غسّان بن جدو في حوارٍ مع "سبأ نت" :
غسان بن جدو الصحفي المهذب غني عن التعريف، جاء إلى الصحافة من بوابة الكتابة والبحث، وأختار مكتب الجزيرة في بيروت بدلا عن القاهرة وعمان قبل أن تصبح بيروت في فوهة البركان . كانت قناعته أن لبنان سيكون الساحة المركزية الأولى في البلاد العربية، عقب قراءة سياسية في صيف 2004م.غسان أول إعلامي عربي تمنحه الأكاديمية البريطانية درع الإعلام العربي، كما اختير كأفضل محاور عام 2004م، وأفضل برنامج في 2005م، وجائزة أفضل مقدم برنامج من مهرجان الإعلام العربي الرابع في بيروت عام 2006م.غسان يؤكد انه لو خير بين العمل التلفزيوني والكتابة لاختار الكتابة، " فالقلم يبقى الملك المتوج بامتياز". وهنا يتحدث عن الإعلام وإيران وتجربته الشخصية .... وهاكم حصيلة الحوار :[c1]كان لكم رؤية معينة حول حرية الإعلام طرحتموها في مؤتمر الديمقراطية و الإصلاح السياسي وحرية التعبير الذي انعقد مؤخرا ما هي هذه الرؤية ؟[/c]- النقطة الأساسية التي وددت أن أتحدث بشأنها فيما يتعلق بحرية الوصول إلى عالم المعلومة، ونقل المعلومة وتداولها، أن الإشكالية ليست في الوصول إلى المعلومة ولكن في كيفية نقل المعلومة، لأن الوصول إلى المعلومة عمل الاستخبارات، ولكن نقل المعلومة هو عملنا نحن كإعلاميين، مشكلة الحكومات وأجهزة الأمن في العالم العربي لا تريد أن ننقل المعلومات ، والمعلومات تعني أن ننقل الواقع كما هو، فيما يتعلق بالحريات وبالنضال والديمقراطية، والفساد والاحتلال وغيرها.ينبغي أن نناضل من أجل حقنا في تداول المعلومة كما هي، ونقل الواقع كما هو لا كما يريده الحاكم ولا كما تريده المعارضة.- النقطة الأخرى أنه مع كل الضغوط الحاصلة، الإعلام العربي حقق تقدماً ملحوظاً، والإعلام العربي أصبح مؤثراً في الساحة العربية . ويجانب الصواب من يقول أن الإعلام ما زال مجرد صوت دعائي " بروبجندا" للحاكم أو مجرد آلة تحريضية، كلا. الإعلام العربي اصبح مؤثراً ، وخاصة الفضائيات .[c1]لكن هناك فاتورة يدفعها الصحفيون مقابل هذا التطور في الاعلام العربي ؟[/c]- هذا أمر طبيعي ، وما أقوله أن على الحكومات وعلى أصحاب الشأن ألا يتعاطوا مع من يريد أن ينقل المعلومة أو الواقع كما هو باتهام بأنه دائماً يحرض على الفتنة ويحرض على الاستقرار ، هذا غير صحيح ولكن في الوقت نفسه أن هناك من يتهم أطرافاً إعلامية بأنها عميلة للامبريالية والقوى الخارجية بحجة أنها تريد أن تدفع باتجاه الديمقراطية والإصلاح ، وهذا أمر غير صحيح حتى وإن كانت الولايات المتحدة ترفع شعار الديمقراطية والإصلاح ، هذا شأنها .[c1]طرحت عدم أدلجة المعلومات، ماذا تقصد ؟[/c]- أنا أرفض أدلجة المعلومات وتسييسها ، أنا مع الرأي المسيس ولكن لست مع المعلومة المسيسة أو المؤدلجة، نحن ينبغي أن نخرج من المرحلة التي نغربل فيها المعلومات إما خدمة للحاكم ، أو خدمة لحزب ما ، أو رجل دين ما ... هذا ليس شأننا ، المواطن العربي أصبح في حاجة ومن حقه أن يعرف المعلومات كما هي ، أن تستخدمها الحكومة بطريقتها فهذا من حقها وأما أن تستخدمها المعارضة فهذا من حقها ، بمعنى أن يرتب هذه المعلومات في إطار سياسي فمن حقه ، أما أن نؤدلج المعلومة ونقول أن هذه المعلومة من حق المواطن أن يعلمها وهذه ليس من حقه فأنا ضدها . [c1]قلت أن هناك تطورات في الإعلام العربي ، قد يصدق هذا على الجزيرة وبعض القنوات الأخرى، لكن بالمقابل سعت بعض الأنظمة لاستهداف الإعلام الحر بإنشاء قنوات تحاول ضرب الجزيرة ، وهذا يطرح السؤال هل فعلاً هناك تطور في الإعلام الفضائي المستقل ؟[/c]- أنا لا أريد أن أبخس الزملاء أو القنوات الأخرى ، هل هي جاءت لضرب الجزيرة ، أم أن أنظمة تستخدمها ، هذا شأنها ، لكن ماهو حاصل أنه في كل مرحلة كان هناك قنوات فضائية كان لها صوت في السنوات الماضية ، ينبغي أن نقر أن قناة أبو ظبي على سبيل المثال كانت قناة جيدة ومهمة ومؤثرة ، تراجعت هذا أمر آخر ، قناة المنار لا تزال قناة مهمة ومسموعة وقناة العربية قناة مؤثرة ومشاهدة ، هل نتفق مع رؤيتها أو نختلف هذا شأن آخر أنا لا أرى ضيراً في أن يكون هناك أكثر من قناة جزيرة في العالم العربي ، وأن يكون في كل بلد عربي قناة أشبه بالجزيرة.[c1]هل تتوقع أن يكون الوطن العربي في يوم ما بدون قناة الجزيرة ؟[/c]- لا أتمنى ذلك ، ضرب قناة الجزيرة وإسكات صوتها إن حصل في يوم ما سيكون لي إحباطاً شديداً حتى ولو غادرت قناة الجزيرة ، ولا أعتقد أن هذا الأمر سيحصل .[c1]توجه إليك انتقادات أنك تستنبط من ضيوفك ما تريده أنت ؟[/c]- أولاً أنا دوري كمحاور أن أستخرج من الضيف المعلومة والموقف والرأي ، وكل ضيف أحاوره على طريقته ، ليس هناك نموذج واحد لمحاورة الضيوف لأنني من الناس الذين يدرسون شخصية الضيف قبل التحضير للحلقة، ولكن لا شك عندما أدخل إلى البرنامج لدي محاور أساسية أحضرها ، وأتمنى أن الذين يناقشون أن يكون نقاشهم ضمن هذه المحاور ، وليس محاور أخرى و إلا أصبحت فوضى .ونحن لدينا تقليد غير سليم في الأوطان العربية ، أن الضيف يريد أن يتحدث بالطريقة التي يريدها، ويتحدث ساعات، هذا لم يعد جائزاً، أنت عندما تقبل أن تكون ضيفاً وتتفقان على المحاور الأساسية للحوار ، نلتزم بهذه المحاور .[c1]على المستوى الشخصي، ما هو برنامجك اليومي في القراءة ؟[/c]- أنا من الذين يستيقظون باكراً، حوالي السادسة والنصف أو السابعة أكون في مكتبي ، وأول ما أفعله هو تصفح الانترنت، والاطلاع على بنوك المعلومات المشترك فيها، طوال النهار أقوم بالتحضير للبرنامج ، وللعلم لا يكون التحضير للبرنامج في أسبوع فقد يكون قبل أشهر، لأنه يتطلب قراءة ومتابعة، وبالنسبة للقراءة، أنا نهم جداً على القراءة ، وأقضي حوالي ثلاث ساعات في القراءة.[c1]قلت في إحدى مقابلاتك أن الكتابة تستهويك أكثر من العمل التلفزيوني ؟[/c]- أعتقد أن العمل التلفزيوني هو الأكثر تأثيراً ، وأنا أتلذذ بالعمل التلفزيوني وأعتقد أنه يؤدي رسالة، ولكن لو خيرت في نهاية حياتي بين أن أكون تلفزيونياً أو كاتباً فسأختار الكتابة، وأعتقد أن القلم يبقى هو الملك المتوج بامتياز ؟[c1]ما هو العمل الصحفي الذي قمت به وأثار ضجة على المستوى العالمي خلال مشوارك الصحفي ؟[/c]- أعتقد أن حواراتي مع القادة الايرانيين كانت مهمة وأثارت حديثاً في الساحة العربية والامريكية ، خصوصاً أول حديث مع د. محمد خاتمي ، ورفسنجاني ، والحديث مع حسن نصر الله فجر سجالاً كبيراً في الساحة اللبنانية وحديث أخير مع الرئيس أمين لحود وهو أول حديث مع وسيلة إعلام عربية، وأعتقد أنه أهم حديث له ، والحوار مع بشار الأسد كان له ردود أفعال كبيرة.[c1]وربما هذا ما رشحك لجائزة أفضل مذيع يجري حوارات عام 2005م في الشرق الأوسط ؟[/c]- عام 2004م اخترت أفضل محاور ، وفي 2005م اخترت أفضل برنامج ، وهذا العام 2006م ، حصلت على جائزة أفضل مقدم برنامج من مهرجان الاعلام العربي الرابع في بيروت .وأخبرت أخيراً وهذا أتحدث عنه لأول مرة بأن الأكاديمية البريطانية ستمنحني هذا العام درع الاعلام العربي . وهذا يمنح لأول إعلامي عربي .[c1]طيب لماذا فضلت بيروت لتكون مديراً لمكتب الجزيرة فيها ، بدلاً عن عمان والقاهرة ؟[/c]- فضلت بيروت لأن جزءاً من عائلتي لبنانية ، وأحمل الجنسية اللبنانية ، ثانياً كنت استشرف أن لبنان سيكون الساحة المركزية الأولى في البلاد العربية ، لأنني أعددت قراءة سياسية في صيف 2004م وفي نهاية هذه القراءة استشرفت أن ساحة بلاد الشام ستكون مركزاً رئيساً وعلى هذا الأساس فضلت خيار بيروت .[c1]من يتابع حواراتك يكتشف غسان بن جدو المفكر، كما أن هناك حضوراً للخطاب الاسلامي هل سبق وأن انتميت لإحدى الحركات الاسلامية ؟[/c]- أنا لست مفكراً ، ولكن باحث ، دخلت عالم الصحافة من زاوية البحث ، ربما هذا سبب فيما تفضلت به ، وأعتقد أنه لا مستقبل للصحفيين إذا لم يكونوا مثقفين، هناك فرق بين الصحفي المؤثر الذي يسمع ويدوم ويستمر وبين الصحفي ناقل الخبر ، نحن صحافيون ولسنا سعاة بريد فقط ، مع احترامي لهذه المهنة ، والذي لا يثقف نفسه ولا يتابع ، سيصل إلى رقم عادي في هذا الكم من الصحفيين ، وأي صحفي يريد أن يصل إلى مستوى معين من التأثير ينبغي أن يكون مثقفاً .أما عن الحضور الإسلامي ، أنا لا أعتقد أن هناك حضوراً اسلامياً مكثفاً من برامجي التي أقدمها ، ولكن هناك حضور لأن الاسلاميين مؤثرون في الساحة العربية ، اتفقنا معهم أم اختلفنا ، هم جزء أساسي في صناعة الشارع العربي والسياسات العربية .إذا سمح للانتخابات أن تكون نزيهة فلا شك بأن الاسلاميين سيكون لهم صوت أساسي ، كما حصل في مصر ولبنان والمغرب ، والجزائر ، وكما سيحصل في دول أخرى .[c1]هذا جزء من استشرافك كباحث ؟[/c]- هذا واقع موجود ، ويجب أن نقر به، اعتقد الآن أننا تجاوزنا التعاطي فقط مع الحركات الاسلامية وبدأ يظهر ما يسمى بالمؤتمر القومي الاسلامي، وهو عبارة عن ائتلاف بين الاسلاميين والقوميين وبعض اليساريين ، وهذا التكتل أعتقد أن له مستقبلاً كبيراً إذا استطاع أن يعمل على المستويات القطرية .[c1]عملت كثيراً في إيران ، وكتبت حولها الكثير، باختصار إلى أين تتجه إيران ؟[/c]- أيران تتجه إلى أن تفرض نفسها كقوة إقليمية كبرى، أريد تحجيمها ومحاصرتها ، لم ينجحوا في هذا الأمر، عامل الجغرافيا له تأثير، وكذلك السكان والتاريخ والاقتصاد وقوة السلام، وهذه لها قوة داخل إيران .إيران تتجه لتكون جزءاً من النادي النووي، وأمريكا تتعامل معها على هذا الأساس، وإيران تحقق نجاحات أساسية في هذا الأمر، وينبغي ألا تبرز إيران جانبها الشيعي، وإذا غلبت إيران ذلك الجانب في المنطقة العربية فإنها ستخسر، وإن ربحت في بعض الساحات لكنها استراتيجياً ستخسر، ولننظر إلى حزب الله في لبنان قاعدته شيعية لكن أفقه وطني عربي ، وإسلامي ، وهناك تأييد كبير له في الساحة اللبنانية لأنه لم يتصرف كحزب شيعي .[c1]قبل أن نختم كنت قد انتقدت احتكار الإعلان في الوطن العربي ، لماذا هذا الاحتكار والذي تأثرت به قناة الجزيرة ؟[/c]- سوق الاعلان تهيمن عليه بشكل أساسي دولة رئيسية وشركات الاعلان هذه مصالحها ولأن مصالح تلك الشركات مرتبطة بنسبة 80% بتلك السوق فهي تحاصر قناة الجزيرة ، والمشكلة ليست لها تأثير على الجزيرة ، طالما تمويلها من دولة قطر .[c1]لكن هذا يؤثر على بقية القنوات الحرة أو التي تريد أن تظهر ؟[/c]- القنوات الأخرى والصحف الأخرى سيؤثر عليها بشكل أساسي ، الاحتكار الإعلامي مضر بالإعلام والاعلان، لكن هناك مسألة خطيرة أن شركة الاعلان لم تعد تمول بعض القنوات بل أصبحت تزور استطلاعات الرأي، وتساهم في تزييف الوعي العربي.[c1]هل تتوقع أن تكون يوماً مديراً لقناة الجزيرة ؟[/c]- لا أتوقع ولا أتمنى ذلك .أنا صحفي ، ومسرور بعملي ، وبالمناسبة حتى إدارة مكتب بيروت أتوقع أن أتركه في وقت متوسط ، لأعود للعمل الصحفي والكتابة .[c1]كلمة أخيرة توجهها للصحفي العربي .[/c]- أولاًُ المهنية ، ثانياً الثقافة ، ثالثاً التواضع إضافة إلى الجرأة وعدم المجاملة والتهذيب وأنا من أنصار ثقافة التهذيب ، وهي لا تعني المجاملة ، ولكن الجرأة مع إحترام الناس [c1]هل لديكم كتب اصدرتها ؟[/c]- نعم ، حول الخطاب العربي والمستقبل، وحول إيران ، ومساهمة في كتاب حول الإعلام العربي والفضائيات ، والآن بصدد التحضير لكتابين أحدهما حول إيران والآخر حول الإعلام.