على ضفافهم
سعيد سالمينطغت لعبة كرة القدم على كل أنواع الألعاب الرياضية الأخرى، واكتسبت شهرة عالمية، وازدادت شعبيتها الجماهيرية بين شعوب العالم قاطبة، فأصبحت اللعبة المفضلة والوحيدة التي يزداد الإقبال عليها لدى الهواة الناشئين في المدارس أو في النوادي الرياضية أو في الأحياء الشعبية. ولا غرابة أن تولي جميع النوادي جل اهتمامها وعنايتها لعبة كرة القدم أكثر من غيرها من الألعاب الرياضية، نتيجة لشعبيتها وشهرتها محلياً وعالمياً من دون منازع. ونتيجة لما تدره المباريات الكروية الرياضية من إيرادات على النوادي، وما يحققه اللاعبون المحترفون الماهرون من انتصارات متزايدة وبطولات عالمية في نيل الكؤوس الذهبية والجوائز المغرية والمكافآت المجزية لصالح نواديهم الرياضية وبلدانهم، فقد برزت ظاهرة بيع أمهر اللاعبين المحترفين وانتقالهم من ناد إلى آخر، وتراوحت قيمة بيعهم - حسب الموهبة والجودة والمهارة الفنية والسرعة واللياقة والتهديدية - إلى ما بين (90) مليون دولار و (25) مليون دولار تقريباً، ما يدل على أن الاحتراف الكروي للاعب الماهر قد غدا سلعة رابحة في سوق الاقتصاد الحر، وميدان التنافس الكروي بين الفرق الرياضية الشهيرة المتنافسة على إحراز البطولات ونيل الكؤوس الذهبية، لقد أخذ المال يغري بعض اللاعبين الدوليين ، منحرفاً بهم عن الحب الصادق للرياضة وكرة القدم ورسالتها الإنسانية وأخلاقياتها الحميدة وتنافسها للشريف في المباريات الرياضية بين الفرق الشهيرة في العالم. إن ما يثير العجب والاندهاش هو أن تصل السمسرة إلى صفوف اللاعبين الدوليين المحترفين والمشهورين في لعبة كرة القدم لتقديم عروض الصفقات في شراء بعض هؤلاء اللاعبين المرموقين في هذا النادي أو ذاك، واستجابتهم لمثل هذه الصفقات المغرية، وانتقالهم من ناد إلى آخر حبا في المال ليس إلا .. حتى يساعدهم على تحسين مستوى معيشتهم، ورفع معنوياتهم النفسية، وتمكينهم من العناية الصحية بأنفسهم. وهنا نجد أنفسنا حيارى ومذهولين أمام ازدياد ثقافة الأقدام التي أخذت حيزا كبيراً من الدعاية والترويج والاهتمام والتغطية الإعلامية المكثفة نتيجة لانتشار القنوات الفضائية الرياضية وتعددها، وما تبثه من مباريات في مختلف أنواع الألعاب الرياضية خاصة مباريات كرة القدم سواء كانت محلية أو قومية أو إقليمية أو قارية أو عالمي، ويستمر بث تلك المباريات الرياضية ليلاً نهاراً بحيث لا تتوقف لحظة واحدة طوال المواسم الكروية في العام، حتى أصبح شبابنا العربي - بوجه عام - لا يشغل همه أي شيء أكثر من حرصه على متابعة تلك المباريات الأوروبية والأفريقية والآسيوية لمختلف منتخبات النوادي العالمية، والتجميع في تشجيع لاعبي تلك الفرق الرياضية الأجنبية التي يعرف عنها وعن لاعبيها ومدربيها أدق التفاصيل الرياضية والثقافية أكثر مما يعرف عن تاريخ الرياضة ولعبة كرة القدم للنوادي المحلية ولاعبيها ومدربيها وحكامها المرموقين في بلاده مثل اليمن على سبيل المثال. ترى، أليس هذا مدعاة للعجب في إبراز ثقافة الأقدام أكثر من اللازم على حساب ثقافة الأقلام، وهموم وقضايا الوطن العربي؟ أليس من العجب أيضاً أن ترتفع صفقات بيع اللاعبين الدوليين المشهورين عالمياً بقيمة مالية خيالية تصل بين عام وآخر إلى الملايين من الدولارات، كأنهم سلعة مادية تخضع لقانون العرض والطلب في سوق الاقتصاد الحر دون أدنى اعتبارات إنسانية، وذلك بقصد زرع الحلم والتطلع الرأسمالي وحب المال في نفوس النشء والشباب الرياضي، بصرف النظر عن حب الكرة وأخلاقياتها الرياضية والإنسانية والوطنية والاعتزاز بولاية النادي الذي أنجب هذا اللاعب أو ذاك، بينما نجد أن ثقافة الأقلام لا تساوي شيئاً في إبداعاتها العلمية والأدبية بالنسبة لثقافة الأقدام، خاصة إذا ما أدركنا أن أعلى قيمة مادية يمكن أن تمنحها جائزة عالمية مثل جائزة نوبل للعلوم والآداب لا تتجاوز أكثر من مليون دولار فقط، والتي يتنافس عليها أشهر العلماء والأدباء المبدعين في شتى مجالات العلم والأدب في العالم كله، لكن للسياسة - أيضاً - تدخلاتها المعروفة. أليست هذه - بالله عليكم - مفارقات غريبة وعجيبة بين ثقافة الأقدام وثقافة الأقلام ؟!!.