عبدالله علوان [c1]البحر المنعكس [/c]قصيدة ( ليت شعري) تنبني على بحر شعوري فريد من نوعه هو مايمكن تسميته بالبحر المنعكس ، وغالباً ماياتي هذا البحر تعبيراً عن مشاعر الاسى والقهر ومشاعر الظلم والغبن.ويلاحظ اول مايلاحظ ان الغبن والظلم حالة لاتقتصر فقط على العلامة المحتسب الذي عاش حياته مغبوناً ومظلوماً، بل هي حالة تشمل الشاعر ايضاً ، فهو يكابد ويعاني مكابدة العلامة بل واكثر، اي أن الحالة التي يكابدها العلامة لم تنعكس على الشاعر إلا لانه يعاني منها الأمرين ، وتحت وطأة هذه المشاعر المشتركة ، او المتماثلة ، كأن هذا البحر المنعكس انعكاس الموضوع على الذات..وهذا البحر مركب من تفعيلتي الرمل ( فاعلاتن) والمتقارب ( فعولن) هكذا:[c1]ليت شعري / من اكثر/ ترقاب / الفرص***فيك ياطي/ رواحتا/ ل واحتاشفاعلاتن / فعولن/فعولن/فاعلن***فاعلاتن/ فعولن/ فعولان [/c]فهو ينطلق من الرمل الذي هو منطلق البحر المديد، لكنه لايشفع تفعيلة الرمل بتفعيلة المتدارك( فاعلن) كما هو حال البحر المديد، وانما يشفعها بتفعيلة المتقارب (فعولن) ثم يستأنف سرده، ليس من الرمل ، كما هو الحال في البحر المديد ، وانما من تفعيلة المتقارب ( فعولن) كما نلاحظ ذلك في صدر البيت اعلاه، مع حذفه السبب الخفيف من فاعلاتن في نهاية الصدر وعندها تبدو تفعيلة الرمل (فاعلاتن) وكانها تفعيلة المتدارك ( فاعلن) مع انها من تفعيلة الرمل المحذوف، وهي آخر بحر المديد ، الثلاثي التفعيلة.اما في عجز البيت ، فهو يحذف تفعيلة الرمل الاخيرة، ويستعيض عنها بتفعيلة الهزج المنقوص( مفاعيل) ، او ( فعولان) والتعاكس هنا يختلف تماما عن التضارع في بحري الطويل والبسيط، فالتضارع في الطويل ، يعني تساوق المتقارب والهزج من اول البيت حتى النهاية وبصورة منتظمة هكذا:[c1]فعولن مفاعيلن فعولن مفاعيلن***فعولن مفاعيلن فعولن مفاعل [/c] اما في هذا البحر المنعكس، فانه لاينسرد متضارعاً ، وانما ينسرد ثم ينعكس ، وبصورة منتظمة هكذا [c1]فاعلاتن ، فعولن ، فعولن ، فاعلات***فاعلاتن، فعولن ، فعولن، فاعلات [/c]واذا كان الوتد المجموع في بداية كل من المتقارب والهزج هو ما يشكل تجانساً عروضياً في الطويل مثلاً ، فان السبب الخفيف في نهاية كل من ( فاعلاتن، وفعولن) هو مايشكل التجانس في هذا البحر المنعكس او قل ان تفعيلة الرمل في البحر المنعكس نجدها مساوية لتفعيلة الهزج في البحر الطويل من حيث المدى الزمني، اي من حيث الحركات والسواكن.لكن ثمة اختلاف بينهما في ترتيب الاسباب والاوتاد ، فالهزج يتكون من( وتد مجموع + سببين خفيفين) اما تفعيلة الرمل فتتكون من ( سبب خفيف + وتد مجموع + سبب خفيف) ويلاحظ ان حذف السبب الخفيف الاول من فاعلاتن ، يجعل التفعيلة على صورة ( فعولن) هكذا (علاتن) بدلا من ( فاعلاتن) ومن هذه التداخلات يمكن القول ان البحر المنعكس يتشابه مع المديد، الا انه ليس منه ، ولنقرأ البحر بصورة اخرى :[c1]ليت شع/ري من أك/ثر ترقاب/ الفرص***فيك يا/طير واح/تال واحتاشفاعلن/ فاعلن/ فاعلاتن/فاعلن***فاعلن / فاعلن / فاعلاتن [/c]هذه الصورة تجعل البحر وكأنه من الممتد لان تفعيلة الرمل فاعلاتن دخلت بين ثلاث تفعيلات من المتدارك ،فبدت القصيدة وكأنها من الممتد مع انها ليست من الممتد في شيء.لكن الدكتور/ محمد عبده غانم في كتابه شعر الغناء الصنعاني ( صفحة 114) لايستطيع تحديد هذا البحر في قصائد كثيرة في كتابه من هذا البحر المنعكس فهو يضع احتمالين ويقول ان هذا البحر قد يكون من المتدارك، وقد يكون من الممتد، وهذا حكم اعتباطي ،لانه يقوم على التخمين ،والتخمين يتنافى مع العلم.ومعلوم ان بحر المتدارك ،هو من البحور المتماثلة ، التي لاتقبل اي تفعيلة غير متماثلة بالمتدارك ( فاعلن) كما ان بحر الرمل ( فاعلاتن) لايقبل بأي تفعيلة غير متماثلة بتفعيلة الرمل.فهذا البحر المنعكس ، لا يمكن تصنيفه في خانة بحر المتدارك لمجرد دخول تفعيلة واحدة من تفعيلات الرمل( فاعلاتن) عليه، بل العكس ،فدخول تفعيلة واحدة من الرمل عليه ،فقط،هو مايبرر اخراجه من المتدارك، او اخراجه من الممتد الذي يقوم على ثمان تفعيلات كما في قصيدة ( وامغرد بوادي الدور) .كذلك لايمكن اعتبار هذا البحر المنعكس على انه من البحر الممتد، لمجرد دخول احدى تفعيلات الرمل ( فاعلاتن) مع المتدارك.وبنظرة سريعة الى بحر الممتد في الشعر الحميني سندرك فهاهة الدرس الاكاديمي لعلم العروض عمودياً كان او حمينيا.ولنأخذ من الممتد، اولا قصيدة( وامغرد بوادي الدور) للشاعر علي العنسي.[c1]وامغرد /بوادي الدور من فوق الاغصان***وامنجش صبا باتي بترديد الالحانفاعلن / فاعلاتن / فاعلن / فاعلاتن***فاعلن/فاعلاتن/ فاعلن/ / فاعلن/ فاعلاتان [/c]ومثله من المتتد المجزوء قول عبدالرحمن الانسي:[c1]ياحما/مي على دا/ري ينوح***لاتزد/في شجا قل/ بي الكئيبفاعلن/فاعلاتن/فاعلان***فاعلن/فاعلاتن/فاعلان [/c]من المشطور قول عبدالرحمن الآنسي :[c1]يا قدير/ يامقدر***كل شيء يا مدبرفاعلن/ فاعلاتن***فاعلن/ فاعلاتن [/c]لكن يمكن قراءة هذا البحر المشطور، ايضاً ، على انه من هذا البحر المنعكس، وبدون حرج، هكذا :[c1]ياقدير يا/مقدر***فاعلاتن/ فعولن كل شيء يا / مدبر***فاعلاتن / فعولن [/c]ثم لاحظوا معنا هذا الفصل والوصل الذي اجريناه على التفعيلتين، فقد فصلنا السبب الخفيف من بداية تفعيلة الرمل ووصلناه بنهاية تفعيلة المتدارك ، ومن هذا الفصل والوصل ،نشأ بحر المنعكس.لكن لو قمنا بعملية الفصل والوصل على بحر الممتد التام، لاختل نسق الممتد ولما قامت للبحر المنعكس اي قائمة..؟!!!.. ولننظر الى ذلك من خلال قصيدة ( وامغرد بوادي الدور) للشاعر علي العنسي من ديوانه وادي الدور.او من قصيدة علي بن اسحاق في كتاب ( شعر الغناء الصنعاني، ص282):[c1]يامعل/لق بحبل ال/حب إن/ كنت ترتاح***للغوا/ني مثاليفاعلن/ فاعلاتن/ فاعلن/فاعلاتن***فاعلن/فاعلاتان [/c]او من قصيدة عبدالرحمن الآنسي ( قال الاول فسارت) في ديوانه ( ترجيع الاطيار ، ص 330)[c1]قال الاو/ول فسارت/ بالذي/قال الامثال***من تعظ /ظم تهدمفاعلن/ فاعلاتن/فاعلن/فاعلاتن***فاعلن/فاعلاتن [/c]فلو قمنا بفصل السبب الخفيف من بداية فاعلاتن ووصلناها بنهاية فاعلن، لاختل نسق الممتد ولن يقوم للبحر المنعكس قائمة ، وهذا دليل على صحة البحر المنعكس، وفرادته في الشعر الحميني، ثم انه دليل على اخطاء الدرس الاكاديمي لعلم العروض.ومهما كان ذلك فنحن نعلم ان بحر الممتد هو عكس البحر المديد وهما من البحور المتشافعة كالخفيف والمنسرح ، وليس من البحور المتضارعة كالطويل والبسيط .ويجمع علماء العروض على ان بحر المديد لاتزيد اجزاؤه على ستة تفاعيل، كما في قصيدة الشنفرى:[c1]ان في الشع/ب الذي دون سلع***لقتيل / دمه/ لم يطلفاعلاتن/ فاعلن /فاعلات***فعلاتن/ فعلن/فاعلات [/c]وهذا البحر المنعكس ، ليس لا من المتدارك ولا من الممتد، كما يتكهن الدكتورمحمد عبده غانم، وانما هو بحر قائم بذاته ومن البحور المركبة من تفعيلتي الرمل والمتقارب، وله نماذج كثيرة في الشعر الحميني ، خذ اولا قصيدة ( ألغويدي)[c1]ألغو يدي/ نظم في / هوى العذ/ ري نشيد***قال قلبي/ تهم /وراء العيسفاعلاتن / فعولن/ فعولن/ فاعلات***فاعلاتن / فعولن/فعولان [/c]ومثله قصيدة محمد الشرفي الكوكباني ، ( ليت بيض الاماني):[c1]ليت بيض ال /أماني/تساعد /للمنى***كنت شاحظى/بما قد/ تمنيتفاعلاتن/فعولن/فعولن/فاعلن***فاعلاتن / فعولن/ فعولان [/c]وأصل هذا كله يرجع الى قصيدة اسحاق بن يوسف المتوكل ( يا بعيد المحلة)[c1]يابعيد ال / محله/ وقلبي/لك حلال***ان غيرك / حبيب / ماحلا ليفاعلاتن/فعولن/فعولن/فاعلات***فاعلاتن / فعول/ فاعلاتن [/c]ولأحمد عبدالرحمن الآنسي قصائد كثيرة من هذا البحر مثل:[c1]* ياجزيل العطا نسألك حسن الختام***فرج الهم وكشف مضيقه* يامحجب عن الصب من جمعة رجب***ليت انصفت يابدر شعبان* يا رعى الله ايام منها الدهر غار***والليالي تقضت لنا أعراس* مالقلبي وللوجد والشوق الشديد***والقلق والفكر والوساويس [/c]كما ان لعبد الرحمن الآنسي، قصائد كثيرة من هذا البحر مثل قصيدة:[c1]قل لمن مال عنا وملوا وصلنا***هل لذا الميل غير الملل شان قالت القمرية حين غنت باللوى***طول الله بعمر المحبةآنس الطير لكنه اوحش حين خفق***بجناحيه خفقت موليصاح هذا تجاهك جبل صنعاء***فقل يانقم قد سبق وقتك وقات[/c]وكثير من هذا البحر عند شعراء الحميني، ابرزها قصيدة القارة:[c1]يا بروحي / من الغي / دهيفا / كالهلال***حسنها شل / لروحي / وعقليفاعلاتن / فعولن/فعولن/ فاعلات*** فاعلاتن/ فعولن/ فعولن[/c]خلاصة القول ، ان هذا البحر المنعكس، هو نموذج خاص في الشعر الحميني، ويتكون من تفعيلتين متجانستين من حيث خواتم التفعيلات وليس من مطالعهما ، وهما تفعيلت الرمل ( فا- علاتن) والمتقارب ( فعولن) وكلاهما تنتهيان بسبب خفيف بعد وتد مجموع هكذا:[c1]- - ه - ه (علاتن) - - ه - ه ( فعولن) [/c]وللشاعر عبدالرحمن الانسي تشكيلات عروضية كثيرة لا تخضع لا لمقياس الخليل و بحوره المعروفة والمتداولة، ولا لمقياس الحميني ببحوره المهملة، او لانماط الموشح من الد وبيت والمولية والكان كان الخ رغم ان الشاعر يستند على علم العروض والقوافي، وعلى دراية تامة بفنون الشعر الموشح.وعبدالرحمن الانسي شاعر يقيم اوزانه بدراية كاملة بهذه البحور التي يزاوج بينها احياناً، ويقارب بينها بطرق آسرة، واخاذة، احياناً اخرى، وسنقف عند تشكيلاته العروضية ، في غير هذه المقالة العجلى ، إن شاء الله.الموشح وتعدد القوافي :قصيدة ليت شعري من القصائد القائمة على نظام المبيت والموشح والقفل.ومعلوم ان قوافي الموشح والمبيت ، تقوم على حروف روي متعددة كما لاحظنا ذلك عند القراءة ففي المبيتة الاولى تقوم القافية على حرفي الصاد والشين مثل ( فرص، واحتاش) وهي في التوشيح تقوم على حرف السين ( الناس، الباس، الرأس).اما قافية القفل فتقف على حرفي الصاد والشين، مثلها مثل المبيتة الاولى وقل كذلك عن حروف روي الاقفال في كل المبيتات في القصيدة.أما المبيتة الثانية فيجيء رويها على حرف الميم في الصدر( السما) وحرف الحاء ( الإجناح) في العجز.وتأتي قافية توشيحها على هاء السكت مثل ( حبه ، لبه، جنبه).ويختلف روي المبيتة الثالثة عن المبيتتين الاولى والثانية فهي تقف على هاء السكت ( سعه) في الصدر وعلى حرف اللام ( أقفال) في العجز.ويأتي روي توشيحها على حرف النون مثل ( اوطان، ولهان، ماكان)اما المبيتة الرابعة فيأتي رويها على حرف واحد في الصدر والعجز وهو الفاء ( الوقوف، المعرف).اما توشيحها فيقول على حرف الراء ( حاضر، نواظر، خاطر)لكن نوع القافية لايقتصر على الروي، وانما على وزنها، او على اخر كلمة فيها ، كما يقول علماء العروض والقوافي.فمعظم القوافي ، بمختلف حروف رويها ، تقوم على القافية المقيدة مثل ( فعل وافعال) كما هو الحال في قوافي القصيدة اعلاه، وكقاعدة عامة في الشعر الحميني.
|
ثقافة
ليت شعري .. التماثل والتباين (2 - 2)
أخبار متعلقة