي والإداري وترشيد الإنفاق وتركيزه على القطاعات الأساسية الضرورية للتطور الاقتصادي والاجتماعي والخدماتي والعلمي والثقافي والتكنولوجي، والتأكيد على سياسة الاعتماد على الذات (قدرات وموارد وبشر) ومن هنا تنبع الأهمية القصوى لتطوير الموارد البشرية والارتقاء بالإنسان الخليجي باعتباره أداة وهدف التنمية الشاملة والمستديمة. [c1]نقلا عن / صحيفة عكاظ [/c]
دول مجلس التعاون ومتطلبات تجسيد المواطنة الخليجية
أخبار متعلقة