صنعاء / سبأ:بيت الموروث الشعبي معلم ثقافي بارز وفريد من نوعه في اليمن أسس بجهد فردي لإحدى المبدعات اليمنيات لتدوين ثقافة وتاريخ اليمن وتراثه المادي والشفهي المهدد بالاندثار.مؤسسته أروى عبده عثمان كاتبة القصة القصيرة المعروفة التي غدت في نظر أكثر الفتيات فتاة استثنائية قياسا بما هو عليه حال كثير من الفتيات العربيات من لهث وراء الموضة وانزياح باتجاه كل ما هو غربي.سلكت أروى طريق أنصار العودة إلى الطبيعة وتفرق عنهم في أخذها وجهة الحاضر والمستقبل من منطلق ثقافي لا يقطع تماما مع جماليات المنتج المادي والروحي للأسلاف.. فهي وأن كانت تناضل باتجاه الحفاظ على طرز العيش شبه المندثرة، إلا أن وعيها وأطروحتها تشي بروح العصر والحداثة.عندما حصلت على 5000 دولار أمريكي قيمة جائزة تمنحها سنويا دائرة الثقافة في إمارة الشارقة للأدباء الشباب لم تبدد أروى المبلغ على كماليات استهلاكية بل حملته على الخطوة الأولى في مشوار إنشاء بيت وذاكرة لتاريخ الإنسان اليمني، محققة بذلك مشروعها الخاص، بل حلمها الذي صارت تمسك بمفتاح أجنحته اليوم، بيت الموروث الشعبي الذي ترأسه مؤسسته أروى عبده عثمان يقع في حي قاع العلفي بالعاصمة صنعاء وهو عبارة عن مبنى قديم مكون من ثلاث طبقات يحتوى على غرف قليلة لكنها تضم كثير من قيم المعيش في حقب ولت وطواها الزمن وبعضها يتهدده الاندثار.صدح موسيقي شعبية يمنية ينساب عبر حجرات البيتأنغام يمنية مهددة بدورها بالانسحاق تحت وطأة الغربنة.على جانبي سلم البيت ثمة صور فوتوغرافية تحكى طقوس وطرائق العيش عبر أزمنة ولت أو يقارب الامحاء مطاولتها.في المطبخ الشعبي أدوات منزلية مما لم يعد يستخدم في المنازل الحديثة مثال التنور الفرن والجمنة الأبريق والحياسي كؤوس جميعها مصنوعة من الطين المحروق، وثمة قطعة حجر كانت تتخذ لسحق البسباس الفلفل وحجر رحى مع عينة من الحبوب و بعض مشغولات الخزف وجريد النخيل، أجنحة المكتبة التراثية تعرض أدوات موسيقية قديمة مثل الطبل والطار والمزمار.الطابق الثاني يضم غرفة الراوية وهى حجرة تعمل إدارة البيت لتجهيزها بالآلات لتسجيل وحفظ الحكايات والمواويل والأغاني الشعبية.شهادات الزوار المدونة على سجل البيت وكذا ما ينشره بعض الصحافة يفيد بقدر ما يثني على أهمية خطوة أروى في تدوين ثقافة وتاريخ اليمن.يحوى الطابق الثالث نموذجا للمقيل المعروف شعبيا باسم المفرج وهو مكان التجمع الشعبي فيه يتم تناول القات وقد يستخدم المفرج للقاء النساء، وعلاوة على احتواءه لوازم المقيل يضم المفرج أيضا أنماط جامعة لطرز اللباس العائد إلى فئات اجتماعية عديدة من الجنسين ومن مختلف الأقاليم اليمنية السهلية منها والجبلية. توجد كذلك حلي ومصوغات وعمائم وكوافي مما يعتمره الشباب والرجال، كثافة عرض مصوغات الفضة بأشكالها المتنوعة تعكس تقليدا بقى حتى وقت قريب غالبا على زينة اليمنيات.. فضلا عن العقيق والياقوت والكهرمان.كما تقدم هنا طقوس الزفاف التقليدية حسب ما يعمل بها في مختلف الجهات والمناطق اليمنية.وتشمل المعروضات نماذج من ثوب الزفاف وزينة العروس طبقا لكل منطقة.وتوجد كذلك نماذج مما يخص الأقلية اليهودية في اليمن.. توازيا مع عرض ما هو مشترك تقريبا بين مختلف الفئات والمناطق .. كما تحضر أشكال الخنجر اليمنى المعروف بالجنبية.منذ أسسته أروى العام 2004م نفذ بيت الموروث أنشطة عديدة .. وصار البيت الذي نهض على جهد أروى أو عاشقة التراث كما يطلق عليها محجة مثقفين ومهتمين وسياح أجانب.مهرجان المدرهة الأول مثل النشاط الأبرز للبيت والمدرهة الأرجوحة طقس يقام خلال موسم أداء فريضة الحج ويعبر عن مختلف مراحل أداء هذه الشعيرة، بدءا من لحظة الإحرام وانتهاء بعودة الحاج بالسلامة.ويتم نصب المدرهة الأرجوحة في فناء منزل الحاج أوفى ساحة الحارة ليظل ذوى الحاج يهزجون بأغان خاصة تؤدى مصحوبة بالتمرجح.أروى التي اتسمت نصوصها القصصية باستلهام الحياة الشعبية وغلبة اللغة الدارجة، جعلت من بيت الموروث أشبه بنص ينبض بمآثر الآباء والأجداد وحيوات الدهشة التي كانت عليها بساطتهم.وكانت أروى أصدرت المدخل ل موسوعة الحكايات الشعبية.. كما سبق ونشرت في صحف ومجلات حكايات شعبية ومقابلات مع شيوخ ونساء ممن مازالت ذاكرتهن تحتفظ بالتراث الشفهي. وتقول أروى إن هدف البيت توثيق التراث الشعبي المادي والروحي الشفهي والمكتوب بما في ذلك المعتقدات والمعارف الشعبية كطقوس ومعارف السحر والمزارات مثل الأضرحة وغيرها. وتؤكد أروى أنها مع الحفاظ على الهوية المفتوحة على التفاعل والتثاقف مع الأخر.ويحمل سجل زوار البيت تواقيع شخصيات من جنسيات مختلفة بينها الملحقة الثقافية للسفارة اليابانية التي سبق ونظمت في صنعاء معرضا عن الألعاب التقليدية اليابانية.وكشفت أروى أنها تسعى إلى إطلاق موقع إليكتروني خاص بالبيت على شبكة الانترنت وإصدار مجلة تراثية متخصصة بعنوان ذاكرة.. كما يعتزم البيت قريبا تنظيم ندوة عن صورة الحاكم في الثقافة الشعبية.كاتبة القصة القصيرة والباحثة في مركز الدراسات والبحوث اليمني أروى عبده عثمان خريجة للفلسفة ومعروفة بمقالاتها الساخرة.أروى باتت أكثر انفتاحا على ثقافات الشعوب والاعتراف بالآخر وتكرس كل جهدها لإجلاء الهوية الخاصة ورفد التنوع الثقافي الإنساني بذخائر تراث اليمن.وبين الماضويين المتقوقعين في غرف مغلقة وأولئك المنسلخون عن ثقافتهم، تقيم أروى جسرا للتفاعل الخلاق بين الحضارات لكنها تبرهن أيضا أن المؤسسات الثقافية الخاصة يمكنها أن تنهض بمهام جسيمة في خدمة الفكر والتراث الإنساني حتى وأن كانت بعيدة عن نظريات السوق الربحية.
بيت الموروث الشعبي .. قصة نجاح لتدوين ثقافة وتاريخ اليمن
أخبار متعلقة