د. كامل صالح أبو جابر لا ادري كم منا يدرك ابعاد الحكمة الهائلة التي تحتويها مقولة اختلاف أئمتي رحمة والتي لو عُمل بها منذ البدء لما وصل العالم الاسلامي الى الحال المتردي الذي هو عليه اليوم.فهي تعني بالدرجة الأولي ضرورة اللجوء الي الاحتكام الى العقل لاستنباط الحلول للقضايا التي تنشأ بين لحظة تاريخية وأخري حيث، لابد من تغير الاحكام بتغير الازمان. وهي تشتمل علي معان عظيمة أخري ليس اقلها قبول الاختلاف وضرورة حوار الرأي مع الرأي الآخر وتفسح المجال واسعاً لقيام ما نسميه اليوم المجتمع المدني.والاسلام دين مدني أوحي به الله الي مجتمع مدني يقبل بالتعددية ويعترف بها لا بل ويجعل من قبولها ركنا اساسيا من اركانه. من لحظته الاولى قبل الاسلام برسالة اهل الكتاب من منطلق الايمان من جهة، ومنطلق الثقة بالنفس كذلك من جهة أخرى. وما الأمر بأن يتم الجدل بالتي هي أحسن إلا التأكيد علي ان الاختلاف من آيات الله وروائعه حيث لو شاء لجعل الناس أمة واحدة.ولسنا هنا في صدد إعادة الحوار بين المعتزلة والاشعرية، ولا كيف انتصرت الاخيرة علي الاولى وطغت عليها الي درجة ان تحول الايمان مع مرور الزمان من علاقة بين المخلوق وخالقه الى شأن تتدخل فيه الدولة وتسيره باتجاه الاستقرار ورفع قيمته على أي قيمة أخرى، والي درجة ان تحول الايمان الي طقوس شعبية تطغي فيها الخرافة علي العقل.وهنا لابد من التأكيد أن مؤسستي الدين والدولة في غاية الأهمية في كل مجتمع من مجتمعات العالم. ولكن، ولاسباب تاريخية كثيرة تزداد أهمية هاتين المؤسستين بالنسبة لنا في العالم العربي والاسلامي. فالدولة التي كانت مجرد حارس وجاب في اوطاننا حتى انهيار الدولة العثمانية اصبحت أكثر أهمية لاضافتها الى هاتين المهمتين التقليديتين مهمة نقل المجتمع من حاله القديم الي مجتمع الحداثة والتنمية. والاسلام في جوهره الخالص يؤكد ان خلاص الانسان شأن فردي نتيجة العلاقة المباشرة ما بين العبد وخالقه، وبحيث ان لا كهنوت في الاسلام، فمن أين جاء التنظيم وكيف تسللت الدولة لتساهم مع المؤسسة الدينية في السيطرة التامة على جميع مناحي الحياة وكذا سيطرة النقل على العقل مع الالتزام بالطقس محل الايمان .مثل هذا التساؤل مهم نظراً لان الاسلام أكثر من غيره من الاديان افسح المجال لان يكتشف الانسان نفسه والطبيعة حوله حيث اكد على ضرورة التوازن ما بين متطلبات الروح والجسد منذ منتصف القرن التاسع عشر والمحاولات مستمرة كي يعيد الاسلام تحديث نفسه ولكن جميع هذه الجهود كانت وما زالت ترتطم بصخرة الحلف غير المكتوب ما بين المؤسستين التربوية والدينية وسيطرة الدولة عليهما لاغراضها.من هنا تمكن اهمية قيام الدولة نفسها وبالتعاون الجاد مع هاتين المؤسستين في البحث في الوسائل التي تكفل الخروج من احابيل هذه الازمة.واضح ان ترك الامور بيد المثقفين لوحدهم لتقديم الحلول لن يأتي بثمر، كما هو واضح ان لا مؤسسة الدولة ولا المؤسسة الدينية قادرة على ذلك لوحدها وانه لابد من ان تقوم كل الدول الاسلامية منفردة ومجتمعة من خلال مؤسسة المؤتمر الاسلامي، ومن خلال عقد مؤتمرات وطنية داخل كل دولة وأخيراً علي صعيد العالم الاسلامي يشارك فيها العلماء والمثقفون للبحث في سبل الخروج من الازمة. فهل بالامكان خلق لغة مشتركة من حوالي الف كلمة بين مختلف المدارس والمذاهب تؤكد على جوهر الاسلام ورسالته وتفسح المجال بنفس الوقت لاحترام وحتى تقديس الافكار الخاصة بهذه الفئة أو تلك وتعمل علي تعظيم الجوامع وتقليص الفروع؟ مثل هذه اللغة المشتركة قد تسمح فيما بعد لايجاد مرجعية تساهم في دفع الامور في الاتجاه الصحيح.لابد من الاعتراف ان الحداثة والتنمية الحقيقية ما زالتا مستعصية علينا واننا نعيش في حال من انفصام الشخصية بحيث اننا نأكل ونلبس ونستهلك نتاج العلم الغربي ولكننا نرفض في الوقت نفسه المنطق الذي يكمن خلف هذا العلم. فكيف اخراج الدين من بوتقة الشعائر والتجريد وهيمنة الدولة عليه كي يصبح محركاً للتنمية والحداثة وهنا لابد من العودة الى دراسة كيف تخطت الحضارات الأخرى تراثها التقليدي وانتقلت في مجتمعات تتمحور حول الخالق فقط الى ما نشاهده اليوم من مجتمعات اعادت الايمان الى ضمير الانسان الفرد واخرجته من تحت سيطرة المؤسسة السياسية عليه .الدولة العربية الحديثة اليوم عصب الدور الاساسي في حياة كل انسان عربي من المهد الى اللحد ورغم كل الجهود التي قامت بها ساب_قان.كل هذا ممكن تحقيقه دون التخلي عن القيم الدينية والاجتماعية المرغوبة، ولكن هذا يتطلب من الدولة نفسها ان تقوم لهذه العملية والا فستبقى مجتمعاتنا تلف وتدور في الحلقة نفسها التى ما لبثت تدور فيها منذ منتصف القرن التاسع عشر.* نقلا عن جريدة "الراية" القطرية
|
مقالات
كيف يعيد الإسلام تحديث نفسه
أخبار متعلقة