قصة قصيرة
حرص الجمال في البداية على الاعتناء بجمله خير عناية لأنه مورد رزقه، بيد أنه أراد إخضاعه لسيطرته التامة، والتحكم بحريته كما يشاء، فكان أن خرمه من منخزيه، جاعلاً مقودة بيده حتى يسهل اقتياده، ويكون مستسلماً، مطيعاً لإرادته. ولكن الجمال ذا النزعة الاستبدادية في استرقاق جمله لم يحسب حساب الغد بالبصيرة وما قد يحل عليه من ضيق الحال وسوء التدبير، وأن الجمل بطبعه صبور وحقود في الوقت نفسه فإذا ما أحس بازدياد الضيم عليه وسوء معاملة صاحبه له فإنه سرعان ما يهيج هياجاً عالياً لا يتوقف بسهولة تعبيراً عن معاناته النفسية واستشعار بالظلم الذي طاله من صاحبه. وشاءت الأقدار أن يأتي يوم تسوء فيه حالة الجمال النفسية، وتكسد معاملاته التجارية مع الآخرين، فيصاب بضائقة مالية، فلا تجد شيئاً يقتات منه بعد أن جفت موارد معيشته الميسرة، فانعكست عصبيته الشديدة، في سوء تعامله مع الجمل “رفيق عمره” فأصبح ينهال عليه ضرباً مبرحاً، ويحرمه من حقه في المأكل والمشرب، ولم يرأف به بعد أن عايشه سنوات طويلة من عمره، وتحمل معه كل المشقات والصعاب وشاطره أتراحه وأفراحه وكان له نعم المطيع والخدوم الذي لا يعرف الكلل ولا الملل ولم يكن يفكر يوماً أن صاحبه سينقلب عليه، وسيعامل معاملة قاسية. وعندما ضاق الجمل ذرعاً بصاحبه نتيجة سوء معاملته وقسوته عليه، ونفد صبره، بدأ ينظر إلى صاحبه شزراً ويضمر له حقداً دفيناً فاقتنص له - ذات يوم - الفرصة الحاسمة وهر يغط في نوم عميق وأخذ يتبرطح فوقه ويدوسه بأقدامه المفلطحة بكل قوة حتى سقط صريعاً ثم مات هو الآخر “أي الجمل” قهراً وكمداً وحزناً عليه في النهاية.