أضواء
التطرف من جذوره وأصوله منبوذ بلا مواربة، ومع ذلك له من المناصرين والمدافعين عنه بالعمى في مختلف المجتمعات والجماعات، لذا فهو ليس صفة لدين أو مذهب، بشرياً وضعياً كان أم سماوياً، بل هو منهج وسلوك وفكر يستعصي على التغيير لصالح الاعتدال أو الاعتذار عن أخطاء ممارسات التطرف في اتجاهين، ضد النفس وضد الآخر بدون تحديد للهوية وهو المطلق.أبدأ ببعض المسلمين ممن تربوا على هذا النهج المتشدد الذي يبدأ بأبسط الأمور السلوكية ولا يستبعد الوقوع في كبرى المحرمات المركبة بالتدريج من القمة إلى القاع، ويتحول هذا السلوك النشاز إلى شيء أقرب للاعتقاد القلبي والإغراق فيه وليس فقط القناعة الفكرية.ونضرب مثلاً على ذلك في جانب العبادات وهو الشائع لدى عامة المسلمين أمييهم قبل متعلميهم، فقضية جزئية للغاية كإبطال الوضوء من لمس المرأة، تدار معركة أخلاقية، ولا أقول فقهية حولها، لأننا إذا احتكمنا إلى الفقه فإن الأدلة قد تكون حاسمة لعدم الدخول من باب التطرف الفكري، ولكن ما يحدث هنا يجرجر ميراثاً من التقاليد والعادات لإثبات صحة ذلك الإبطال غير المسنود بالأدلة قطعية الثبوت وقطعية الدلالة، لذا قال بعض الفقهاء إن اللمس هو المعاشرة أو المباشرة وليس اللمس المجرد وهو ما يقع لا محال ويعتبر أقرب إلى غبار الطريق ونخالة الدقيق بالنسبة للصائم في إبطال صومه الذي لا يتأثر بذلك وإن فعل فلا تتحول تلك المواد إلى طعام يملأ المعدة.فإذا قسنا المسألة الدقيقة والفرعية على المسائل الكبرى في تلك المعاملات بين الدول والمجتمعات التي لا تدين بالإسلام، فإن الموضوع يخرج من سياق الفرعيات إلى الأصوليات التي من أجلها تدق الأعناق أحياناً بزعم حمية حماية الدين والمعتقد والإسلام المستباح وقد يكون كل ذلك بعد التمحيص والتدقيق عن مسائل الخلاف البعيدة عن الثوابت الشرعية.هنا يتطور التطرف إلى مركب آخر يدخل فيه ويختلط السلوك بالفكر والمعتقد في عملية صعبة التجزيء إلا من باب النظر، أما في العمل فإن المحظور الشرعي والمحرم المركب يقع لا محال من قبل هذا البعض الذي يصر على أن هذا واجبه الديني وإن أزهق من أجله أرواح إخوانه من المسلمين من الذين ذهبوا ضحية عبادة القبور وآخرون ضحايا جدد لعبادة القصور، فهنا، كيف نفك الارتباط بين التطرف الفكري والسلوكي من حياة هذه القلة الشاطحة والمستَفزَّة على طول الخط.والخطورة في هذا التطرف المركب هو الخوف من تحوله مع مرور الزمن إلى منهج للاستيلاء على الحكم في بلد ما ونموذج «طالبان» في أفغانستان يصرخ بأعلى صوته في كل مكان وكذلك النموذج الجزائري الذي أجهض في مهده كان شعاره هو ذبح المسلمين من الوريد إلى الوريد بذريعة التقاعس عن الجهاد بعد أن تحولوا إلى القواعد من النساء والخوالف من الرجال وفقاً لما كانت تروجه هذه الزمرة في الدول الأوروبية التي سمحت لهؤلاء بحرية القول والعمل بلا ضوابط حتى وقعت أوروبا في الأحداث الإرهابية الأخيرة.هذا الداء المركب هو الإرهاب الذي قد تكون بداية نشأته إصرار سلوكي على اتباع خلاف فقهي فرعي قد لا ينتبه إليه أحد، ولكن هذا النوع يجعل منه «مانشيت» إعلامياً صارخاً بالدفاع عنه بزعم الدفاع عن حوزة الدين وانتهاك حرماته فمسح ثلاث شعرات من الرأس أثناء الوضوء عنده لا يختلف عن خلع فروة الرأس المسكين والذي يأبى أن يلين لنداء التطرف باسم حماية الدين.[c1]* جريدة ( الاتحاد ) الاماراتية[/c]