إنَّ من يطَّلِع ويقرأ دليل القبول للدراسة الجامعية الأولى للعام الجامعي 2006/2007م سيجد الكثير من الصعاب التي تنتظر الطلاب المتقدمين للجامعة. فما شدَّني كثيراً إلى تناول هذا الموضوع هو المقارنة بين ما قيل عن الدراسة الأكاديمية ونوعيتها بقلم السيد رئيس جامعة عدن الأستاذ الجليل د. عبد الوهاب راوح، وبين الواقع الفعلي لما يواكبه ويدرسه الطالب الجامعي من علوم مختلفة. فهو يقول:” إنَّ انتقالكم من المرحلة الثانوية- مرحلة الإعداد للجامعة – إلى المرحلة الجامعية وهي مرحلة الإعداد والتخصُّص والتهيئة للعمل من أجل التنمية الاقتصادية، لهو دليل على تقدمكم كما هو دليل أيضاً على رعاية الدولة لتحقيق طموحاتكم. ولتحقيق ذلك يتوجب على جميع الطلاب الملتحقين في كليات الجامعة بذل الجهود والمثابرة في الدراسة والبحث عن المعرفة في قاعات الدرس وفي المكتبات (وتجريب) المعرفة بالمختبرات والورش». أما نائبه فقد نوَه في كلمةٍ في نفس الدليل مخاطباً الطلاب قائلاً:» إن التجربة الجامعية هي التجربة الأولى التي تعكس الشخصية الحقيقية لكلٍ منكم، وهي المرحلة التي تنتقلون فيها من جانب الإدراك إلى جانب التفكير والتأمـُّل والإبداع وصولاً إلى التميُز في حياتكم، إنها مرحلة الجد والعمل المثابر....».كما قال: « هناك عالم جديد على الطالب الجامعي المستجد أن يتهيأ للولوج والاندماج فيه، ومن ثم يستفيد من مجموع البرامج والخطط الأكاديمية والتعليمية والأنشطة الأخرى المقدمة من قبل كليات الجامعة..»من تلك الأسطر تظهر لنا العديد من الأسئلة التي تمسُّ حياةَ الطالبِ الأكاديمية، ويمكن تلخيصها باختصار كالآتي:1 - ما الهدف من امتحان القبول للجامعة؟. وهل فعلاً أن مفردات أو مواد امتحان قبول الطلبة بمختلف التخصصات تُفيد الطالب في دراسته الجامعية المستقبلية؟ 2- هل التجربة الجامعية في كلِّياتنا فعلاً تعكس الشخصية الحقيقية للطالب؟ وهل هي مرحلة انتقال الطالب من جانب الإدراك إلى جانب التفكير والتأمل والإبداع؟ وتُعتبَر مرحلة الجد والعمل المثابر؟3- ما هي الكَيفية التي يتم بها العمل للاستفادة من مجموع البرامج والخطط الأكاديمية والتعليمية والأنشطة الأخرى المقدَّمة من قِبَل كليات الجامعة؟ وهل هي بالفعل موجودة واقعاً؟. للإجابة على تلك الأسئلة فقد استحسَنْتُ أن آخذَ كليةً عَريقة النشأة ملتفةً جذورها حول أطراف، وفي أعماق مجتمعنا؛ ألا وهي كلية الحقوق ـ جامعة عدن؛ كمثالٍ حيٍّ لهذا الموضوع. إنَّ ما يثير الجدل هو تلك المواد الأساسية التي تُعتبر فرعية وغير أساسية في المنهج الدراسي؛ مع أنها ضرورية و يستفاد منها خاصة بعد التخرج. ولا غنىً عنها في الحياة العملية لكل مستشار قانوني، ومحامٍ، وقاضٍ، وكاتبٍ، أو أمين سرِّ محكمةٍ، أو غيرهم. ومن ضمن هذه المواد لغتنا الأم، اللغة العربية. فبالرغم من وضعها شرطاً أساسياً كمادة امتحان للقبول في الكلية، بالإضافة إلى الفقه، فإنها لا تدرَس على مدى السنوات الدراسية الأربع إلا في السنة الأولى منها فقط . ومن أجل تلك السنة اليتيمة لكم أن تتصوروا ما هو المطلوب من الطالب تجهيزه من مفردات لامتحان المنافسة في هذه المادة: أولاً: كتاب الثالث ثانوي، ومنه أربعة دروس في الأدب عن عوامل النهضة والنثر العربي في العصر الحديث وغيره. ومن البلاغة عن المقالة وأنواعها وعناصرها. أما النحو فمنها ثلاثة دروس في القواعد وآخرها الكشف في المعاجم.وأخيراً القراءة، ومنها ثلاثة دروس عن مكانة العلماء المسلمين في تاريخ العلم، وغيرها.ثانياً : كتاب الثاني ثانوي، ومنه الشعر في العصر العبَاسي الأول، وفتح الفتوح لأبي تمَام. وفي البلاغة عن أساليب الإنشاء الطلبي. أما النحو أربعة دروس، كان و إنَّ وأخواتهما وأسلوبي التعجُّب والمدح والذَمِّ. ومن القراءة ثلاثة دروس. ثالثاً : كتاب الأول ثانوي، ومنه ثلاثة دروس عن الأدب والعصور الأدبية، والشعراء الصَّعاليك، وعِزَّةٌ وإباءٌ لعمرو بن كلثوم. ثم النحو، ومنه الأسماء الخمسة، والمُثَنَّى وجمع المذَكَّر السَّالم وما يلحق بهما، والممنوع من الصرف والميزان الصرفي. وأخيراً القراءة، ومنها ثلاثة دروس عن آداب السلوك ومكانة المرأة في الإسلام ودرس العربية صورة وجودنا. من ذلك الكم الهائل من الدروس سيُظَنُّ أن الطالب سيلتحق بكلية متخصصة باللغة العربية وليس بكلية الحقوق، مقارنةً مع ما يدرَس الآن. فهل يُعقل أن يستعد الطالب بذلك الاستعداد للامتحان ليخوض غمار معركة تنتهي بنهاية أول سنة دراسية جامعية لهذه المادة. قد أكون قاسياً إن سميتها مهزلة أكاديمية؛ والسبب إنه يتم تلقين الطلبة مادة، تكاد أن لاتكون مهمة للقانونيين إلا فيما ندر ولسنتين متتاليتين «المستوى الأول والثاني»، ألا وهي مادة اللغة الإنجليزية. فأيهما أهم وأولى؛ اللغة العربية أم الإنجليزية؟ إنَّ أجهل القوم يدرك مدى أهمية التحلِّي بملكة النطق والمعرفة بلغتنا العربية. بل إن قانون الجامعات اليمنية رقم (18) لسنة 1995م وتعديلاته قد نصَّ في إحدى مواده على “ العناية باللغة العربية وتدريسها وتطويرها وتعميم استعمالها كلغة علمية وتعليمية في مختلف مجالات المعرفة والعلوم وذلك باعتبارها الوعاء الحضاري للمعاني والقيم والأخلاق لحضارة الإسلام ورسالته.” فأين نحن من هذا؟. ومن منا يستطيع أن لاينكر ضَعف معظم طلبتنا وخريجينا الجامعيين في اللغة العربية؟ والقصور ليس فيهم، بل في تلك الجهات التي عملت على توصيلهم إلى ما هم عليه سواء مرحلة التعليم الأساسي والثانوي أم المرحلة الجامعية، كما نلمسه اليوم. مما ينعكس على واقعهم العملي بعد التخرج؛ فتقع الواقعة وتكون الفضيحة. فكم من مهندس وطبيب واقتصادي وقانوني وغيرهم من المتخصصين في شتى المهن لا يفقهون من لغتهم شيئاً؛ فانتشار الجهل باللغة الأم وخاصة بين أوساط المثقفين والمتخصصين لدليل واضح على تخلف الأمة المنحدرين منها وعلى ضعف السياسة التعليمية للدولة وهشاشتها. ولأكبر دليل على ذلك ما نجده مسطوراً في صفحات قوانيننا الصادرة في الجريدة الرسمية وكتبنا الجامعية التي يدرس منها الطالب وغيرها. وهي أخطاء لغوية بحتة ولاغبار عليها، وهذا ما سنأتي عليه بالتفصيل لاحقاً. إنَّ أهم ما يواجهه الطالب في هذه الكُلِّية من حيث المراجع العلمية والقانونية ومصادرها، وكذا نماذج من الكتب المقرَّرة له وفقاً للمنهج، مصنِّفاً إيَّاها بقليل من التفصيل مُظِهراً جوانبها السلبية المُعيقة أساساً للعملية التعليمية وتلك العيوب المرافقة لها. و هذه، برأيي الشَّخصي، تُعتبر أهمُّ الأسباب القائمة أمام طموح ونجاح الطالب؛ منوِّهاً إلى عَدَم الأخْذ بالنقد الشخصي لأيٍّ من القائمين سواءٌ في كلية الحقوق أم جامعة عدن.[c1]أولاً: تَداوُلُ الكِّتاب الجامعي والمراجع في الكلية (نظرة شاملة) : [/c] لا أحد من القائمين في الكلية يستطيع أنْ يُنكِر أنَّ هناك مأساةٌ حقيقية يعيشها طالب الحقوق والمتعلقة ليس فقط بتوافر الكتب والمراجع المناسبة فحسب، وإنما أيضاً بإتقان تأليفها، ومراجعتها علميَاً وأكاديمياً ولغويّاً، وتقييمها باستمرار ومواكبتها لكافة التطوُّرات الحاصِلة في المجتمع المحيط، لغرض التحصيل العلمي الصحيح. فالقوانين الوضعيَّة ليست ثابتةً، وهي في حركة تغيير دائمة بتغيُّر الأوضاع الاجتماعية،والاقتصادية، والسياسية...الخ . فالأدلَّة والشواهد على تلك المأساة كثيرة وهذا ما سنبيِّنه في موضوعنا بالتفصيل بَعْدُ. وإنه لمن البديهي أنَّ الدراسة الجامعية تعني الولوج والإبحار في بطون الكتب لكافة التخصُّصات؛ ما يُؤدِّي إلى التوسُّع والتفقُّه في مختلف العلوم والتعرُّف على شتَّى الأفكار والمناهج وعدم الاعتماد على كتابٍ معيَّنٍ بذاته. وهنا لا أستطيع أن لا أتحدَّثَ عن بِدْعةٍ مُثيرةٍ للاهتمام، بِدْعة عصر «التجهيل» الحديث. خاصَّة مع تطوُّر التقنيَّة العلميَّة المواكِبة لِتطوُّر الوجبات السَّريعة «الهمبرغر «، وتفضيل استخدام الشيءِ الجاهز عِوض البحث والتنقيب عنه و القيام بتجهيزه. يقول مؤسِّس علم الاجتماع العلاّمة «ابن خلدون» في مقدِّمته المشهورة من الفصل السادس والثلاثين (ص551):” ذهب كثيرٌ من المتأخِّرين إلى اختصار الطرق والأنحاء في العلوم، يولعون بها ويدوِّنون منها برنامجاً مختَصَراً في كلِّ علمٍ يشتمل على حصرِ مسائله وأدلَّتها، باختصارٍ في الألفاظ وحشوِ القليل منها بالمعاني الكثيرة. فصار ذلك مُخِلاًّ بالبلاغة وعسيراً على الفهم.وهو فسادٌ في التعليم وفيه إخلال بالتحصيل، وذلك لأنَّ فيه تخليطاً على المبتدئ بإلقاء الغايات من العلم عليه، وهو لم يستعد لقبولها بعدُ، وهو من سوءِ التعليم.ثمَّ فيه شغلٌ كبير على المتعلِّم بتتبُّع ألفاظ الاختصار العويصَة للفهم بتزاحم المعاني عليها وصعوبة استخراج المسائل من بينها. فينقطع في فهمها حظٌّ صالح من الوقت. ثم بعد ذلك كلِّه فالمَلَكَة الحاصلة من التعليم في تلك المختصرات قاصرة عن المَلَكَات التي تحصُلُ من الموضوعات البسيطة المطوَّلة لكثرة ما يقع في تلك من التَّكرار والإحالة المفيديْن لحصول المَلَكة التَّامة. فقصَدوا إلى تسهيل الحِفْظ على المتعلِّمين، فأركَبوهم صَعباً يقطَعُهُم عن تحصيل المَلَكات النافعة وتَمكُّنِها “. وعليه، فإنه يتِّم إعداد ملخصَّاتٍ (مَلازِم، مفردها مَلْزمة) للكتب والمحاضرات القديمة وإعادة تصويرها لتُداول علناً بين الطلبة. والمثير للدهشة إن بعض المدرِّسين يشجِّعون مثل هذه العملية، ولا يأبهون بنتيجتها، بل ويقومون بأنفسهم في بعض الأحيان بالتلخيص. إن الطالب ونظرا لسنِّه وحداثته في الكلية يجدها أسرع وأسهل وأرخص طريقة تعلُّمية. ولم يجد من يحثُّه ويُعلِمُه أنها أبشع وأفدح منهلٍ علميٍّ يمكن أن يتَّكِئَ عليه كطالب أكاديمي في الجامعة. إن المرء يشعُر حينها بأنه في مدارس مرحلة التعليم الأساسي أو في معهد دورات تدريبية قصيرة، وليس في صرحٍ علمي أكاديمي يُفترض أن يكون رفيع المستوى محافظٌ على التقاليد والأعراف اللائقة بمقامه. فبدل الاعتماد على الكتب الجامعية المتخصِّصة، وزيارة المكتبات والبحث في المراجع العلمية وتدوين ما يُلقى في المحاضرات الدراسيّة، يتم استخدام تلك الملخَّصات أو”الملازم” كمرجعٍ أساسي للتعليم. وهذا يعني أنَّ نتيجة التحصيل العلمي فَقرٌ مُدقَع في المعلومات ويصبح العلم لا قيمة له. فالطالب بهذا لن يدرس إلا لاجتياز الاختبار والامتحان، وهدفه الحصول على ورقةٍ اسمها الشهادة الجامعيّة؛ بغضِّ النظر عن طريقة التحصيل، حتَّى لو كانت مؤلمة ومُخزِية. ألمْ يقال “إنَّ الغاية تُبَرِّر الوسيلة “!؟.[c1]ثانياً: نظام الدراسة في الكلِّية : [/c]نظام الدراسة في كلية الحقوق يقوم على أساس النظام السنوي مع وجود بعض المقرَّرات الفصلية، خلافاً لنظم الدراسة في بقية كليات جامعة عدن؛ التي تقوم على أساس النظام الفصلي . وهذا ما ذكر في دليل القبول، فأصبح أمره غريباً. ولتعذرني قيادة الكلية في أن تشرح نظامها الدراسي. مع أن الواقع العملي لنظام الدراسة فيها يقوم على عكس ما ذكر، كبقية الكليات الأخرى! فهل ما جاء في الدليل خطأ أم أن الواقع الدراسي هو الخطأ؟ إنَّ كلية الحقوق قد تأسست عام 1978م أي منذ ربع قرن ونيف، وهي ذات تخصُّصٍ واحدٍ (قانون عام). وعليه، فإن المسؤولية تنتفي عمَّا تُرتكب من أخطاءٍ في المقررات. فنجد مدرِّس مساق معيَّن، لمستوى دراسي معيَّن، يقوم بتدريس مواد لمستويات دراسية أُخرى لا تمت بصلة عمَّا يدرِّسه في ذلك المستوى المعيَّن أو حتَّى عن تخصُّصه الأكاديمي. ناهيك إذا ما كان مؤلِّفاً بذاته لكتاب معين وهذا ما سنأتي إليه في سياق الموضوع. إنني هنا لا أُعيب في إمكانيات المدرِّس؛ بل على العكس، فهناك الكثير من المدرِّسين الذين يُدرِّسون مواد مختلفة، وهم ناجحون في أدائِها، لامتلاكهم مُميِّزات وقدرات خاصة يستطيعون بها توصيل المادة بسهولة ويُسر إلى الطالب. ولكن ليس كلَّهم للأسف. فهناك أيضاً آخرون لا يمتلكون تلك الصِّفات والقدرات فيترتَّب بنتيجتها أنْ لا يتم تدريس الطالب المادة، وإنَّما تلقينها وإملاؤها عليه. وبهذا يُرتكب ذَنْبٌ في تَلَقِّي العلوم ممَّن لا يعلمون. فلم لا يُعطى الخبز لخبَّازِه ؟[c1]ثالثاً : تأليف الكتب المقرَّرة للمساقات (المواد الدراسية):[/c] هناك كتب عديدة ومختلفة مقرَّرةٌ دراستها على كافة المستويات،ومؤلِّفوها متنوِّعون. ولكن الملاحظ أنَّ بعضهم، وهم قليلون،يأبى إلا أنْ يحتكر لنفسه تأليف بعض الكتب الشارحة للقوانين الداخلة في المواد الدراسيَّة (المساقات) للأربعة المستويات، وأحياناً لمستويين متتاليين، برغم اختلاف المواد أو التخصص ذاته وفي ظِلِّ وجود كفاءات متخصِّصة محيطة به، ولديها قدرة التأليف؛ وكلٌّ حسب كفاءته وإمكانياته العلمية وخبرته العملية في المجال الأكاديمي. إلا أنه لا تُعطى لها الفرصة أو لا يُسمح لها،بسبب الوضع الوظيفي للُمحتكِر. فعادةً للمؤلِّف مرتبةٌ وظيفية أعلى من تلك الكفاءات الأخرى، وتبقى كتبهم ومؤلفاتهم تلك تستخدم كمقرَّر للتعليم و»يُجبَر» الطالب على شرائها دون غيرها من الكتب أو المراجع. مع أن مكتباتنا الوطنية و الأهلية زاخرة بالعديد من الكتب لمؤلِّفين يمنيِّين في ذات المجال. وتَبقى العلوم في تلك الكتب العتيقة محصورةً لعشرات السنين، يشتريها الطلبة فصليَّاً أو سنويَّاً، جيلٌ بعد جيلٍ. وقد وصل الأمر إلى أنَّ تلك الكتب مرهونةٌ ببقاءِ مؤلِّفيها ضمن الهيئة التدريسية. فإن مات المؤلِّف، أو «أُقصي» إلى التقاعد، كما يحدث الآن في جامعة عدن، يُستبدل كتابه بكتابٍ آخَرٍ لمؤلِّفٍ جديد. فمَن منَّا قد سَمِعَ قَبْلاً أنََّ العلم يموت ويُدفن بموت المؤلِّف، أو بانتهاء وظيفته وإقصائه إلى التقاعد عدا في كلية الحقوق بعدن. والملاحظ هنا أنَّ الإهمال بكافة الكتب الدراسية في الكلية واضحٌ، واللامبالاة من مؤلِّفيها بعد إصدارها مؤكَّدةٌ. فنجد أن المؤلِّف يَنسى أنَّ الكتاب من «قريحته» وتأليفه؛ فلا يهتم بعيوبه وأخطائه، أو حتَّى تطويره وتجديده وتنقيحه بالمعلومات الجديدة المتغِّيِرة المواكبة للعصر والتحديث، وكذا تصحيح العيوب والأخطاء اللغوية والمطبعية التي شابت ذلك الإصدار. ولكن لا حياة لمن تنادي. فإنْ أصدر كتابه أو مؤلَّفَه، يرميه وينساه وكأنه «ابن زناً «والعياذ بالله. وهذا لا ينطبق على كتابٍ واحدٍ، بحدِّ ذاته، وإنما على كافَّة الكتب المقرَّرة لكلِّ المستويات في كلية الحقوق للمؤلِّفين المحليِّين. [c1]رابعاً : عيوب وأخطاء لنماذج مساقات وكتب جامعية تعليمية : -1 (مساق) اللغة العربية : [/c]بالعودة إلى موضوع اللغة العربيَّة ، فإن ما يُدرَّس في كلية الحقوق في المستوى الأول فقط. وهي تكرار لما قد أُخِذ من قبل من دروس النحو لمرحلتي الابتدائية والثانوية. أي، لا جديد يفيد الطالب في اللُّغة العربية،بقدر ما هو استرجاع واستذكار فقط. مع أن كلِّيات جامعة عدن زاخرةٌ بالكفاءات من حملة الشهادات الجامعية والعليا المتخصِّصة بتدريس اللغة العربية، إلا أنه لا يتم استغلالها كما يجب، أو يستفاد منها في تأهيل خريجي المستقبل وإصلاح اعوجاج لسانهم. والمراد هنا ليس تَخَرُّج الطالب من الكلية مُتَحَدِّثاً بلسانٍ عربيٍ فصيحٍ؛ ولكن على أقل تقدير أن يكون مالكاً له، يجيد التمييز في قواعد النَّحو. أمَّا أن يكون الخريج الجامعي على غير درايةٍ بلغته الأم فهذا عارٌ علينا، إذ سنجد قانونيِّين يترافعون بلغةٍ (لهجة) عاميةٍ في قضايا أُوْكِلوا بها. وسنُصادف قضاةٍ في قاعات المحاكم يحاورون ويستفسرون أطراف الدعوة بلغةٍ عربيَّةٍ، ركيكةٍ، وضعيفةٍ. وعندها قد يصبِِحُ المجني عليه (المدَّعي) فاعِلاً، والجاني (المدَّعى عليه) مَفعولاً به. فلا جدوى عملياً من كادرٍ قانونيٍ نعتبره عبقريّاً في مهنته ومتخلِّفاً في لُغَتِه. لأن أساس هذه المهنة هو بَلاغةُ الكلام وفصاحةُ اللِّسَانِ. وعليه فإنه من المصلحة والضرورة اعتماد تدريس اللغة العربية، كمادة أساسيَّة، وليست فرعية، ضمن المنهج الأكاديمي، تتدرَّج في الأربعة المستويات لكلية الحقوق؛ وخاصة في فروع النحو(الصرف والإعراب)، والمقالة، والإنشاء، وتدريب وتأهيل الطالب على صياغة العقود والمحاضر والمرافعات وغيرها من المواضيع المتصلة بالمهنة. علماً أن هذه المادة، وفي نفس الكلية إلى عام 1989م، كانت تُدرَّس لعامين متتاليين (للمستويين الأول والثاني). فبَدَل التطور والتوسُّع فيها، والنَّظر إلى أبعدِ مِن أُنوفِنا، وجعلِها مَلَكَةً وركيزةً يستند إليها الكادر القانونيُّ، يَتِمُّ بترها وتقليصها إلى سنةٍ، لا تُغْني ولا تُسْمِنُ من جوع. دون وازعٍ من ضمير. أو ربَّما عن جهلٍ عميق. مع أن كلية الحقوق بجامعة عدن لن تكون الأولى في تدريس اللغة العربية لأربعة مستويات، إذا ما تمَّ تطبيق ذلك. فقد سبقَتها كلية الشريعة والقانون بجامعة صنعاء. [c1]-2 كتاب مادة (مساق) الُّلغة الإنجليزيَّة :[/c] إنه لَمِنَ الْمُفيد أنْ يَّدرُسَ الطالب الجامعي لُغةً أجنبيةً عالميةً، مثل الإنجليزية. ولكن من العَبَث والضَّرر أن تكون على حِساب لُغتهِ الأمِّ كما يَحدُث الآن في كلية الحقوق. فهذه اللغة تُدَرَّس لِمُستويَيْنِ دراسيَِّيْن كاملين،الأول والثاني، وكأنها مادة أساسية، وأرقَىَ من تَعَلُّمِ اللُّغة العربيِّة. وحتَّى اللَّحظة؛ لم أعِ الهدف الرئيس من ذلك. ففي المستوى الأول تُدَرََّس أبجديَّات القواعد الأَوليِّة للُّغة، وبعضُ القِطَعِ الإنشائية البسيطة وفيها مجموعة من التمارين. أمَّا في المستوى الثاني، ومن غير مُقَدِّمات، أو مراعاةٍ لمستوى إلمام الطالب لهذه اللُّغة بشكل عام، سواءٌ في محيطه الاجتماعي العام أم لِمَا درسه في المراحل التعليمية السابقة وإمكانياته وقدرته على فهمها والتعامل معها، فإنه يتم القفز بعيداً عن ذلك المستوى. ويبدأ التعامل مع الطالب وكأن مجاله القانوني باللغة الإنجليزية. وبنظرةٍ فاحصةٍ في الكتاب المقررِّ لهذه المادة( (Juridical Terminology For Students لعام 2001م سنجد ما يصدم المرءَ، والشعور بغُصَّةٍ لايُذْهِبُها سوى مُدرِّس تلك المادة بإخلاصه لها، والدُّروس القليلة المُقَدَّمة مِنْه. ورغم قلَّتها إلا أنها تَظَلُّ صَعْبةً في تجاوزها؛ مقارنةً مع المستوى العام للطلبة كما أسْلَفْت. فتلك القطع المقرَّرة وغيرها، التي تشرح وتتحدث عن تاريخ القانون ابتداءً من العصور البدائية، مروراً بعصر الإسلام والعصور الوسطى، ووصولاً إلى العصر الحديث، ومفهوم الدستور وأنواعه وموضوعاته، وشرح للقانون المدني اليمني وموضوعاته، والقانون الجنائي، وشرح لمعنى الإعدام و القتل العَمْد وغير العَمْد، وما إلى ذلك من المواضيع القانونية الأخرى مختلفة الاتجاهات. بالإضافة إلى قائمة طويلة من المصطلحات والأسماء مع معانيها بالعربية ذات الصِّلة بتلك الدروس والمواضيع. فمن تلك المشاهدة السريعة يمكن استنتاج أن معظم ما يدرسه الطالب من هذه المادة يذهب هباءً وعبثاً للعديد من الأسباب، أهمّها: أ- كُلُّ المواد (المساقات)، في كافَّة المستويات الدراسية من أَلِفِها إلى يائِها، لا علاقة لها باللغة الإنجليزية، سواء من بعيد أم من قريب، ولا ارتباط فيها. فَكُلُّ الكتب و» الملازم» والقوانين والمحاضرات والمعاملات و...و...الخ تُداول باللغة العربية إلى يوم التخرج، وبالكاد تَلتَقِطُ أُذُنُكَ كلمةً إنجليزية. فلا أحدٌ مِنَ الأحياء بأرجاء الكلية يُتقِنُها كما يجب إلا فيما نَدَر.ب- من بَعد التَخَرُّج أيضاً، لا تُستخدم هذه اللغة، وخاصة في معظم المرافق وأثناء رفع الدعاوى والتحقيقات ...الخ . و السبب هو تَداوُل كافَّة القضايا المختلفة وخاصة في المحاكم بالُّلغة العربيَّة.ج ـ هناك بِضْعُ كلياتٍ في جامعة عدن، أو في غيرها، مرتبطةٌ أساسًا بِلُغةٍ أجنبيةٍ، لاسِيَّما الإنجليزية ولا غِنَىً عنها،لنوعية التخصُّص العلمي والمهني، مثلُ الهندسة بشتَّىَ فُروعِها، والطِّب، والصَّيدلة، وغيرها من تلك الكليات. فما شأن كلية الحقوق بذلك ؟وعليه، فإنِّي أعتقد إنَّه من الأفضل أن يتم تدريس اللغة الإنجليزية كمادة غير أساسية، وبشكلٍ بسيطٍ وسهلٍ، ولفصلٍ واحدٍ فقط؛ كالأسماء والمصطلحات وبعض البيانات لِغرض الاطِّلاع والمعرفة العامة، وليس كما هو قائمٌ الآن. فالطالب عادةً، وفي أولى بِدايات دراسته يتعرَّف ولأوَّل مَرَّةٍ في حياته على شيء اسمه «القانون»، أو «الجريدة الرسمية»، أو غيرها. فيَصْعُب عليه فَهْمُها، وإدراكها، أو تصوُّرها بلغته الأم؛ فما بال إذا ما كانت باللغة الإنجليزية؟[c1]-3 كتاب شرح « قانون العمل اليمني رقم (5) لسنة 1995م «:[/c] يتم شرح هذا القانون دون وجود مرجعٍ محدَّدٍ له. عدا كتاب من الخطر الاعتماد عليه؛ لما يحتويه من معلوماتٌ خاطئة، وأمثلة لا تلامس واقعنا اليمني. فعلى الرغم من هَيْمَنة القطاع الخاص على مساحة واسعة من الاقتصاد اليمني، إلا أنَّ الكاتب لم يستطِع التفريق بين عُمَّال المؤسسات الخاصة في ذلك القطاع المُلْزَم بتطبيق هذا القانون، وبين المؤسَّسات العامَّة وموظَّفيها المُستَقِلَّة ماليِّاً وإداريَّاً التابعة للدَّولة ومعها المرافق الحكومية المختلفة. فمؤلِِّف كتاب “شرح قانون العمل اليمني الجديد رقم (5) لعام 1995م» المعدّل بالقانون رقم (25 ) لسنة 1997م والقانون العامَّ رقم(11) لسنة 2001م والصادر عام2002م-2003م غير متخصِّص في قانون العمل، وإنما في القانون التجاري. ولأن المسألة كلها قوانين، قام بتأليف ذلك الكتاب، مما حدا به الاعتقاد أنَّ العاملين في المؤسَّسات العامَّة ً ينطبق عليهم القانون رقم(35) لسنة1991م بشأن الهيئات والمؤسسات والشركات العامة والمعدل بموجب القانون رقم(7)لسنة 1997م، الذي يوضِّح ويُبيِّن إنشاء المؤسسات العامة ونظامها المالي، ونشاط مجلس إدارتها، ومهام واختصاصات المدير العام...الخ، (أنظر ص ( 32) من الكتاب). وقد جَهِلَ أنَّه لا ينطبق عليها ولا على عُمَّالها وموظَّفيها إلا قانون الخدمة المدنية رقم (19) لسنة 1991م؛ مِثلها مَثَلُ المرافق الحكومية الأخرى ذات الْمُوازنة العامَّة. والكتاب في معظم معلوماته وأمثلته غير مأخوذة من واقعنا اليمني. بل قِصَصٌ وحوادثَ وأحكامٌ وقَعَت في جمهورية مصر العربية قبل نصف قَرنٍ مَضَى. مع معرفتنا بأن قانون العمل مرنٌ ودائمُ التغيير كل فترةٍ زَمَنِيَّة، وفقاً للمتغيِّرات الاقتصادية والاجتماعية للبلاد. وهنا لا نلوم الكاتبَ، فهذا شأنه وإمكانياته، بقدر ما يقع اللَّوْمُ على مَنْ أجاز استخدام هذا الكتاب كمقرَّر للمستوى الثاني في الكلية!! فأين هي لجنة المناهج المشْرِفة والمراقبة على المقرَّرات؟ وهل مجلس الجامعة هو مَن أجاز ذلك؟ ولماذا لا توجد مراجع أخرى ؟ فلا يُعقَل أنْ لا يوجد أحدٌ من أساتذة القانون في الكلية غير قادر على التأليف والكتابة في هذا القانون؟[c1]-4 كتاب شرح “القانون المدني رقم (14) لسنة 2002م «:[/c]هذا القانون يُدرَّس طيلة السنوات الدراسية الأربع لأهميته في المجتمع. ففيه 1393 مادة. وبالتالي، يفترض أن تكون دراسته، وشرح نصوص قواعده صحيحةً وسليمةً، ومراجعها عديدة وحديثة. ولكن ما نراه في الكلية هو غير ذلك. فمعظم الكتب المقرَّرة ضمن المنهج لشرح هذا القانون على مختلف المستويات هي لمؤلِّفٍ واحدٍ، أو ما زاد عنه فواحد.فهي مفروضةٌ على الطالب، ومجبرٌ أحياناً على شرائها، والاعتماد عليها. برغم قِدَمِها؛. إنها تشرح القانون القديم، المُلغىَ، والصادر بالقرار الجمهوري بالقانون رقم (19) لسنة 1992م بشأن القانون المدني، وفقاً لِمَا نَصَّت عليه المادة رقم (1392) من القانون الجديد المعدّل. ممَّا نتج عنه اختلاف المفاهيم الشارحة في تلك الكتب ومطابقتها مع نصوص مواد القانون الجديد، سواء من حيث تطابق أرقام المواد، أم شرحها. ومع هذا وذاك، فإن تلك الكتب القديمة لا تزال هي المُعتَمَدَة في التدريسِ، ولم يتغيَّر فيها سِوَى «سعرها». وعلى سبيل المثال سنأخذ كتابين شارحين لبعض أبواب القانون، هما 1- «مصادر القانون المدني»، 2-»أحكام القانون المدني» إصدار عام 1992م. أيّ، أنهما يشرحان القانون القديم قبل تعديله؛ وعليه فهما يعتبران قديمين (انتهاء فترة صلاحيتهما). وكان مفترضاً ولزاماً على المؤلِّف أنْ يقوم بإعادة طباعة مؤلَّفاتهِ، بما يتواكب والتغييرات التي طرأت على القوانين. فلا يُعقَل أن تُلقَى محاضراتٍ وفقاً لقانونٍ جديدٍ، أو مُعدَّلٍ، وفي يد الطالب كتابٌ شارحٌ لقانونٍ قديمٍ. فهما أي الكتابين، قد احتويا الكثير والعديد من الأخطاء اللغوية والتي سايرت أخطاء مُشَرِّعِ القانون اللغوية ولم يتداركها المؤلِّف، بَلْ يَظهَر أنه حتَّى لم يَعْرِضْها على مُصَحِّحٍ لُغَوِّي. فقد ظلَّ يكرِّر نفس تلك الكلمات الخطأ، دون تردُّدٍ بتصحيحها لُغَويَّاً حتَّى عند شرحه لنُصوص المواد. ومن هذه الأخطاء ما يلي: أ- ما جاء في الفرع الأول من الفصل الأول/الباب الرابع/القسم الثاني من القانون، تحت عنوان «الإيسار و الإعسار والإفلاس». فقد وردت الكلمات: «موسر» خَمسُ مرَّاتٍ، و»معسر» عَشْرُ مراتٍ. حيث عَرَّفَت المادة 359 من القانون بما يلي:” المُوسِر هو من يفي ماله بديونه أو يزيد عليها و المُعسِر هو من لا يملك شيئاً غير ما استثنى له مما يجوز الحجز عليه أو بيعه .....الخ “. كما رأينا فإن المشرِّع قد أخذ بكلمتي “إيسار” و “إعسار” وكأنه وَزَنَهُما على كلمة إفلاس . وهذا غير جائزٍ لغوياً؛ لأن المعنى سيختلف ولن يتضح القصْد من الجملة قال تعالى : ?{?إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً ?}?الشرح6. وجاء في معجم “مختار الصِّحاح” :” اليُسْر بسكون السين وضمها تعني السِّعة والغِنَى. أما العُسْر بسكون السين وضمها ضِّد اليُسْر . وعَسَرَ غَريمَه طلب منه الدَّيْن على عُسرَتِِهِ . و أَعْسَرَ الرجلُ أي أضاق. والمعسَرة ضد الميسَرة والمعسور ضد الميسور وهما مصدران. وفي كتاب “جامع الدروس العربية “ لمصطفى الغلايني: إنَّ الميسور والمعسور اسمان بمعنى المصدران اليُسر والعُسر . وهكذا، يتضح لنا إنه لا وجود “للإيسار» أو «الإعسار» ،وإنَّ العنوان الصحيح هو «اليسر» و»العسر». ومنه وجب قراءة المادة، ليستقيم المعنى، كالتالي:» الميسور هو من يفي ماله بديونه أو يزيد عليها والمعسور هو من لا يملك شيئاً غير ما استثنى له مما لا يجوز الحجز عليه أو بيعه.....إلى آخِر المادة». ب- ما جاء في المادة رقم (401) من القانون المعدَّل:”مَن حلَّ محلَّ الدائن شرعاً أو اتفاقاً كان له حقه...إلى آخر المادة” . ومنه نجد في كتاب الشرح تكرار للكلمات: ( حلَّ محلّ،الوفاء الحلولي، إحلال ) وهذه من وجهة نظري لاتتناسب ومواقعها في المواد المذكورة فيها كما إنها لا تعطي المعنى البلاغي والقوي في تركيب الجملة. قال تعالى:?{?ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَواْ وَّقَالُواْ قَدْ مَسَّ آبَاءنَا الضَّرَّاء وَالسَّرَّاء فَأَخَذْنَاهُم بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ ?}?الأعراف95 . وقال: ?{?وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُواْ إِنَّمَا أَنتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ?}?النحل101. أيضاً: ?{?نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلاً ?}?الإنسان2 . وقال: ?{?فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ ?}?هود39 . وقال: ?{?لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاء مِن بَعْدُ وَلَا أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَّقِيباً ?}?الأحزاب52. من تلك الآيات ووفقاً لتفسير الجلالين ومعجم مختار الصِّحاح، نستشف أن:1- كلمة “محلّ” تعطي معنى مكان الإحصار أو المكان الذي ينزل فيه الشخص ومصدره “حَلَّ-يَحِلُّ”، أمَّا “ أحَلَّ-يُحِلُّ “ فتعطي معنى عكس الحرم والإحرام كما تعني ينزل. 2- كلمة “بَدَل” تعني استبدال الشيء بغيره. و “بَدَّلَهُ “ الله تعالى من الخوف أمناً و “تبدَّلَهُ” به إذا أخذه مكانه . ومنه “المُبَادَلَةُ و التبادُل “. و “الأبْدالُ “ قومٌ من الصالحين لا تخلو الدُّنيا منهم إذا مات واحدٌ منهم أَبدَلَ الله تعالى مكانه بآخَر ، والواحدُ “بَديل “. وعليه، كان يُفترض على المؤلِّف أن يتطرَّق إلى مثل هذه النماذج لتوضيح الأمر لِيَستَقيم المعنَى، لا أن يتماشَى مع المشَرِّع في خطئِه لِيَزِرَ وازِرةً وِزْرَ أُخرى بحيث ابتكر مصطلحاً جديداً، وغريباً وهو “الوفاء الحلولي”، الذي لا أدري من أين أتى به؟. ج- و أخيراً وليس آخر، فمن الأسباب الرئيسة أنَّ الكتابَ غير صالحٍ للتعليم، ويُعتبَر “موضة قديمة” إنه يحتوي على نصوصِ موادٍ ليست بالقليلة، وقد عُدِّلَت، أو تغيَرَّت، أو أُلْغيَت بعد صدور القانون المعدَّل. مثال لذلك: أن المادة رقم (368 ) من القانون المعدَّل، اعتبرت أنه لا تُسمَع الدعوى بوقف نفاذ التصرف بانقضاء سنة واحدة من اليوم الذي يعلم فيه الدائن بحقه... ولكن ما ورد في الكتاب أن الفترة هي ستة أشهرٍ، وفقاً للقانون القديم.[c1]5 ـ كتاب مادة «الحكم المحلي المقارن» :[/c] على الرغم من صدور قانون السلطة المحلية رقم(4) لسنة 2000م ولائحته التنفيذية بالقرار الجمهوري رقم(269) لسنة 2000م إلا أن طلبة المستوى الثالث لا يدرسون منه إلا اللمم. والسبب هو أن المقرَّر في المنهج، للفصل الأول، كتاب بعنوان « تشكيل المجالس المحلية وأثره على كفايتها في نظم الإدارة المحلية – دراسة مقارنة – (المملكة المتحدة- فرنسا- يوغوسلافيا-مصر-الأردن)»، صادر عام 1993م يحتوي 377 صفحة، مؤلِّفه أردني الجنسيَّة يقارن فيه قوانين الحكم المحلي لدولٍ أوروبية ودولٍ عربية. أما اليمن،وهي بيت القصيد، فلا نصيب لها من ذلك الكتاب. فما فائدة أن يدرس الطالب ويتعلم أنظمة دول أخرى، وهو جاهلٌ لنظام وقوانين الحكم المحلي لبلده؟. وما عليه إلا الانتظار إلى بداية الفصل الثاني من السنة الدراسية، ليدخل عندها على قانون الحكم المحلي اليمني. ليس ذلك فقط، بل إنَّ هذا الفصل سيُعتبر التحدِّي له وللمُدَرِّس؛ لأن الدراسة ستكون من غير مرجع أو كتاب. وعلى المدرِّس أن يبذل ذلك الجهد العظيم، وإملاء المحاضرات «بِدِقَّةٍ» فائقةٍ لِيُمَكِّن الطالب من اجتياز الاختبار، وكذا الامتحان دون أنْ يُّظلَم!. أليس هذا هو التَخَلُّف، والتجهيل بعينه؟ ألم يَحِنِ الوقت بعدُ لمؤلِّفٍ يمني من كلية الحقوق، جامعة عدن بالذات، التَطَرُّق لهذا الموضوع كدراسة أكاديمية؟ وهل توجد إمكانيةٌ لتدريس قانون السُلْطَة المحلية اليمني خلال السنة الدراسية كاملةً، فعندها سيصبح ذلك الكتاب ذا فائدةٍ كمرجعٍ للطالب، وليس كمادةٍ دراسيَّة، كما هو عليه الآن . وهل يمكن تغيير تلك المادة أم إنها بتلك الأهمية التي لا يمكن الاستغناء عنها ؟ مع أنَّ هناك عدَّة قوانين ذي أهميَّة تحتاج إلى دراسة وشرح أكاديميين؛ مثل: قانون « تنظيم مهنة المحاماة « يحوي 119 مادة، وقانون « الخدمة المدنيَّة « وفيه 137 مادة وكذا لائحته التنفيذية الحاوية 256 مادة، وغيرها العديد. [c1] -6كتاب شرح « قانون الأحوال الشخصية رقم(20) لسنة1992م «:[/c] هذا القانون أُصدر سنة 1992م، إلا أنه قد تمَّ تعديله، وإلغاء، وإضافة العديد من المواد مرتين؛ في العامين 1998م و1999 م بالقانونين رقم (24) و (27) على التوالي. وفوق هذا وذاك، وبإصدار الكتاب عام 2000م، إلا أنَّه لم يتطرَّق إلى الجديد في القانون. وظلَّ فيه المؤِّلف يتحدَّث عن القانون القديم، وكأنَّ شيْئاً لم يكن. وإن أعذرته ضيق الوقت للمعالجة، إلا إنِّي لا أستطيع أن أُعذره بذلك بعدها. فقد كان أمامه مُتَّسَعٌ من الوقت لإعادة النَّظر فيه. خاصَّة وإن التعديلات التي جرت على القانون قد مسَّت أهم القضايا الحيويَّة في العلاقات الاجتماعية كالخِطبة، والزَّواج، وغيرها وما يترتَّب عليها من سلوك، وتنظيم، وإجراءات. ليس ذلك فحسب، بل أنَّ عديد المواد المعدَّلة، والمُضافة، والمُلغاة قد بلغت (184 مادة)؛ والقانون السابق كانت فيه(167 مادة فقط).. ولا تعليق!!. إنَّ الكتابَ المقرَّر لِهذه المادة تحت عنوان:” أحكامُ الأسرةِ في قانون الأحوال الشخصيَّة اليمني “ ضِمن سلسلة الكتاب الجامعي(8) لعام 2000م، والقانون مستَمَدٌّ مِن الشريعة الإسلامية.ورغم سهولة المادة وسلاستها لارتباطها بِدينِنا الحنيف، إلا أنَّ المؤلِّف أَظهَرَ التوسُّعَ فيها على حسابِ وقتِ الطالبِ. فقد شمل الكثير من الآيات القرآنية، والأحاديث الشريفة، الدالة على العديد من المفاهيم الاجتماعية مع أركانها، وأحكامها، مثل: الخِطبَة، الزُّواج، الطَّلاق، النَّسَب... الخ. إلا أن كلَّها لم يُقيِّدها المؤلِّف، كما هو مُفتَرضٌ، بأصول النحو (الإعراب). وبعضٌ من الآيات وردت إما ناقصة، أو بأخطاءٍ لا تُغتَفَر، ولا يُمكِن السُّكوت عنها أو تجاوزها؛ فلا تَبْديل لِكلامِ اللهِ تَعالى. كما إنَّها تُسَبِّبُ إرباكاً، وعدم تركيزٍ للطالب فيما يَقرأه، وحِفظها مباشرةً من الكتاب؛ مِمَّا يَضْطُّرَهُ دوماً للُّجوءِ والعَوْدَةِ للقرآنِ الكريمِ، للبحثِ عن تلك الآيات المكتوبةِ خطأً. على سبيل المثال ما وَرَدَ في (ص 137): «ولا يحل لكم أن تأخذوا مما أتيتموهن شيئاً إلا أن يخافا إلا يقيما حدود الله، فإن خفتم إلا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به» (البقرة 229) تكرَّرت هُنا «إلَّا» ثلاثُ مراتٍ كأداة استثناءٍ بِمعنى»غير». في الوقت الذي لا تعني ذلك في القرآن سِوَى في المرة الأولى فقط. أما الأُخْرَيَِان يُفترَضُ أن تكونا « ألَّا «، ويقصد بها عَدَمُ الفعلِ، وإقامةُ حدودِ اللَّهِ؛ فتَصَوَّرُوا كَمْ سيتغيَّر المَعنَى كاملاً. يقولُ اللَّه تعالى: ?{?الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلاَّ أَن يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ?}?البقرة229. والغريب في الأمر، إنَّ المؤلِّف لا يُعيرُ اهتماماً لما ألَّفه، مثلُ الآخَرين. وأنا على يقينٍ تامٍّ، أنَّ مِثْلَ هذه الأخطاءِ، إنْ وردت ضمن الإجابة في أسئلة الامتحان، فمُدَرِّس المادة، أو ربَّما المؤلِّف نفسه، قَدْ لا يَعْفي الطالبَ من خَطَئِهِ عند التصحيح، أو أن يُُّسقِط عليه علامة الإجابة. كما يُلاحظ في الكتاب أنَّ المؤلِّف قد سلك نفس سلوك المؤلِّف للكتاب الشارح للقانون المدني، المذكور قَبلاً، من حيث مجاراة المشرِّع اليمني للقانون بالأخطاء اللغوية وتَكرار لكلمات: إيسار، وإعسار، وموسر، وغيرها...[c1]-7 كتاب شرح « قانون المرافعات والتنفيذ المدني « رقم (40) لسنة 2002م “ :[/c]ظلَّ « قانون المرافعات والتنفيذ المدني « رقم(28) لسنة 1992م (القديم)، الصادر بقرار جمهوري، وقد أُلغي بالقانون الجديد، موضع انتقاد العديد من الأوساط القانونية والقضائية لسنوات، لما اتَّسم به من قصورٍ، ونقصٍ، وغموضٍ، واضطرابٍ، في مواده وأحكامه، التي كان لها أثرها الواضح في ظهور الكثير من التعقيدات، والمشكلات في إجراءات القضاء والتقاضي. (أنظر- مجلَّة “التحكيم” العدد20 أكتوبر2001م). أما القانون الجديد (في العنوان أعلاه) فإنه يحتوي 504 مادة؛ أي بزيادة 214 مادة. ولكُم أن تتصوَّروا الفارق الكمِّي، والنَّوعي، والزَّمني، بين القانونين، القديم والجديد، والتغييرات التي حدثت في إجراءات القضاء والتقاضي. ولكن، ونحن على بدايات عام 2007م، لا يزال طلبة كلية الحقوق يدرسون بمفاهيم، وأفكار، وشروح كتابٍ ناقصٍ، وقديمٍ، صادرٍ عام2002 م ضمن سلسلة الكتاب الجامعي يحمل عنوان”المرافعات المدنية والتجارية في الجمهــورية اليمنــــية “ . هذا الكتاب البائس،في الوقت الراهن، يشرح 290 مادة فقط؛ منها ما أُّلغي، ومنها ما عُدِّل في عام 2002م، ناهيك عن الإضافات. فكيف سيستوعب الطلبة مواد القانون الجديد، وفي أيديهم كتاب شارح لقانون قديم ؟ مع العلم أنه لايوجد كتابٌ آخر يحل الأزمة ! فهل هذا ما يُسمَّى التعليم الجامعي الحديث؟ وفي ختام الموضوع، لا يسعني إلا أن أُذكِّر بأنَّ ذلك لم يكن إلا غيضٌ من فيض. فهناك بقية المساقات على مختلف المستويات التي لم تُذْكَر كتبها المقرَّرة لها. ليس سهواً منَّا أو نسياناً، بل خشية التطويل، ولئلا يتسلَّل إلى القارئ الكريم الملل؛ فالمشكلة هي ذاتها. وما ورد إلا نماذج الغرض منها الإفاقة والالتفات إلى تعاسة أبنائنا وطلبتنا الدارسين في الكلية أو في غيرها من الكليَّات، وضرورة تصحيح ذلك الخلل المُعاش، وعلى وجه السرعة . . إنَّ غايتي ومَقصِدي الرئيسيَيْن إنَّما الأخطاء والعيوب العلمية والأكاديمية الواردة والمُرافِقة في وسائل المنهج الدراسي العام وسُبُل تفاديها و تداركها لما له من مصلحةٍ للطالب وللمجتمع وبه أكون قد أدِّيتُ ما أوجبه عليَّ ديني وأملاه ضميري لما فيه المصلحة العامة للعلم والمتعلِّمين في كلية الحقوق خاصةً، وجامعة عدن عامةً والتناسب وسمعتهما العريقة على المستويين المحلي والعربي.[c1]نادر عبدالقدوس عبدالخالق القريشيماجستير علوم إقتصادية المستوى الرابع - التعليم الموازي كلية الحقوق - جامعة عدن [email protected] [/c]
|
دراسات
الدراسة الجامعية ومنهج كلية الحقوق في جامعة عدن
أخبار متعلقة