إعداد / د . محمد أحمد الدبعي لا مراء من أن بشاعة الحصبة وما يخلفه من تهديد لصحة وسلامة أطفالنا جعلت منه مرشحاً للاستهداف بالاستئصال بعد شلل الأطفال, إذ يبقى الأطفال البالغين من العمر تسعة أشهر فما فوق عرضة للإصابة به ولمضاعفاته الشديدة إن لم يحصنوا أساساً ضد هذا المرض البشع.فحجم مشكلة الحصبة ليست بالهينة, ومع أن أعراضه معروفة يعلمها الكثير ممن ألفو وخبروا هذا المرض لسعة انتشاره, لكن هذه الأعراض يمكن أن تشتد وتسوء مدخلة المريض في مرحلة مضاعفات تهدد صحته على نحو خطير وتشكل أيضاً خطراً على حياته.بالتالي فإن استكمال الطفل لجرعتي الحصبة الروتينيتين أو عدم تلقيه أصلاً لأي جرعة منها لا ينفي عنه بأي حال أهمية وضرورة التحصين التكميلية نحو القضاء على مرض الحصبة ما دام عمره بين (9 أشهر إلى 15 عاماً), بغض النظر عن التاريخ التطعيمي المسبق والتي سيواكبها أيضاً منح الأطفال في الفئة العمرية من (9 أشهر - 5 أعوام) جرعة من فيتامين (أ), حيث ستشمل فقط محافظات (عدن - مأرب - شبوة - الجوف - صعدة) بجميع مديرياتها, إلى جانب مديريات (إب - الظهار - المشنة) في محافظة إب, ومديريتي (ظليمة حبور - ثلا) في محافظة عمران, ومديرية (بني سعد) في محافظة المحويت ومديرية - جيشان) في أبين, وسيأتي تنفيذها في غضون الأيام القليلة القادمة بحول الله في الفترة من (24 - 29 نوفمبر 2007م).والغرض من إقامة هذه الحملة هو خفض عدد المعرضين للإصابة بمرض الحصبة عبر تحصين المستهدفين وزيادة نسبة المحميين من الأطفال المطعمين مسبقاً إلى جانب وقف انتشار الفيروس في المجتمع.إن من يخشى على أطفاله من التحصين ضد الحصبة ظناً منه أن للقاح أثار سلبية على أطفاله, فإنه للأسف لا يعلم حقيقة تلك الآثار.. من أنها عادية جداً, تنتج أصلاً عن تفاعل الجسم مع اللقاح المضاد للمرض, معطية دلالة ومؤشر على أنه قد أدي مفعوله ومنح الجسم مناعة من المرض.ومن هنا سنأتي إلى تعريف المرض وكيف ينتقل وما يحلقه من أضرار على الصحة ليفهم القارئ عن كثب حقيقة هذا الداء ويحسن التصرف إذا ما واجه حالة إصابة ويحسن رعايتها وحماية الآخرين المعرضين للعدوى.[c1]طبيعة الداء[/c]الحصبة داء فيروسي معدي شديد الخطورة, يتمتع بسرعة عدوى فائقة وسهولة كبيرة على الانتشار والانتقال, حيث يعتبر المرض الأول من بين الأمراض التي يتم التحصين ضدها إحداثاً للوفاة بين الأطفال دون الخمسة الأعوام, وبخاصة الذين يعانون من سوء تغذية والمصابين بالتهابات رئوية.[c1]العلامات .. والعدوى[/c]يبدأ المرض عادة بعلامات أشبه بعلامات الرشح بارتفاع في درجة الحرارة مع نزلة أنفية واحتقان العينين واحمرارها, وظهور احتقان في الغشاء المخاطي المبطن للمسالك التنفسية العليا, وأول أعراض المرض’ تدمع وإفراز مائي من الأنف مع عطس متكرر وبعض السعال, وبعد يوم أو يومين تظهر داخل الفم بقع بيضاء أشبه بحبات الملح, يليها بعد يوم أو يومين ظهور طفح خلف الأذنين وعلى الجبهة ثم الخدين, ثم يمتد إلى الرقبة, فالصدر, فبقية سطح الجسم شاملاً الأيدي والأرجل, ويكون هذا الطفح على هيئة حبوب صغيرة حمراء اللون.وتتحسن حالة الطفل بعد ظهور هذا الطفح بحوالي ثلاثة إلى خمسة ايام, حيث يختفي الطفح تاركاً قشوراً خفيفة على جسم المريض.أما مدة حضانة هذا المرض فتمد في العادة ما بين ثمانية أيام إلى إثنى عشر يوماً.فيما يتم انتقال العدوى بالحصبة عادة بواسطة الرذاذ المتناثر من فم أو أنف المريض أثناء العطس أو السعال لاحتوائها على الفيروس الممرض.والمصدر الوحيد للعدوى هو المريض بالحصبة, خصوصاً في الطور الرشحي الذي يعتبر أخطر الأطوار وأهمها في نشر العدوى.[c1]المضاعفات والاعتلالات[/c]يبقى المريض بالحصبة عرضة لالتهابات بكتيرية ثانوية في الجهاز التنفسي, كالتهاب الرئة البكتيري وكذا التهاب الأذن الوسطى والتهاب أنسجة المخ وأنسجة الحبل الشوكي, وهي بحد ذاتها خطيرة تفضي إلى إعاقات وعاهات, كالصمم والعمى والإعاقة الحركية, ومن شأن الالتهابات التنفسية الخطيرة أن تؤدي إلى توقف التنفس ومن ثم وفاة المريض.كذلك يمكن للحصبة التسبب بالتهاب الجهاز الهضمي والإسهال الشديد والجفاف, وسوء التغذية, وغالباً ما تقود هذه الإصابة إلى الوفاة.علاوة على تسبب الحصبة في نفاذ مخزون فيتامين (أ) في الجسم, وهذا بدوره يساعد على ظهور بعض المضاعفات السابق ذكرها.وإذا كان الطفل أساساً يعاني من نقص مسبق لهذا الفيتامين وأصيب بالحصبة, فذلك يجعله عرضة للإصابة بالعمى.وبالنسبة للأطفال الذين يعانون من سوء تغذية فبالإمكان إصابتهم بحصبة شديدة والتهاب بفيروس (هيربس سيمبلكس) الذي يسبب تقرحات في الفم أو الأنف.كما تؤدي الإصابة بالحصبة أثناء الحمل إلى الإجهاض أو الولادة المبكرة.بالتالي يتعين بالضرورة إعطاء المريض بالحصبة فيتامين (أ) في كل الأحوال لتعويض ما فقده الجسم منه كي يساعد على زيادة المناعة ومقاومة المرض وعلى الحد من مضاعفاته الخطرة. [c1]الصورة الحقيقية[/c]نظرة مشوشة وخرافات شوشت فهم حقيقة مرض الحصبة لدرجة أن يظل من الصعب إقناع الكثيرين ببطلانها وعدم صحتها والعدول عن العمل بمقتضاها, وهذا الأمر شائع بين النساء أكثر من الرجال.فهناك من ذهب إلى الاعتقاد بأن الضروري إلباس المريض بالحصبة ملابس حمراء وإبقائه في غرفة مغلقة النوافذ, سيئة التهوية ومعتمة لحجب الضوء عن المريض خشية عليه, ظناً بأن الضوء يؤدي عيني المصاب بالحصبة, فتزداد بذلك الحالة سوء على سوء.ومما يثير الاستغراب حقاً أن من الناس من يظن بأن الماء فيه مضرة شديدة إذا ما وقع منه شيء على جسم المريض بالحصبة أو إذا اغتسل به, دون إدراك بأن التصرف على هذا النحو له مردود عكسي يؤثر سلباً على صحة الطفل, فنظافة الطفل مقرونة بالماء, ولابد من تبليل خرقة نظيفة بالماء لمسح عينيه برفق وأذنيه باستمرار, كذلك إعطاءه السوائل بكثرة ضروري من ضرورات العلاج.أضف إلى أن الكمادات اللازمة لخفض حدة الحمى تبلل بالماء البارد وتمثل خطوة هامة في العلاج وعودة درجة الحرارة إلى مستواها الطبيعي. أما بالنسبة لتغطية الطفل بلباس ثقيل وبأغطية كثيرة - مما يرى بعض الناس فيه أمر ضروري - نجدها على العكس تزيد من حدة الحمى بدلاً من خفضها، وتؤدي أيضاً إلى تفاقم أعراض الحصبة وإلى إضعاف التهوية اللازمة، والواجب الا يغطى بأغطية ثقيلة وأن تكون ملابسه خفيفة لتساعد على تخفيف الحمى.[c1]التحصين .. ورعاية المرضى [/c]تقترن الوقاية من الحصبة باتخاذ بعض التدابير، أهمها إعطاء الطفل لقاح الحصبة في الشهر التاسع من عمره كجرعة أولى وإعطائه أيضاً الجرعة الثانية عند بلوغه من العمر عام ونصف بالالتزام بالتحصين الروتيني وإتباع مواعيده الصحيحة المدونة في كرت التحصين.هذا إلى جانب تفاعل الآباء والأمهات وأولياء الأمور بتطعيم أطفالهم خلال الحملة التكميلية نحو القضاء على مرض الحصبة على النحو الذي ذكرناه سابقاً.علاوة على أهمية منع الأطفال غير المصابين من الاختلاط بالأطفال المرضى، ووجوب العزوف عن العادات السيئة المتبعة عند إصابة الطفل بالحصبة، كوضع الكحل في عيني المريض ، وإبقائه في حجرة مظلمة تفتقر إلى التهوية الجيدة، فكل هذه المعتقدات خاطئة من شأنها أن تؤدي إلى ردود عكسية تزيد من خطورة المرض.كما أن إلباس المريض ملابس حمراء محض خرافة لا تفيده أو تضره على الإطلاق، بالتالي يجب العناية بنظافة فم وأنف وعيني الطفل المصاب وذلك وقاية له من المضاعفات.إلى ذلك تقديم الرعاية الطبية الداعمة، كخافضات الحرارة والكمادات الباردة والتغذية الجيدة لما لها مجتمعة من دور في خفض حدة المضاعفات، تلافياً لتدهور حالة المريض.وأشير أيضاً إلى ضرورة استبدال الأغطية والبطانيات الثقيلة وكذلك الملابس الثقيلة بأغطية وملابس خفيفة كي تساعد على خفض درجة حرارة جسم المريض ومن ثم الحفاظ عليها إلى حد ما عند المستوى الطبيعي.وأخيراً وليس آخراً .. أؤكد على ضرورة إعطاء الطفل المريض مزيداً من السوائل ، كالماء والحليب والعصائر الطبيعية الطازجة كي يعوض الجسم ما فقده من سوائل أثناء الحمى.وفي حال بقاء حرارة الجسم مرتفعة بعد ظهور الطفح الجلدي واختفائه أو إذا ما شكى الطفل من وجع في أذنه أو عاني من صعوبة في التنفس، أو ظهرت لديه تشنجات لزم استشارة الطبيب تلافياً لوقوع انتكاسة او أي ضرر لا قدر الله.
الحملة التكميلية نحو القضاء على الحصبة في المحافظات والمديريات المستهدفة
أخبار متعلقة