الهيئة العربية للتمثيل و(ست البيت)
عمر عوض بامطرفقدمت (الهيئة العربية للتمثيل) مسرحية (ست البيت) عام 1964م وهي من تأليفي واخراجي على مسرح (القاعة العامة) لشركة مصافي عدن، ثم لليلتين في مدينة عدن على مسرح مدرسة الحكومة في خليج عدن، وكانت المسرحية تصور حياة اسرة يمنية الاصل مكونة من (مريم) ارملة المرحوم الحاج أحمد ولها منه ولد (محمود) وابنة (سعاد) وقد اكملا دراستهما الثانوية، الولد عبدالله يعمل مع ادارة الزراعة كثير التنقل في ريف المناطق الجنوبية من عدن، راض عن حياته مستقر، ويجد في التنقل من ارض إلى اخرى مسرته الكاملة، لكن أمه تحاول اقناعه بتغيير وظيفته ليستقر إلى جوارها في عدن، ويتزوج، ويدور بينه وبين خالته (فطوم) عتاب لان أمه قلقة عليه من طول تغربه بعيداً عن الدار وعنهم جميعاً وهي غاضبة منه ، فيقول لخالته:ومتى رضيت أم عن سفر أبنها؟هي تريدك ان تستقر في بيتك وبين اهلك، أنت لاتعرف مقدار الفراغ الذي تشعر به أمك واختك واهلك ، وأمك تريدك ان تتزوج، ان تكون لك أسرة.هذا امر صعب .. لا أستطيع أن احققه لأمي أو لكم ، الامر يحتاج إلى التروي.الأمر مش صعب .. انت تستطيع ان تطلب نقلك من العمل في الريف إلى المكتب الرئيسي بعدن، وحلت المشكلة.اولاً يجب ان تعرفوا ان التحويل للنقل ليس امراً سهلاً كما يبدو لكم، لان الوظيفة مسؤولية ترتبط بالشخص ويرتبط بها الشخص كموظف مسؤول عن ادائها، ولو تقدمت بطلب للنقل سوف يكون علي ان انتظر شهوراً وربما سنة، ليدرس رؤسائي الطلب، وان وافقوا ستفوتني الفرصة لاحصل على منحة للدراسة في السودان.(باستغراب شديد) وعادك تشتي تسافر السودان؟انا لايمكن أن اغير وظيفتي التي احببتها .. افهمي يا خالة واشرحي لامي ان تقتنع، أنا لما تخرجت من الكلية وحصلت على وظيفة مساعدمشرف زراعي،وأنا الآن والحمدلله قدنا مشرف غمرتني الفرحة، واكثر ما فرحت انني مرشح للدراسة في الخارج، والعمل في الريف يمنحني الهدوء والسكينة، وافرح بالتنقل من قرية إلى اخرى من مدينة إلى ثانية ، اساعد اخوتي المزارعين، وأتعرف على أهلها اخواني العاملين الكادحين الذين يحيلون الارض الجرداء خصبة خضراء ، ويقدمون الغذاء والكساء لالوف من البشر ونحن هنا بعض هؤلاء الناس.(متبرمة) .. بس ..بس .. يا بني .. كفاية .. هذا الكلام الذي ملأ راسك، وتسلط على عقلك ، نحنا مانفهموش، ولا اقدر اكلم به أمك .. لاتحسبني مشجعاك على خلط الدقيق .. (وتنهض خارجة إلى غرفتها).من هذا المنطق نعرف موقف محمود من الحياة ، وتطلعه للمستقبل.ومن افراد الاسرة للبنت (سعاد) التي تقاوم فرض الاسرة عليها عدم مواصلة الدراسة التي تتطلع اليها، وتحاول اقناعها أنها بلغت السن التي تحتجب فيها وانتظار العريس الموجود معها وهو ابن خالتها سعد ، الذي ترى فيه انساناً ليس له هدف في الحياة ، ولا يحسن غير الشكوى من الزمان.ومن افراد الاسرة الارملة (فطوم) شقيقة (مريم) أم(سعيد) موظف في احدى الدوائر الحكومية في عدن .. وسعيد شخصية تائهة غير مستقرة يشكو فقدان شيء في حياته يبحث عنه دون ان يدري كنهه .. دائم السهر خارج البيت إلى وقت متأخر من الليل، ودائم التصادم مع أمه وخالته ، فهما لاترضيان له ذلك ، وحين تأتي الفرصة لمحمود ان يعاتب ابن خالته على سلوكه غير السوي من طول غياب خارج الدار ،وطلب ارسال غذائه إلى المبرز ليشارك اصدقاءه الغذاء، والمقيل إلى وقت متأخر من الليل ، يقول له:أنا ضجرت .. أنا قررت أسافر .. ليش اشتي اسافر معي ألف سبب وسبب ، لكن ما أقدر اذكر لك واحد .. أنا ضجران ضجران يامحمود ، اشعر بضيق يكظم انفاسي، لي اسبوع تقريباً اصحو في الصباح مصدوع ، لاننا با اترك الفراش .. وأروح المكتب امشي في نفس الشارع كأنه فرض يومي علي ، وكذا الذي يليه والذي يليه دون أن اشعر بما هو حولي من ناس أو غنم أو حمير، حتى حمار القرادي (حمار يعرفه سكان حافة القاضي) امر من جنبه ولا أراه بس اشم عرفه .. واصل إلى المكتب واشعر بالغثيان .. تعرف ليش ؟ لانني أكون كالمريض الذي يرغموه على تناول نفس الوجبة في كل وقت من كل يوم .. في المكتب تصلني الاوراق واعرف ما تعنيه من شكلها والبعض من الوانها، واقذف بها إلى صندوق الرسائل لتتوزع على الملفات ، فلا الملفات عرفت لها غرض ، ولا أنا فهمت لها غاية .. وأغادر المكتب لا أدري فين استطيع ان اقضي النهار وجزء من الليل ، واحياناً تراودني افكار غريبة، ولا أدري لها سبباً ، ولا أجد من اشكو له حالي.انت تحتاج ان تزور طبيب نفسي، ولكن للأسف ليس عندنا قسم للعلاج النفسي، ولكن لو هدأت وهدأت نفسك واستعرضت ما مضى من حياتك وكيف عشته، ستجد الحل بانتقادك لنفسك.جزاك الله خيراً يابن الخالة .. رجعتني مجنوناً يا محمود بحاجة لطبيب نفسي، مش يمكن تقوم انت بدور الطبيب، قم من عندي وخليلي حالي .. (وينصرف عنه محمود).وإلى العدد القادم لتتمة مواقف من (ست البيت).