الإهداء إلى كل لسان عربي ... إلى من يرفض التغريب والاغتراب...والتبعية والاستلاب...إلى كل من ساهم في تقديم هذا العمل... برأي سديد ونقاش موضوعي أو شجع عليه...إلى كل عربي منتم ومؤمن بقضية الانتماء للأمة العربية الخالدة[c1]لغتنا العربية[/c]قال الشاعر على لسان العربية ينعى حظها بين أهلهارجعت لنفسي فاتهمت حصاتي c1] *** [/c] وناديت قومي فاحتسبت حياتيرموني بعقم في الشباب وليتنيc1] *** [/c] عقمت فلم أجزع لقول عداتيوسعت كتاب الله لفظـا وغاية c1] *** [/c] وما ضقت عن آي به وعظاتفكيف أضيق اليوم عن وصف آلة c1] *** [/c] وتنسيق أسماء لمخترعات أنا البحر في أحشائه الدر كامن c1] *** [/c] فهل سألوا الغواص عن صدفاتيأرى لرجال الغرب عزا ومنعة c1] *** [/c] وكم عز أقوام بعز لغاتأيهجرني قومي ـ عفا الله عنهم c1] *** [/c] على لغة لم تتصل برواةحافظ إبراهيم[c1]إيمانا منا :[/c]1 . بأن الغربة كل الغربة تعني أن يعيش الإنسان في وطنه ولسانه العلمي غريباً عن لغة شعبه.2 . وأن التعريب يفتح لنا باب الخلق والابتكار والتصدير بعد الاعتراف بذاتنا وشخصيتنا بكل عمق.3 . وأن التعريب والتأصيل ـ كليهما ـ لا يمثلان قضية هامشية أو شكلية بل قضية مصيرية وحياتية.4 . وأن التعريب يمثل الركيزة الأولى من ركائز حضارتنا.5 . وأن التجذر في الثقافة الأصلية القومية يعد شرطا أساسيا للتفاعل مع أي ثقافة ثانية حتى لا نخلط بين الثقافة والمثاقفة.6 . وأن العمل سوف لن يمثل إلا نقطة انطلاق لأعمال أخرى أوسع وأعمق.[c1]اللغة العربية مستودع الفكر العربي[/c]يشهد عالم اليوم ثورة علمية تكنولوجية عملاقة تتبارى شعوب الأرض في صنعها وتسخيرها لخدمتها والسيطرة عليها.ولا سبيل لأمة أن تحقق تقدمها في العصر الحاضر إن لم تشارك في صنع هذه الثورة العلمية، وفي تملك القدرة التكنولوجية المنبثقة عنها، والأمة العربية مدعوة إلى الإسهام في هذه الحضارة المعاصرة لا إسهام المستهلك لها والمستفيد منها، بل أولاً وقبل كل شيء، إسهام من يبدعها ويتحكم في مسارها، ومن وجوه هذا الإسهام تمكن اللغة العربية من احتضان الحديث، وقدرتها على توليد المصطلح العربي للمفهوم الحديث.ولقد حفل التراث العربي بما أبدعه أعلام الحضارة العربية الإسلامية من معارف وعلوم وفنون وآداب كانت منارات للفكر الإنساني المتألق.وصاغ المفكرون العرب تلك الإبداعات الحضارية العظيمة بلغةٍ عربية مبيّنة، استوعبت معارف الآخرين، وحفظت ما تفجر عنه الذهن العربي وما ابتكره، فحملته إلى الشعوب الأخرى نورا وعلما.بذلك قدم العلماء العرب، في مختلف عصور حضارتنا العربية الإسلامية، دليلا تلو الدليل، على أن اللغة العربية لغة الفكر ولغة علم وأن مستودع الفكر العربي هو اللغة العربية، وأنه لا يكفي أن نعرف علوم الآخرين بلغاتهم، بل لابد من توطين هذه العلوم في لغة الفكر العربي نفسها.هكذا أنتشر العلم العربي باللغة العربية، وذاع مشرقا ومغربا وأغنى حضارات كثيرة وما زال أثره فعلاً حتى يومنا هذا.إن إشارتنا إلى هذه الحقائق لا تعني أن اهتمامنا بتراثنا يتجه إلى مجيد الماضي، بل هو ذكرى وتأكيد لهويتنا، وهو نداء لعلمائنا ومفكرينا وباحثينا المعاصرين لكي يتطلعوا إلى المستقبل في انطلاقة إبداعية جديدة، تتفاعل مع الواقع وتفعل فيه، وتواكب التطور الفكري والعلمي، وتعمل على المشاركة في صياغة المستقبل الإنساني في أبعاده العلمية والتكنولوجية والفنية من خلال القيم الروحية والإنسانية التي كانت الأساس الراسخ لحضارتنا ونظرتنا إلى العالم.[c1]الرافضون للتعريب :[/c]وكلنا يتذكر الضجة التي حصلت عندما تقرر تعريب التعليم الابتدائي وقسم من مواد التعليم الثانوي (وكانت معارضة ذلك شديدة من أصناف من الأساتذة والمعلمين والأولياء، والغريب أن المرأة كانت أكثر نفورا من الرجل؛ وكأنها تقيم الدليل على الكلمة اليونانية التي قالت :إن المرأة أكثر اكتسابا من الرجل.[c1]كلمة حق أريد بها باطل :[/c]مقولة أخرى خطيرة هي التي تربط التعريب بالعزلة والانغلاق، كما تربط الازدواجية بالتفتح، ويمكن أن ينطبق على جزء، على الأقل، من هذه المقولة عبارة :((كلمة حق أريد بها باطل))، ذلك أن المنادي بالتعريب لا يدعو أبدا على الانغلاق خصوصا في عصر التفاعل العالمي على مختلف المستويات وتنوع الوسائل، ولهذا فدعوى الانغلاق مردودة أساسا ومتنافية مع جوهر الحضارة العربية الإسلامية، وأكثر من ذلك يمكن القول بأن الانغلاق إذا كان يعني الاكتفاء باللغة الواحدة؛ فإن هذا الانغلاق لا يحول دون التقدم والتطور، وتوجد أمم عديدة وشعوب متطورة جدا أكثر علمائها وعباقرتها لا يعرفون؛ إلا اللغة القومية، وقد يقتصرون على فئة خاصة أو لأسباب معينة لحذف لغات أخرى تقضي بها الحاجة الوطنية لا أن تصبح هي حاجة بذاتها.[c1]العجز ليس في اللغة ولكن في أصحابها :[/c]إن اللغة من صنع الإنسان منذ بداياته الأولى إلى أقصى مراحل تطور وصلته مسايرة طبيعية لتطور أصحابها ومستعمليها؛ لأنها آلة تعبير وإفصاح عما وصلوه من تطور وتقدم.((... فاللغات تتغير بمثل ما تتغير الأفكار؛ وأنها تخضع لسلطان المجتمع الذي يتكلم بها وأثر الكتاب الذين يصطنعونها))*.والأمثلة كثيرة للغات معاصرة وصلت لاستيعاب التطور والتقنية ـ ولم تكن من قبل لغات علوم تقنية ـ تبعا لتطور أصحابها وتقديمهم مثل لغات الشرق الأقصى وشعوب الاتحاد السوفياتي واللغة العبرية، ذلك أن العجز لا يسلط على اللغة بقدر ما يسلط على أصحابها.[c1]ما هو التفتح ؟[/c]ثم ماذا يعني التفتح في مفهومه السليم؟ إنه يعني أنك تملك وسيلة لتبحث بها ما عند الغير، مما يعود على هويتك بالنماء والتركيز لا مما يعود عليها بالتبعية والذوبان، ويعني أيضا أنك تبحث عما يثري لغتك الوطنية بما تضيفه إليها من معلومات ومستحدثات، ويعني التفتح أيضا أنك تعطي للغة الأخرى ما يثريها وينميها.الياباني ـ مثلا ـ كان متفتحا فيذهب على الغرب ليدرس ويتزود بالمعرفة والعلوم الحديثة ثم يعود إلى بلاده ليدرس تلك العلوم بلغته الوطنية ولو بقي الياباني ((صوت سيده)) لما تقدم هو ولما تقدمت لغته.أما أن يعني التفتح التعلم بلغة الغير والتعليم بها، فذلك يعني الاستلاب والتبعية. وذلك يعني البقاء في التأخر وطعن اللغة الوطنية التي ندير لها الظهر ونحكم عليها بالعجز، بينما العجز كامن فينا.[c1]ناقل ومنقول :[/c]كتبت منذ سنوات مقالاً بعنوان ((الناقل والمنقول)) جاء في أوله هذه العبارة :((... إذا علمت شخصا بلغته فقد نقلت العلم إلى تلك اللغة، أما إذا علمته بلغة أخرى فلم تزد على أنك نقلت ذلك الشخص إليها)).وقد ختمت ذلك المقال بقولي :(... إنا نحاول الواقع إذا أدعينا أننا نستطيع أن نطور لغتنا من دون أن نتطور نحن، وفي نظرتنا إليها، فذلك مخالف لسنة الكون وواقع الحياة. إن الآية القرآنية التي تقول :((إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم))هي التي علينا أن نجعلها أساس عمل، لا قماش شعار)).إنني لست من المنكرين، لما تحقق من إنجازات كبرى ومن تقدم ونهوض بالإنسان في مختلف المجالات وعلى رأسها مجال التعليم؛ فإن أي إنكار لذلك يعتبر إيغالا في الجحود بل على العكس إنني أقول بأن ما قطعناه من خطوات هو محل افتخارنا رغم قلة ذات اليد، ولكن المؤسف هو المسيرة البطيئة في التعريب، وإنا لنا من الطاقات والبادرات ما يجعلنا قادرين على أن نقدم للوطن وللأمة العربية كثير مما هي في حاجة إليه، وفي حاجة التعريب بالذات.ذلك أن للانشطار والازدواجية من زرع العقد النفسية والانحرافات الاجتماعية والسياسية، ومن ضياع المقومات الحامية والباعثة على الاعتزاز بالنسبة للوطنية والقومية التأثير الكبير والكبير جدا.[c1]الفاعل والمتفاعل :[/c]إن المستقبل للتعريب لا محالة، التعريب الفاعل والمتفاعل، تعريب لا انغلاق فيه، ولا انشطار في الهوية، وما تم لحد الآن من مراحل ـ ولو بطيئة ـ برهان قوي على ذلك؛ لأن ذلك البطء ليس كسب رهان، بل هو ربح وقت.والسؤال هو : لماذا بعض منا يفضل السباق على فرس أعرج لا أمل للفوز به؟[c1]مشكلة المصطلحات الطبية والمعاجم المختصة والكتب :[/c]إن قضية التعريب في المجال الطبي، هي حقا قضية رائدة بالنسبة للوطن العربي، وهي مفروضة لا محالة عليه، وعلى أطبائه وأساتذته ويتحتم حلها لصالح الأمة العربية طال الزمن أو قصر، وهي قضية الأصالة والذاتية وقضية النجاعة والفاعلية وقضية العزة والكرامة التي تستدعي مزيدا من الفطنة والصرامة، وكما هو المر بالنسبة لكل العلوم والمعلومات؛ فإنها ترتكز أولا وبالذات على قيم بيداغوجية وعلمية ثابتة تتأصل جذورها في القوانين الفيزيائية والنفسانية المسيطرة على وظائف دماغ الطفل منذ نعومة أظفاره، وهذا ما ينبغي أن يتشبع به كل الناس، فهو من السهل جدا أن يتلقى الطفل، ثم الصبي، ثم الشاب معلوماتهم باللغة الأم، وذلك من حيث النجاعة والفاعلية وقبل أي اعتبار آخر وكل بلد يحترم نفسه يدرس علومه اليوم باللغة الأم بيد أنه ينبغي ولا فائدة في ترديد ذلك أن يتحكم أيضا الطالب في لغة أجنبية حية وبالأولوية في الإنجليزية؛ لأنها أصبحت اللغة العالمية التي لا مناص من معرفتها.لقد كان للعرب والمسلمين شأن في ابتكارها وتعليمها، وذلك منذ صدر الإسلام الذي تمكن من استيعاب العلوم من جميع الأنحاء واحتضن العلماء وبوأهم المكانة المرموقة وحث على البحث والتعليم.وقد حث القرآن على طلب العلم كما أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بالتعليم واستيعاب العلوم الحديثة، ألم يقل عليه السلام ((اطلب العلم ولو في الصين))، (وهذا يعني أن نتكلم لغتهم تصديقا لـ ((خاطب الناس بما يفهمون)). فالمشكلة الأساسية تنحصر في طلب أحدث ما يكتشف في العلوم وأن نتعلم ونعلم ولا وجوب لاتخاذ العربية دون غيرها.لاشك أن أملنا أن نعلم ونفكر بلغتنا ونبحث بها لكن يجب أن يكون التعريب لا بمثابة ترجمة، ولكن يجب أن يكون للعلماء العرب رصيد كبير من الخلق والاكتشاف والبحث المعمق، ولا يمكن في اعتقادي أن نعلم بالعربية، إذا لم يكن لنا مراجع أساسية في مستوى مرموق، وعدد وافر من ابتكار وخلق علماء عرب وهذا يحتم علينا الإيمان بذلك العمل العلمي الذي لا جدال فيه ومسايرة العلماء في العالم.الأصالة لا تعني الانغلاق، بل إني شخصيا دعوت لتعلم اللغة الإنجليزية؛ لأنها اليوم لغة عالمية إذ يجب أن نستفيد من تجارب الشعوب الأخرى في تدريس العلوم بلغتها على نحو ما يجري في اليابان أو الصين رغم صعوبة الكتابة بأحرف لغتيهما، وعلى نحو ما يجري في سوريا والجزائر، المهم أن تتوافر العزيمة السياسية والشروع في التعريب.أما عن العربية فكلمة حق يقال هي إن العربية كانت قادرة في الماضي على استيعاب العلوم ونقلها، أما اليوم فهي عاجزة إلا إذا درست المصطلحات ووقع الاهتداء للمصطلحات الدقيقة دون أن تتشتت الجهود، وإذا ما وجدت المصطلحات فسيتيسر للعربية القيام بدورها، ويؤمل أن تبذل المنظمة التابعة لجامعة الدول العربية، هذا الدور في توحيد الجهود والمصطلحات.مشكلة المصطلح هي العقبة التي يجب تجاوزها بالاجتهاد والقياس والاشتقاق والاعتماد على أصول عربية، وهذا موجود ولكن أضيف إن لم يتيسر ذلك، فلا مانع من الأخذ باللفظ الأجنبي بعد المحالة.المهم أن يتوفق العرب لتوحيد المصطلحات، والشروع في تعريب بعض الاختصاصات، لا أحد يشك في أصالتنا بل الموضوع عزيمة سياسية، وصمود أمام المحبطين والشاكين أو المتشككين.وأعتقد أن نظامنا لما له من ذات قادر على تخطي كل الصعوبات شريطة تضافر الجهود والمثابرة في الطريق القويم.أما قضية المصطلح فهي مطروحة على النطاق العالمي، وليست خاصة بالعربية؛ فإن جل اللغات وحتى الفرنسية تلهث وراء الإنجليزية، وتنقل الألفاظ العلمية كما هي، ولا يجب أن تثنينا مشاكل المصطلح ـ مثل أغلب الشعوب في العالم ـ عن استعمال لغتنا في الكليات للتدريس.أما المصطلح فقضية صعبة، وتعليمنا بالعربية غير منسق حتى أنك ترى مريض الرأس يتجه أحيانا إلى اختصاصي في علم النفس أو في أمراض الحنجرة أو أمراض العيون، المريض يضيع.ومن ناحية ثانية يكون التعبير غير دقيق، المريض أو حتى الطالب يقول أنا عندي دوخة فما المقصود بالدوخة؟هل هي Perte أو Coma أو deconnaissance Absence أو Lipothymie، نرى في هذا نوعا من الضياع وعدم قدرة على تحديد نوع المرض.إذا أردنا أن نؤكد على التعريب، فعلينا أن ننظم كيفية إدخاله ونشره من القاعدة حتى القمة ليكون سهل المنال.التعريب قضية وطنية قومية، وهي قضية مصيرية للبحث العلمي والاكتشاف والاختراع في العالم العربي، كذلك لا نتصور إذا كانت العقلية العلمية عند المواطن العربي، وهذه العقلية لا يمكن إنشاؤها؛ إلا إذا كانت له بنية فكرية، ومن أسس البنية الفكرية استعمال اللغة الم مهما كانت الإشكاليات أو رغم عدم صدور القرار السياسي، ولكن ليس هناك قانون يمنع التعريب، وإنما هي إرادة الجامعي.* رئيس كلية الجراحين الدولية في اليمن وأستاذ المسالك البولية والجراحة بكلية الطب ـ جامعة عدن
|
اتجاهات
تعريب العلوم .. ما له وما عليه
أخبار متعلقة