شهدت المنافذ البحرية اليمنية ممثلة بقطاع الموانئ والملاحة منذ إعادة تحقيق الوحدة اليمنية تطورات ملموسة وإنجازات بارزة تظهر جلياً من خلال المؤشرات والأرقام التي تبين نسب الزيادة الكبيرة في الحركة الملاحية والتجارية والأنشطة العملية داخل الموانئ والمراسي اليمنية.. فقد تم استحداث الرافعات الجسرية وحاضنات الحاويات والقاطرات وتزويد أرصفة الموانئ بالعربات وشاحنات النقل لتسهيل حركة نقل البضائع.كما تم إنشاء وتأهيل الألسن والأرصفة التجارية والسياحية واستحداث مغاطس وتعميق بعض المراسي لتكون مؤهلة لاستقبال السفن العملاقة ، بالإضافة إلى إعطاء الفرصة للقطاع الخاص في الإسهام الفعال من خلال المشاركة داخل ساحات الموانئ من حيث بناء الصوامع للبضائع الجافة والسائلة وكذلك المخازن، هذا بالإضافة إلى ضخ تموينات الوقود .ميناء عدن هذا الصرح الاقتصادي الاستراتيجي الهام لما يتميز به من عوامل طبيعية تؤهله كي يصبح منافساً عالمياً بسبب موقعه الاستراتيجي القريب من الخط الملاحي الدولي الذي يربط الشرق بالغرب والذي لا يبعد سوى 4 أميال بحرية فقط من منطقة صعود المرشد مما يسهل عليه الوفاء بمواعيد زيارة السفن للموانئ الأخرى دون عناء وبالشكل المثالي كما أن سهولة الوصول إلى المراسي من نقطة صعود المرشد عبر عملية إرشاد متميزة وبسيطة وفي أحوال جوية ممتازة للدخول إلى أي جزء في ميناء الزيت أو الميناء الداخلي، بالإضافة إلى أن حوض دوران السفن جنوب محطة عدن للحاويات كافية لمناورة أي سفينة حاويات ضخمة تخدم حالياً أو أي سفن سيتم تصنيعها في المستقبل.ها هو ذا الصرح الاقتصادي ينطلق اليوم بكل ثبات وثقة نحو المستقبل المشرق والواعد ممثلاً بمؤسسة موانئ خليج عدن اليمنية مشتملاً على دائرة التشغيل التي تقوم بتشغيل حاضنات الحاويات والقاطرات البحرية والعربات بالطاقة الحيوية باعثاً النشاط والعمل في كل أرجاء مراسي وأرصفة محطة عدن للحاويات إضافة إلى سجل برج المراقبة الملاحية “الكنترول” والرصيف.وقد شهد الميناء العديد من المنجزات الهامة في الفترة ما بين 1990 ـ 2007م شملت شراء معدات مناولة البضائع والحاويات ووسائل النقل وسيارة مع السلم الكهربائي وساحبتين بحريتين (وادي حسان) و(وادي حطيب) بلغت قيمتها الإجمالية 11,059,000 يورو.كما تم تركيبة منظومة مراقبة حركة دخول وخروج الأفراد في بوابة الأرصفة بالمعلا وإلى جانب هذه المعدات والآليات تسلم الميناء ثلاث سيارات إطفاء (إيفكيو ـ إيطالية) ومساعدات ملاحية بالإضافة إلى ساحبتين بحريتين وزورق إرشاد وزورق ربط وزورق عمل ، وكذا شراء رافعة متحركة (8 أطنان) للدائرة الفنية وقاطرتين بريتين ورافعة (43 طناً) لمناولة الحاويات، وثلاث رافعات شوكية 3 أطنان وجهاز رادار ملاحي إلى جانب منظومة تسجيل ومراقبة السفن وسيارة إطفاء ألمانية بالإضافة إلى أجهزة ومحطات اتصالات وتوريد 6 طافيات مع قطع الغيار وتصنيع وتوريد 3 زوارق وتصنيع وتوريد زورقي إرشاد ومكائن لحام للدائرة الفنية وتوريد 28 طافية إنارة 2007م بكلفة إجمالية بلغت 27,331,300 دولار أمريكي.وأجريت عدد من الدراسات في مجال التشييد والبناء والتصميم المتعلق بتأهيل وتطوير الميناء، فقد تم عمل دراسة وتصميم لتعميق رصيفي 6و5 بميناء المعلا ووضعت تصاميم لإنشاء رصيف بحري وترميم مبنى الفنار ومساكن العاملين في جزيرة ميون، وتم أيضاً إجراء دراسة لتعميق وتوسيع القناة الملاحية وانتشال حطام السفن ودراسة وتصميم منظومة مراقبة مرئية لحركة السفن في ميناء عدن، بالإضافة إلى دراسة المخطط العام للميناء ودراسة لتطوير وتوسيع الدائرة الفنية، وقد بلغت القيمة الإجمالية لهذه الدراسات والتصاميم 268,000 دولار أمريكي.تجدر الإشارة إلى انه تم عمل دراسة لترميم مبنى رصيف السياح وإدخال شبكة الحاسوب للأنظمة المالية والإدارية بقيمة إجمالية تقدر بـ57,000,000 ريال يمني.وقد بادرت مؤسسة خليج عدن إلى الاستعانة ببعض الخبرات المتخصصة في مجال الموانئ لتسيير أعمال محطة عدن للحاويات إلى جانب الخبرات الوطنية المكتسبة.وفي ظل هذه الإنجازات التي يحققها الميناء منذ قيام الوحدة المباركة ارتفعت مستويات الأنشطة في مناولة الحاويات والحركة الملاحية.بالإضافة إلى ارتفاع حركة البضائع الجافة والسائلة المتداولة في ميناء عدن خلال الفترة ما بين 1990ـ 2007م من 8064366 إلى 14012778 طناً وإجمالي البضاعة المتداولة من 3151335 إلى 4976745 طناً للبضاعة السائلة المشحونة ومن 4179370 إلى 6354361 طناً للبضاعة السائلة المفرغة، كما ازداد إجمالي البضاعة الجافة المشحونة من 47902 إلى 236486 طناً ومن 685770 إلى 2445186 طناً للبضاعة الجافة المفرغة.كما ارتفع مؤشر عدد الحاويات المفرغة والمشحونة خلال الفترة 1990 ـ 2007م من 4058 حاوية مفرغة بوزن 56723 طناً إلى 26363 حاوية مفرغة بوزن 531862 طناً ومن 3727 حاوية مشحونة بوزن 8010 أطنان إلى 24379 حاوية مشحونة بوزن 92428 طناً وبالإضافة إلى ازدياد عدد السفن الوافدة إلى الميناء خلال الفترة 1990 ـ 2007م من 807 إلى 1039 سفينة بضائع جافة ومن 431 إلى 786 سفينة نفط.ويسير العمل بانسيابية داخل ميناء عدن وذلك بفضل التعاون والتفاهم من جانب الوكالات والشركات والخطوط الملاحية الدولية للحاويات ما ساعد العاملين على استعادة قدراتهم وكفاءاتهم في صيانة وإصلاح بعض الآليات وإعادتها للخدمة والعمل على عكس ما يثار، وميناء عدن قادم اليوم على التحول إلى ميناء محوري إقليمي ونشاط واسع قريباً.وهناك عدة أسباب لوصول ميناء عدن لذلك المركز و منها الموقع و العوامل الجغرافية والطبيعية التي سنتطرق لها لاحقاً، ولكن السبب الرئيسي لكثافة حركة السفن في الميناء يعود لتوفيره خدمات التزود بالوقود و المؤن للسفن الزائرة. فقد كانت السفن تزور عدن في طريقها على الخطوط التجارية بين أوروبا و آسيا، وذلك للتزود بالفحم الحجري في منطقة حجيف بمديرية التواهي و الذي كان يستورد من مناجم ويلز في المملكة المتحدة. وقد كان في حينها لسفن الركاب حيز كبير من عدد السفن الزائره والمستفيدة من هذه الخدمة، و التي بدورها ساهمت بشكل ملحوظ في تطوير مديرية التواهي بتعدد الفنادق و المطاعم الراقية فيها بالإضافة إلى ازدهار المحلات التجارية في سوقها الحرة التي كانت توفر أرقى و احدث منتجات العالم مثل ساعات الرولكس و غيرها من الحلي و الالكترونيات بأسعار جذابة. حيث كانت الأفواج السياحية تنتهز فرصة تزود السفن بالوقود للنزول إلى المدينة للتبضع في أسواقها الحرة وزيارة معالمها التاريخية، و بذلك فقد كانت الفائدة من توفير ميناء عدن لخدمة التزود بالوقود تعود لعدن الميناء و المدينة، و هو ما ادى الى شهرة و رقي سمعة الميناء عالمياً.بالإضافة إلى ذلك هنالك عوامل أخرى لم تول اهتماماً من قبل المؤرخين ولكن كان لها اثر مباشر على حركة السفن في عدن، و هي سلطة و نفوذ بريطانيا كإمبراطورية في وقتها بالإضافة إلى مترتبات الحرب العالمية الثانية. فقوة بريطانيا كدولة عظمى و بحكمها لكثير من دول العالم بالذات في الشرق الأوسط و إفريقيا و جنوب شرق آسيا أدى إلى احتكارها للخطوط التجارية في ذلك الجزء من العالم و خاصة و إنها كانت تمتلك اكبر أسطول تجاري بحري في العالم و الذي كان ميناء عدن محطة رئيسية له على هذه الخطوط. أما العامل الآخر الذي قل ذكره فهو اثر الهجرة الواسعة التي حدثت أبان الحرب العالمية الثانية من أوروبا إلى استراليا و نيوزيلندا الذي كثف عدد الرحلات في تلك الفترة و لعدة سنوات، فكان المهاجرون يبيعون كل ما يملكون قبل رحيلهم من بلدانهم و أثناء وقوفهم في عدن كانوا يستفيدون من أسعار سوقها الجذابة فيشترون كل ما يحتاجون لبدء حياتهم الجديدة. فقد أثرت تلك الهجرة بشكل كبير ولو لفترة وجيزة على عدن من حيث كثافة الحركة في مينائها و ازدهار أسواقها.وعامل آخر الذي كذلك يجب أن لا ننساه هو أن ميناء عدن كان الوحيد في المنطقة الذي لديه الإمكانية لتوفير كل ما تحتاجه السفن من وقود و ماء و مؤن بالإضافة لقطع الغيار وورش الصيانة ...الخ، كما كان ميناء عدن الميناء الحديث الوحيد في شبه الجزيرة العربية و القرن الإفريقي مما جعله الميناء الرئيسي لتجارة دول المنطقة، فكانت الكثير من بضائع هذه الدول تصل إلى ميناء عدن على متن سفن ضخمة ثم تنقل إما على سفن صغيرة أو عبر القوارب الخشبية إلى تلك الدول. و لكن مع تطور موانئ دول الجوار انتهى الاعتماد على عدن بل أن الوضع انقلب فالكثير من البضاعة الآسيوية و الغربية المتواجدة في أسواق دول المنطقة خاصة في اريتريا وجبوتي و الصومال تأتي الآن من دبي.وقد أدركت دولة الوحدة إمكانية الاستفادة من كثافة الحركة في المياه الاقليمية و بالذات بعد ازدياد استخدام الحاويات في النشاط التجاري العالمي، و بذلك تبلور هذا الإدراك بتطوير ميناء عدن كميناء ترانزيت للحاويات وتم في عام 1990 استلام رصيف المعلا المتعدد الأغراض و القابل لاستيعاب الحاويات، و من ثم و بعد ازدياد الاقبال على الرصيف تم في أواخر التسعينيات إنشاء محطة عدن للحاويات في كالتكس لتطوير هذا النشاط اكثر. وبالفعل بدأ هذا النشاط بالانتعاش بشكل كبير حتى ان الجهات المختصة قررت البت في المرحلة الثانية من المشروع و ذلك ببناء المزيد من الارصفة لمواكبة الاعداد المتزايدة من الحاويات المتداولة في الميناء، و لكن و للاسف الشديد كان لحادثتي الهجوم الارهابيتين على المدمرة الامريكية كول و ناقلة النفط الفرنسيه ليمبيورج في المياه اليمنية الاثر البليغ على نشاط حاويات الترانزيت و الحركة الملاحية بشكل عام في ميناء عدن، فقد تدهورت الحركة الملاحية خلال تلك الفترة الى ان وصلت الى الصفر و خاصة بعد فرض شركات التأمين العالمية رسوماً مجحفة على السفن الزائرة لميناء عدن.و لكن مع مرور الوقت ولأهمية موقع ميناء عدن الاستراتيجي عاودت السفن بزياراتها للميناء، وخاصة بعد تقليص شركات التأمين العالمية الرسوم المفروضة على السفن الزائرة و الذي نتج بشكل أساسي عن إنشاء مصلحة خفر السواحل اليمنية، الذي بدوره عمل جاهداً على فرض طوق امني محكم على حرم الميناء و مياهنا الإقليمية موفراً بذلك الحماية و السلامة لكل السفن الزائرة.ميناء عدن بكل عوامل قواه ذو قدرة و مرونة عالية في التغير حيث استطاع ان يتأقلم مع متطلبات الملاحة الدولية المتغيرة فدور ميناء عدن تغير بتغير متطلبات الشركات الملاحية ، فبالماضي كان نجاحه بدوره كميناء للتزود بالوقود و بالحاضر يكمن نجاحه في تطويره كمحطة ترانزيت للحاويات و بالمستقبل ربما يزدهر كميناء مُصنع فلا احد غير الله سبحانه وتعالى يعلم ما تحمله الأقدار لهذا الميناء التاريخي والاقتصادي الهام. ومستقبل ميناء عدن سيكون واعداً باستعادة مركزه كأحد أهم موانئ العالم خاصة وأن عوامل قواه جغرافية طبيعية لا تتأثر بعامل الزمن.. مهما طال.ولقد كان تطوير الميناء حجر الزاوية لتحتفظ عدن بموقعها التجاري الهام. فافتتاح قناة السويس في 17نوفمبر عام 1869م شكل نقطة تحول رئيسية في تاريخ ميناء عدن. اذ اتسمت الفترة التي تلت ذلك، وقبلها اعلان ميناء عدن ميناء حراً، باستقطاب تجارة سلع الترانزيت فنشطت التجارة المارة بعدن وتأسست اسواق جديدة في المدينة وازدادت الصفقات التجارية بين الشركات العالمية التي اسست لها مكاتب ثابتة في عدن. كما ساهم دخول خدمة التلغراف الى عدن عام 1870م بتمكين الشركات في عدن من ان تكون على اطلاع دائم على اسعار السلع في العالم. وحتى تبقى عدن الميناء منافساً في كل وقت، كان لابد لها من مواكبة التغييرات في النشاط التجاري الملاحي.. فاستبدال السفن الشراعية بالبخارية على ان توفر عدن وقود الفحم للبواخر المرتادة وقد نجحت بذلك.. كما نجحت بعد ذلك عندما تحولت البواخر المستخدمة للفحم الى وقود البترول. لاشيء متروك للصدفة بل التخطيط الاستباقي كان سمة عدن في اوج ازدهارها. لقد كانت عين عدن على قناة السويس لحظة بلحظة فعندما كان يتم تعميق القناة لاستيعاب سفن اكبر، تقوم عدن بتعميق مينائها وبزيادة قدم واحد من عمق قناة السويس.وكما فعل ابن زياد، قامت سلطة الاحتلال بتوفير الامن في عدن ونفذت العديد من المشروعات الخدمية واتخذت سياسات تشجيعية لجذب التجار والمستثمرين اليها فنجحت بذلك حتى اصبحت عدن الميناء من انشط موانئ الخدمات في العالم. لقد كان لهذه الاجراءات والقرارات تأثير مباشر لازدهار عدن.. فحركة ونشاط تبادل السلع الفرنسية والامريكية ارتفعت بشكل ملحوظ وازدهرت تجارة السلع المارة (الترانزيت) وازدادت اعداد المراكب القادمة من الصين والهند والحبشة من (80) مركباً ليصل عددها الى (1120) مركباً خلال السنوات العشر التي اعقبت اعلان ميناء عدن ميناءً حراً. وتوالت الاحداث لتتمكن عدن من استيعاب مايفوق (6000) سفينة في العام في الستينات.وبينما كان ميناء عدن يحتفل وفي مطلع التسعينات بافتتاح ارصفة المعلا متعددة الاغراض، تحققت اسمى اهداف الثورتين اليمنية(سبتمبر واكتوبر) وتطلعات اليمنيين قاطبة الا وهو الوحدة اليمنية المباركة. ولقد ادرك قائد مسيرة الوحدة فخامة الرئيس علي عبدالله صالح منذ الوهلة الاولى اهمية هذا الصرح الاقتصادي لمستقبل اليمن ليمنحه رعاية خاصة فاعلن عدن العاصمة الاقتصادية والتجارية وتلا ذلك اعلان ميناء عدن ميناء حراً في عام 1995م. هذه العناية تمثلت باقرار فخامته تشييد محطة عدن للحاويات بمواصفات عالمية ويعلن للعالم بان ميناء عدن قادم وعازم على استعادة مكانته في خارطة الملاحة الدولية. وكانت نتيجة هذا الاجراء تحسن اداء ميناء عدن وارتقى من المرتبة(310) في عام 1995م من بين الموانئ العالمية المتخصصة بتداول الحاويات ليصبح في المرتبة رقم (119) في عام 2002م. ولقد وعى فخامته ان توفير البنى التحتية الرئيسية واقامة احدث التسهيلات لا يمكن ان ينعزل عن تأمينها، ولهذا وبفطنة قائد مسيرة الوحدة قرر في عام2002م انشاء مؤسسة متخصصة للقيام بمهام تأمين الميناء وهي مصلحة خفر السواحل التي تعد بمقاييس هذه الايام افضل المؤسسات الامنية في المنطقة والذي نتج عنه الغاء علاوة مخاطر الحرب على الموانئ اليمنية من قبل شركات التأمين والتي كبدت الاقتصاد اليمني خسائر فادحة.
ميناء عدن في ظل الوحدة .. تطورات ملموسة وإنجازات بارزة
أخبار متعلقة