أفراح صالح محمد أيها القارئ لاتجعل العنوان سبباً لشتمي بل أبحث عن الرواية ، تجد تاريخ العرب فيها ، فلسفة الحياة والموت بين فصولها ، الحب والعشق حبال توصل أبعادها ، والغنى والفقر بين الحاضر والماضي ." ذاكرة الجسد" رواية تضمنت كل ذلك في قوالب ما كان إلاّ لمبدع فريد أن يشكلها ، ويجعل منها رسالة ضمير في زمن مات فيه الضمير ..أحلام مستغانمي مؤلفة رواية " ذاكرة الجسد" امرأة جزائرية من بين ملايين النساء العربيات اللواتي يصورن المجتمع في صورته الحقيقية .. فلا تلعنوا النساء ..بعد أن فرغ من قراءتها ، وهو جالس أمام بركة السباحة في فندق سامرلاند في بيوت ، قال :"روايتها دوختني ، وأنا نادراً ما أدوخ أمام رواية من الروايات ، وسبب الدوخة أن النص الذي قرأته يشبهني الى درجة التطابق ، فهو مجنون ، ومتوتر ، وإقتحامي ، ومتوحش وإنشائي ، وشهواني وخارج عن القانون ، مثلي ، ولو أن أحداً طلب مني أن أوقع اسمي تحت هذه الرواية الاستثنائية المغتسلة بأمطار الشعر ، لما ترددت لحظة واحدة .." فرد عليه صديقه سهيل إدريس :" لاترفع صوتك عالياً .. لأن أحلام إذا سمعت كلامك الجميل عنها ، فسوف تجن .." فأجابه :"دعها تجن .. لأن الاعمال الابداعية الكبرى لايكتبها إلاّ مجانين !!ومهر توقيعه عليها .. " لندن 20/8/1995م - نزار قباني ".... هذه كلماته التي علق بها على هذه الرواية ، وهو شاعر الحب العربي المعروف ، ولا يمكن إلاّ لنزار قباني أن يقول ما يشعر به ، تجاه الاعمال الفريدة ، وعن "ذاكرة الجسد" لأحلام مستغانمي قال ذلك ، وأسترسل : إن الرواية قصيدة مكتوبة على كل البحور ، بحر الحب ، بحر الجنس ، بحر الايديولوجية ، وبحر الثورة الجزائرية لمناضليها ومرتزقتها ، أبطالها وقاتليها ، وملائكتها وشياطينها انبيائها وسارقيها .... إنها رواية لا تختصر ذاكرة الجسد فحسب ، ولكنها تختصر تاريخ الوجع الجزائري ، والخزن الجزائري ، والجاهلية الجزائرية التي أن لها أن تنتهي "." ذاكرة الجسد " رواية للكاتبة الجزائرية أحلام مستغانمي وقعت طبعتها الخامسة عشرة " عام 2000م" في يدي بعد أن سمعت الضجة التي أحدثتها في العالم العربي هذا العالم الذي قالت عنه هذه الرواية " إن الانسان يقضي سنواته الاولى في تعلم النطق وتقضي الانظمة العربية بقية عمره في تعليمه الصمت "..والرواية من ستة فصول ، في "404" صفحة صورت الجزائر ماقبل التحرر من الاحتلال الفرنسي ، وما أصابها بعده ، .." إن كل الطرق في هذه المدينة العربية العريقة " قسنطينه" تؤدي الى الصمود ، وأن كل الغابات والصخور هنا قد سبقتك في الانخراط في صفوف الثورة " ، " هنالك مدن لاتختار قدرها ، فقد حكم عليها التاريخ ، كما حكمت عليها الجغرافية إلاّ تستسلم ، ولذا لايملك ابناؤها الخيار دائماً ".[c1]الثورة والزمن الحقير [/c]عن الثوار تحدثت الرواية ، وعن قدرهم المختصر بين المساحة الفاصلة بين الحرية .. والموت .... " كان الموت يومها يمشي الى جوارنا ، وينام ويأخذ كسرته معنا على عجل تماماً مثل الشوق والصبر والايمان والسعادة المبهمة التي لا تفارقنا " ، عن " سي الطاهر" ورفاقه الذين شكلوا إحدى الخلايا الاولى للكفاح المسلح ، عن مدن قسنطينه وسطيف وضواحيهما الذين قدموا أول عربون للثورة في مظاهرات " 8 مايو 1945م عدة آلاف من الشهداء ، سقطوا في مظاهرة واحدة ، وعشرات الآلاف من المساجين الذين ضاقت بهم الزنزانات ، مما جعل الفرنسيين يرتكبون أكبر حماقاتهم وهم يجمعون لعدة أشهر بين السجناء السياسيين وسجناء الحق العام ، وهكذا جعلوا عدوى الثورة تنتقل الى مساجين الحق العام الذين وجدوا فرصة للوعي السياسي ولغسيل شرفهم بالانضمام الى الثورة ..." بدأت وقتها أتحول على يد الثورة الى رجل ، وكنت سعيداً آنذاك ، وقد بلغت أخيراً تلك الطمأنينة النفسية التي لا تمنحنا أياها سوى راحة الضمير " وللأنبياء وصايا عشر ، لكن بني أحلام مستغانمي " المفلس " أضاف عليها الوصية الحادية عشر مشدداً عليها وموضحاً أن .." هذا زمن حقير ، إذا لم ننحاز فيه الى القيم سنجد أنفسنا في خانة القاذورات والمزابل ، فلاتنحازي لشيء سوى المبادئ لا تجاملي أحداً سوى ضميرك .. لأنك في النهاية لا تعيشين مع سواه !!".لكن ما بعد التحرر من نير الاحتلال ، ماذا صار ؟! " صارت الرموز تحمل قيمتها في موتها .. ووحدهم الذين ينوبون عنهم يحملون قيمتهم في رتبهم وأوسمتهم الشرفية ، وما يملأون به جيوبهم على عجل من حسابات سرية .. لكن هنالك دائماً في هذه الحالات .. سلة مهملات شرفية .."[c1]الحب في قصة واحدة [/c]بين سطور روايتها تسأل أحلام : هل يولد الحب أيضاً من لون لم نكن نحبه بالضرورة ؟! كنت أشعر إنني غير مذنب في حبك على الاقل حتى تلك الفترة التي كنت مكتفياً فيها بحبك ، بعدما أقنعت نفسي أنني لا أسيء الى أحد بهذا الحب ، وقتها لم أكن أجرؤ على أن أحلم بأكثر من هذا .. أحلام .. أنا لا أريد أن أنتمي لامرأة أو إذا شئت ، لا أريد أن أقيم فيها .. أخاف السعادة عندما تصبح إقامة جبرية "." ذاكرة الجسد" رواية صورت جيلاً بقصة واحدة بجنون الامهات المتطرفات في الحب ، بخيانة الآباء المتطرفين في القسوة ، وبقصص حب وهمية ، وخيبات عاطفية ، يصنع منها البعض روائع عالمية في الادب .. ويتحول آخرون على يدها الى مرضى نفسانيين ..حتى الألوان لها معنى ، ولها لغة عند أحلام مستغانمي فالاسود صدمة للصبر ، وهو لون يحمل نقيضه ، ويضع حاجزاً بيننا وبين الآخرين ،ومع ذلك ، فللحزن أناقته الخاصة وطقسه الخاص ، وليس للألم من وطن ولأن الناس يربطون الحب بالخطيئة ترى أحلام " أن الفضيلة ليس في تجنب الرذيلة ، إن الفضيلة في إلاّ نشتهيها ، والرغبة محضى قضية ذهنية ، ممارسة خيالية لا أكثر ، وهم تخلقه في لحظة جنون نقع فيها عبيداً لشخص واحد ونحكم عليه بالروعة المطلقة لسبب غامض لا علاقة له بالمنطق .. رغبة تولد هكذا من شيء مجهول ، قد يقودنا الى ذكرى أخرى ، لرائحة عطر آخر ، لكلمة ، لوجه آخر ، رغبة جنونية تولد في مكان آخر خارج الجسد ، من الذاكرة ، أو ربما من اللاشعور ..."[c1]الذاكرة المرة[/c]" ذاكرة الجسد " فيها تصبح الذاكرة " مشروباً مراً يبتلع دفعة واحدة ، بعدما كان حلماً مشتركاً يحتسى على مهل .. فالعروبة زهو ووجاهة ، وقرون من التحدي والعنفوان ومنها انبثقت صرخة " إبن باديس الجزائري " كنشيد غير رسمي:شعب الجزائر مسلم والى العروبة ينتسب من قال حاد عن أصله او قال مات فقد كذب أورام إدماجاً له رام المحال من الطلب .." الحب هو ماحدث بيننا .. والأدب هو كل هو كل ما لم يحدث ، وبين ما حدث وما لم يحدث حدثت أشياء أخرى لاعلاقة لها بالحب ولا بالأدب ، فنحن في النتيجة لا نصنع في الحالتين سوى الكلمات ، وحدة الوطن يصنع الاحداث ، ويكتبنا كيفما شاء مادمنا صبره..".. عن الغربة والوطن والناس قالت أحلام الكثير .." إن قسنطينه فرغت من أهلها الاصليين ، لقد اصبحوا لا يأتونها سوى في الاعراس أو في المآتم "[c1]عندما نعلن الحرب[/c]تقوم رواية "ذاكرة الجسد"على جسر قسنطينه ، جسر الذكريات ، فالجزائر تقوم على عدد من الجسور ، وفيها عدد من الاولياء الصالحين ، وهي أرض المليون شهيد ، لكن في " ذاكرة الجسد" ضاعت البوصلة ، وقطعت علاقة التاريخ بالجغرافية ووقفت سنوات على نقطة استفهام ، خارج خطوط الطول والعرض .أين يقع البحر وأين يقف العدو ؟!ومن هو العدو أصلاً ؟!هناك درجات في الاستشهاد ، لكن ماذا لو كان الوطن هو القاتل والشهيد معاً ؟ فكم من مدينة عربية دخلت التاريخ بمذابحها الجماعية ، ومازالت مغلقة على مقابرها السرية ؟!كم من مدينة عربية اصبح سكانها شهداء .. قبل أن يصبحوا مواطنين !فأين نضع كل هؤلاء ؟ في خانة ضحايا التاريخ أم في خانة الشهداء ؟ وما اسم الموت عندما يكون بخنجر عربي ؟!! [email protected]
|
ثقافة
أحلام مستغانمي تنشر عبق التاريخ في "ذاكرة الجسد"
أخبار متعلقة